الطب > السرطان

ما مدى تأثير الحياة الجنسية للرجال على إصابتهم بسرطان البروستات؟

غدة البروستات هي عضوٌ مهم من الجهاز التناسليّ عند الذكور، إذ تفرز هذه الغدة جزءاً هاماً من مكونات السائل المنوي الذي يحوي النطاف وتعتبر إصابتها بالسرطان من أشيع أنواع الإصابات السرطانية عند الذكور.

ورغم أنّ خباثة سرطان البروستات متعلّقةٌ بالهرمونات بشكلٍ أساسيّ، إلا أن السبب الرئيسي لها لا زال مجهولاً؛ ومعظم الأبحاث السابقة ناقشت العلاقة بين خطورة الإصابة بسرطان البروستات وبين طبيعة الهرمونات الذكورية، وبالتالي تغيرها تبعاً للنشاط الجنسي لدى الرجل.

تهدف الدراسة التي نقدمها في هذا المقال لإيجاد علاقةٍ بين عوامل الحياة اليومية وحالات سرطان البروستات ذات الأهمية السريرية؛ تم فيها إقصاء الأورام جيدة التمايز وقليلة الخطورة، كما تم التركيز على الإصابات المبكرة، حيث تركز الاهتمام على إيجاد عوامل ذات صلة بالوقاية من سرطان البروستات الذي يسبب بدوره العديد من الوفيات المبكرة.

وقد أشار مشرفو الدراسة إلى وجود ارتباط بين النشاط الجنسي وتغيرات مستويات الهرمونات أثناءه وبين الإصابة بسرطان البروستات، لكن الآلية بقيت غير واضحة وعرضة للفرضيات لا أكثر.

من جانبٍ آخر، إذا قسنا النشاط الجنسي للفرد على أساس الجماع فقط أو تحريض البروستات على الإفراز، فسنصل إلى خطأ فادح في التصنيف، ذلك أن النشاط الجنسي للفرد لن يكون على نسق واحد منذ بداية بلوغه حتى وصوله إلى سنّ متقدمة.

وبالتالي كان لا بدّ من توضيح علاقة سرطان البروستات قبل سن الـ 70 مع الأشكال المختلفة من النشاط الجنسي، مع التركيز على إجمالي معدّلات القذف (ejaculations) مع أو بدون جِماع.

تم إجراء الدراسة على مجموعة من الرجال المقيمين في عدة مدن أسترالية بين عامي 1994 و1997 والذين شُخّص لديهم سرطان البروستات بعمر أقل من 70 سنة، بحيث شملت الدراسة كل من شُخّصوا قبل سنّ الستين إضافة إلى عيّنات عشوائية من نصف الحالات المشخّصة بين عمرَي 60 و 64 سنة، وربع الحالات المشخّصة بين عمرَي 65 و 69 سنة؛ في حين تمّ اختيار الشواهد controls – المرضى السليمين الذين تمت مقارنتهم بالمرضى – عشوائيّاً.

وجرى طرح مجموعة من الأسئلة (استبيان) على المرضى في منازلهم، كعدد الشركاء الجنسيين قبل وبعد سن الـ 30، وسنّ البلوغ (أول قذف)، وأقصى عدد لمرات القذف خلال 24 ساعة، ومتوسّط عدد مرات القذف في السنة الأكثر نشاطاً في كل من العقود الثلاثة التالية من أعمارهم: الثالث والرابع والخامس.

بعد جمع المعلومات وإقصاء الرجال ناقصي البيانات؛ تبقى في الدراسة مجموعتان؛ الأولى تتألف من 1079 مريضاً والثانية من 1259 رجلاً سليماً (شاهداً)*.

لوحظ أنّ أفراد المجموعة الأولى (الحالات، المرضى) كانوا بأغلبيتهم مولودين في مكان الدراسة (أستراليا)، ولديهم قريب واحد على الأقل مصاب بسرطان البروستات، وذلك بدرجة أكبر من المجموعة الثانية (الشواهد).

كما لوحظ أن أولئك الذين لم يتزوجوا قط كان خطر إصابتهم أقل ممّن تزوجوا ولو لمرة واحدة، في حين لا يوجد أي دليل على ارتباط عدد الشريكات الجنسيات مع خطر الإصابة.

كذلك لم يتم إيجاد دليل على ارتباط أي من عدد الأطفال لدى الرجل، أو سنّ البلوغ (أول مرة حدث فيها قذف) أو أقصى عدد للقذف خلال 24 ساعة، مع خطر الإصابة بسرطان البروستات.

