الطبيعة والعلوم البيئية > عجائب الأحياء

طائر الدودو

الدودو ... ذلك الطائر اللطيف المنفوش الذي استطاع أن يبقى حيّاً في قصصنا الشعبية وفي خيالنا حتى بعد انقراضه ، ما زالت قصّته المؤلمة عالقة في أذهاننا، فهي واحدة من أكثر قصص الانقراض مأساوية. تلك القصة التي كتب أحداثها الإنسان بوحشيته وجشعه دون أن يكون للطبيعة هذه المرة دور.

عاش طائر الدودو حتى العصر الحديث حياة رائعة، لم يكن هناك في موطنه ثدييات متوحشة ولا زواحف مفترسة ولا حتى حشرات مزعجة، كان طائر الدودو وثوقاً بشكل فطري، حيث كان يتهادى بكل ثقة باتجاه المستوطنين الهولنديين المسلحين الجشعين آمناً كالطفل الذي يتهادى إلى حضن أمه، غافلاً أنَّ هؤلاء الوحوش البشرية تريد قتله وأكله وإطعامه كذلك لحيواناتهم الأليفة المدللة كالقطط والكلاب وحتى القرود.

يعود أول ظهور موثّق لطائر الدودو إلى أوائل القرن الخامس عشر، حيث شوهد من قبل المستكشفين الهولنديين على جزيرة موريشيوس Mauritius –الموطن الأصلي لهذا الطائر- وانقرض طائرنا البائس بعد 80 عاماً فقط من اكتشافه.

يبلغ ارتفاع طائرنا حوالي المتر ويَزِن من 10 - 20 كغ، يغطي جسمه الريش المتدرج لونه من الأبيض إلى الرمادي الغامق والأسود، مع منقار كبير نسبياً ذو مظهر منتفخ وساقان قصيرتان، وقد وجدت التحليلات الحديثة –وبما يتعارض مع ما هو معروف– أنَّ طيور الدودو لم تكن ممتلئة الجسم وسمينة إلى حدٍّ كبير وبشكل مستمر، فمع سيادة فصلين؛ رطب وآخر جاف في جزيرة موريشيوس، كانت طيور الدودو تبدو سمينة في الفصل الرطب من السنة ونحيلة مع قلة الغذاء في الفصل الجاف.

ازدهرت طيور الدودو في جنتها الأرضية، وكانت تتغذى على الطعام المتوفر القريب كالأسماك والجذور النباتية والفواكه، وبالتالي لم تكن بحاجة للطيران، وكنتيجة .... انكمشت أجنحتها وخسرت القدرة على الطيران نهائياً. يفترض العلماء أن عظم القص في هيكلها العظمي لم يكن قوياً بشكل كافي لدعم عملية الطيران أيضاً. جعل كل هذا منها طريدةً سهلة أمام وحشية الإنسان ونهمه.

لا يعرف إلامَ تعود تسمية هذا الطائر بهذا الاسم الموسيقي "الـدودو Dodo"، فعلى الرغم من زيارة البرتغاليين للجزيرة عام 1507م إلا أنه لم يُذكَر في سجلاتهم ما يتعلق بهذا الطائر، ولكن حسب قاموس اللغة البرتغالية فإن كلمة "Dodo" قد تكون مشتقة من الكلمة البرتغالية "Doido" والتي تعني المغفل أو الأخرق!

إن توصيف العلماء لهذه الطيور بأنها طيور خرقاء وغبية لم يكن عبثاً وفي نفس الوقت لم يكن في مكانه، فقد أُطلِقَت عليها هذه التسمية بسبب شكلها الغريب وسلوكها الأغرب وكونها عاشت دون إحساس بالخوف من أي أحد، حيث كانت تقترب من البشر مندفعة وغير آبهة لوجودهم، وهذا للأسف ما أدى إلى انقراضها، ولكن في الوقت عينه امتلكت هذه الطيور عضّةً قوية ساعدتها بصيد الأسماك، كما عرفت بوفائها لشريكها طوال حياتها واشتراك الزوجين في تربية وتنشئة الأطفال.

انقرضت طيور الدودو .... جريمةٌ ليس على لائحة متـــّـهميها إلّا الإنسان، حيث استقدم المستكشفون الهولنديون والبرتغاليون حيوانات هدَّدت حياة الدودو أمثال القطط والكلاب والجرذان التي قضت على بيوض الدودو الموجودة على الأرض، كما شحن المستوطنون نماذج حيّة من هذه الطيور إلى أوروبا، إلا أن معظمها لم ينجو في تلك الرحلة الطويلة.

