البيولوجيا والتطوّر > علم الجينات

نحن والطيور نتشارك مورِّثات الغناء!

العقول العظيمة ليست وحدها التي تفكّر بنفس الطريقة، فهناك العشرات من المورّثات المسؤولة عن التعلّم الصوتي تقود عملية النطق عند الإنسان ولكنها فعّالةٌ أيضاً عند بعض الطيور المغرّدة.

يمكن القول أنّ الإنسان يتفرّد بسمة تعلّم اللغة المعقّدة، لكنّ القدرة على تعلّم الأصوات (أي تعلّم صوت جديد بتقليد الآخرين) ليس حكراً عليه، فبعض الثدييات بما في ذلك الحيتان والدلافين والفيلة تُشارك قدرة الإنسان على تعلّم صوتيّات جديدة وهذا ما تفعله أيضاً ثلاث مجموعات من الطيور: الطيور المغرّدة، الببغاوات، والطيور الطنّانة.

وإنّ أوجه التشابه هذه بين الإنسان والطيور في تعلّم الأصوات ليست سطحيّة ! ففي دراسات سابقة لهذه الدراسة تمّ تأكيد الأمور التالية:

تملك الطيور المغرّدة مثلاً، دارات كهربائية دماغية متخصّصة بتعلّم الأصوات مشابهة لتلك الدارات التي تتواسط عملية النطق عند البشر، وهناك أكثر بعد، إذ توجد مورثة تدعى FOXP2 مسؤولة عن اللغة عند الإنسان، وقبل عقد من الزمن اكتشف العلماء أنّها فعّالة أيضاً في المنطقة X من دماغ الطيور المغرّدة وهي إحدى المناطق التي تشترك بالدارات المتخصصة بتعلّم الاصوات.

وقد أكدّت العالمة Constance Scharff -وهي التي ساعدت في التعريف بأهمية هذه المورّثة في تعلّم الأصوات- على أنّ الطيور المغردة تشكّل نموذجاً مثالياً لدراسة النطق البشري وأمراضه، وإنّ النتائج المختبرية خلال العشر سنوات الماضية أظهرت أن هذه المورّثة مرتبطة بتعلم الغناء عند الطيور وكذلك تعلّم النطق عند البشر.

نأتي الآن إلى الاكتشافات الجديدة، إذ قام فريق من العلماء و بناءً على هذه الاكتشافات المسبقة بمقارنة خرائط النشاط المورّثي لأنسجة أدمغة تم أخذها من عصفور الزيبرا، ببغاء الطائر الطيب،

والطائر الطنّان، والتي تمثّل ثلاث مجموعات من الطيور المتعلّمة للأصوات، وقورنت هذه الخرائط أيضاً مع خرائط أخرى أُخذت من أنواع أخرى من الطيور والثدييات التي لا تستطيع تعلّم أصوات جديدة، وكذلك مع خرائط أُخذت من ستة أشخاص متبرّعين. فماذا كانت النتائج؟

أظهرت نتائجهم أن هناك 55 مورّثة تبدي نمطاً متماثلاً من النشاط بين أدمغة البشر والطيور المغردة ، وليس فقط مورثة ال FOXP2 التي ذكرناها سابقاً. وعلى العكس، حيث تُظهر الجينات نفسها

أنماطاً مختلفة من النشاط في أدمغة الحيوانات والطيور غير القادرة على تعلّم الأصوات.

يعود التشابه بين مجموعة الجينات، إلى تشابه جزيئي منظّم ومتناسق بين البشر والطيور التي تستطيع تعلم الأصوات، إذن تقوم هذه المورّثات بأداء دور عظيم في تعلّم الأصوات، لكن لاختبار ذلك بطريقة دقيقة، فعلى العلماء التأثير على هذه المورثات والتعديل عليها لدى الطيور المغردة واكتشاف آثار ذلك على سلوك الطيور.

لكن ومع كل هذه النتائج فإن هناك تساؤلات تنتظر الإجابة.. إذ ليس واضحاً بعد سبب التشابه المورثي الرائع بين تعلّم الأصوات عند البشر وبعض أنواع الطيور، فبالنظر إلى آخر سلف مشترك بين البشر والطيور الذي عاش قبل 310 ملايين مضت، أي كان ذلك قبل مئات الملايين من السنين من الفترة التي أمكن فيها للبشر أو الطيور تطوير تعلّم الأصوات. هل جاء التقارب المورّثي مصادفة؟؟ أو أنّ تعلّم الأصوات كان ممكناً فقط عبر هذه الجينات الخمسة والخمسين؟؟

نصل الآن إلى الفوائد المتوقعة من هذه النتائج...

فهناك إمكانيّة لاستخدام الطيور كنموذج قياسي، أي يمكن استخدامها في البحوث المتعلّقة بمورّثات التكلّم ومشاكل النطق باعتبارها تمتلك نفس الجينات المسؤولة عن ذلك عند الإنسان. هناك احتمال أيضاً لاستخدام الطيور المغرّدة لدراسة الأمراض التي يحدث فيها تنكّس عصبي،مثل داء هنتنغتون الذي يؤثّر على القدرة على أداء سلوكيات حركية معقّدة كالكلام والغناء، فالتجارب مع الطيور قد تدل على الجينات المتورّطة بهذا المرض.

إنّ هذه الدراسة التي أجرها البروفسور Andreas Pfenning وفريقه تشكّل واحدة فقط من 28 دراسة نُشِرت خلال أسبوع من قِبل اتحاد جينوم الطيور، وهناك جهد دولي ضخم للحصول على تسلسل الجينات ل 48 مجموعة رئيسية من الطيور كانوا قد حصلوا على ثلاث منها فقط قبل بدأ عمل الاتحاد عام 2010.

المصدر:

هنا

مصدر الصورة:

هنا