لكن ما يلفت النظر هو أن أكبر عدد لمرات القذف في أكثر سنة نشيطة جنسياً في كل من العقود الثلاثة ارتبط مع خطر أقل للإصابة؛ أي أن أصحاب معدلات القذف الأكبر كانوا أقل عرضة للإصابة. حيث أنّ أولئك الذين كان معدّل القذف لديهم 4-5 أو أكثر كل أسبوع كان لديهم ثلثا (2/3) نسبة الإصابة بالمقارنة مع الذين كان المعدّل لديهم أقل من 3 مرات أسبوعياً.

بالمقارنة مع دراسات أخرى:

هنالك العديد من التقارير التي دلّت على ارتباط الأورام الخبيثة للبروستات مع الأمراض المنقولة جنسياً والسلوكيات عالية الخطورة كعدم استخدام الواقيات الذكرية، وتعدّد الشركاء الجنسيين...

ويبقى السؤال: هل لتبدّل مستويات الهرمونات أي تأثير على سرطان البروستات؟

بعد دراسات عديدة، لوحظ أن مستويات هذه الهرمونات لا تختلف كثيراً بين الرجال الذين يصابون بالمرض لاحقاً وبين من بقوا سليمين.

واحدة من أفضل الدراسات الأترابية** وجدت ارتباطاً بين مستويات التستوسترون الطبيعية في الدم وخطر الإصابة بسرطان البروستات (حيث كان ذلك الارتباط أقوى لدى كبار السن و أصحاب المراحل المتقدمة من السرطان)؛ لكنها لم تجد ارتباطاً بين درجة الخباثة ومستويات الـ SHBG (الغلوبيولين الرابط للهرمون الجنسيّ في الدم) أو الأستراديول أو الـ DHT (دي هيدروتستوسترون).

تفسيرات أخرى محتملة..

الرجال ذوو معدل القذف الأقل وخاصة في مرحلة البلوغ المبكر، لديهم نسب أقل من الهرمونات التي تتحكم بالرغبة الجنسية؛ ولكن درجة تحكم الهرمونات الذكرية (الأندروجينات) بالرغبة الجنسية غير واضحة بدقة! فمثلاً مستويات التستوسترون الطبيعية لا تملك أي تأثير على الرجل الصحيح جنسياً!

إلا أن دراسة صغيرة وجدت رابطاً بين مستويات التستوسترون في الجسم ومعدلات النشوة الجنسية لدى 33 شاباً.

وفي حال كانت المستويات العالية من الأندروجين في الدم ذات علاقة مع الإصابة بسرطان البروستات، فإن الوقاية منها بخفض معدل القذف لدى الرجل لن يتوافق مع فرضية الدراسة المذكورة آنفاً!

إلا أنه قد يبدو لنا أن هرمونات أخرى غير الأندروجين مسؤولة عن الرغبة الجنسية، وتتجلى أهميتها في المراحل المبكرة بعد البلوغ في الوقت الذي تنمو فيه البروستات لتصل إلى حجمها الطبيعي لدى البالغ.

إن ارتفاع مستوى هرموني الـ LH والبرولاكتين عند الرجال مع التقدم بالسن مقارنة بالأندروجينات، وتأثيرات هذا الارتفاع على الرغبة الجنسية ووظيفة البروستات هي أيضاً ناحية مهمة تستلزم المزيد من البحث.

وكذلك هو موضوع الأثر الوقائي لمعدّلات القذف، الذي يكون أعلى ما يمكن خلال العقد الثالث، يستحق الاهتمام. إضافة إلى انخفاض هذه المعدلات عند الرجال في العشرينات من أعمارهم، وهل اتخذوا هذا القرار تلقائياً أم أنه فُرِض عليهم تبعاً لظروف البيئة المحيطة أو لطبيعة هرموناتهم؟

و أياً كان السبب، فمن الضروري فهم نتائجه البيولوجية وعلاقتها مع إصابة غدة البروستات بالسرطان.

هوامش:

*تستخدم مصطلحات الحالات والشواهد في هذا النوع من الدراسات الإحصائيّة والذي يسمّى بدراسة الحالات والشواهد أو case-control study؛ يقدّم هذا النوع طريقةً بسيطة نسبياً لتقصّي أسباب الأمراض لاسيما النادرة منها.

تشمل هذه الدراسات المصابين بالمرض ومجموعة شواهد مناسبة (مُقارنة أو مرجعية) من الأفراد غير المصابين (بالمرض أو بمتغير النتيجة).

**نوع آخر من طرائق إجراء الدراسات الإحصائيّة.

المصدر:

G.G. GILES، G. SEVERI، D.R. ENGLISH، M.R.E. MCCREDIE، R. BORLAND، P. BOYLE and J.L. HOPPER. Sexual factors and prostate cancer. BJU International 2003; 92: 211 – 21 6.

هنا

مصدر الصورة:

هنا