كان المستوطنون يصطادون طائر الدودو من أجل الطعام، علماً أنه ولسخرية القدر كان لحم الدودو ذو مذاق غير مستساغ، ولكن تبرير ذلك محدودية خيارات الطعام في القرن السابع عشر الأمر الذي دفع البحارة إلى عمل ما بوسعهم للاستفادة من كل ما هو موجود، فكانوا يأكلون ما يقدرون عليه من لحوم هذه الطيور ويحفظون ما تبقى منها كمخزون احتياطي بعد إضافة الملح لها كي لا تفسد.

ساهمت قلّة أعدادها بتسريع انقراضها، فقد تمتعت الإناث بالترف الفريد بوضع بيضة واحدة فقط (معظم الطيور الأخرى تضع عدة بيوض لتزيد أفضلية بقاء بيضة واحدة على الأقل خارج نطاق الخطر والافتراس وزيادة احتمالية تفقيسها). وللأسف فإن سياسة البيضة الواحدة التي اتبعتها طيور الدودو كان لها نتائج كارثية عندما تعلمت قرود المستوطنين الهولنديين كيفية إيجاد أعشاش طيور الدودو وشن الغارات عليها وسرق بيوضها.

في أوائل يوليو / تموز عام 2007 م، أعلنت مجموعة من العلماء الذين يعملون في جزيرة موريشيوس العثور على أفضل هيكل عظمي محفوظ حتى الآن، كما أنه النموذج الأكثر دقة بالنسبة لهياكل الأنواع المنقرضة التي تم العثور عليه، وهو واحد من هيكيلين عظميين معثور عليها لهذا الطائر.

كان الهيكل العظمي الجديد للدودو مثير بشكل رائع حيث عُثِرَ عليه في كهف، وهذا ما ساعد في حفظ نوعه وحمضه النووي. تمّ إيجاد العديد من العظام التي تعود لطائر الدودو في مستنقعات موريشيوس إلا انه بدا على هذه العظام أنها متآكلة بفعل تأثير مياه المستنقعات.

الحمض النووي الوحيد الآخر يعود إلى القرن الخامس عشر، حيث جُلِبَ من موريشيوس إلى بريطانيا، وهذه العينة ساعدت العلماء على تحديد علاقة هذا الطائر مع الطيور الأخرى، حيث أوضحت الدراسة أن لطائر الدودو علاقات مع العديد من أنواع الحمام واليمام، وكشف الهيكل العظمي الجديد عن معلومات أخرى تضمنت إيجاد صيغة متكاملة أكثر بما يخص شيفرة طائر الدودو الوراثية.
إن هذا الاكتشاف يدفع بنا للسؤال: هل يستطيع العلماء إعادة إحياء طائر الدودو مرةً أخرى؟

قد نكون قادرين على إعادة إدخال الحيوانات المنقرضة مرة أخرى إلى الحياة البرية، وبالنسبة لطائر الدودو، فبالكاد هنالك بقايا كافية لاسترجاع الأنسجة الغضة، وكذلك الأمر بالنسبة لعينات الحمض النووي، لذلك فإن عملية استرجاعه طويلة المدى، وقد تكون لغيره من الحيوانات المنقرضة فرصة أكبر .... وكأن الحظ العاثر يلاحق هذا الطائر حتى بعد سنوات من انقراضه.

اليوم وبكل أسف، ليس الدودو إلا رأساً محنطاً معروضاً في "متحف أوكسفورد للتاريخ الطبيعي"، بالإضافة إلى بقايا جمجمة وعظام ساق في "متحف الأحياء" في جامعة كوبنهاغن و"المتحف الطبيعي" في براغ.

نهاية مأساوية لحيوان آخر فريد دون ذنب.

مزيد من صور الدودو:

1. الدودو في رواية "أليس في بلاد العجائب"

2. مجسم طائر الدودو، في متحف أوكسفورد للتاريخ الطبيعي.

3. بقايا جمجمة وعظام الساق لطائر الدودو في المتحف الطبيعي في براغ، التشيك.

المصــــــادر:

هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا

مصادر الصور:
صورة المقال: لوحة "طائر الدودو" للفنان جي إدوارد عام 1759م.
هنا
هنا
هنا
هنا