الطب > علوم عصبية وطب نفسي

كيف يؤثر الفضول على تعلّمنا؟

لدينا جميعاً الكثير من الذكريات من أيام الدراسة أو ما زلنا نعيشها بحلوها ومرّها، حيث يميّزنا فيها شغفنا وتعلقنا ببعض المواد وابتعادنا عن غيرها التي قد تبدو مملةً لنا وممتعةً لطلاب آخرين. فمن منّا لا يعرف شخصاً يكره الرياضيات أو الجغرافية؟!

هذه الاختلافات كانت غالباً ما تبدو واضحة في نتائجنا وفهمنا لهذه المواد؛ فنحقق أفضل نتائجنا في تلك التي نحبها وتثير فضولنا، ولن نتحدث عن المواد المملة أو "الصعبة" لتفادي الإحراج..

فبناءً على الملاحظة يمكننا القول بأنّ الناس يجدون تعلّم المواضيع التي تثير اهتمامهم وفضولهم أسهل من غيرها، إلّا أنّ القليل معروفٌ حالياً عن كيفية تأثير هذا الفضول والتحفيز الذاتي الناتج عنه على التعلّم.

وقد وجدت دراسة جديدة أنّ الفضول يحسّن القدرة على التعلّم، ولا يتوقف أثره على المعلومات التي أثارت فضولنا فحسب، بل يؤثّر حتى على أيّ معلومات عارضة تم تلقّيها في الفترة الزمنية نفسها. وقد نُشرت هذه الدراسة في مجلة Neuron.

وصل لهذه النتيجة الدكتور ماثياس غروبر Matthias Gruber، PhD وزملاؤه الذين قاموا بالدراسة، حيث قال: "أكثر ما فاجأنا كان على المستوى السلوكي؛ حيث لاحظنا وجود حالة من الفضول لدى المشاركين عند تعلّمهم لمعلومات تثير اهتمامهم. وعندما أريناهم أشياء جانبية غير مثيرة للاهتمام وغير متعلقة بالموضوع الأساسي، كان تذكّرهم أفضل أثناء تلك الحالة من الفضول مقارنة بالحالات التي ليس فيها ما يثير اهتمامهم.

فالفضول قد يضع الدماغ في حالة تسمح له بتعلّم وحفظ أيّ نوع من المعلومات، كالدوامة التي تمتصّ ما تكون متحمساً لتعلمه وأي شيء حوله!".

في بداية الدراسة، قام كلّ مشارك في الدراسة بتقييم درجة فضوله لمعرفة أجوبة مجموعة من الأسئلة. تم اختيار مجموعة منها لعرضها لهم تليها أجوبتها بفاصل 14 ثانية، تُعرض خلاله صورة عادية لشخص ما، لا علاقة لها بموضوع السؤال.

فيما بعد، أجرى المشاركون اختبار ذاكرة للأوجه التي عُرضت لهم خلال ال14 ثانية، متبوعاً باختبار لمدى تذكرهم لأجوبة الأسئلة.

وفي مراحل معينة من الدراسة كانت تُجرى فحوصات بالرنين المغناطيسي الوظيفي* fMRI لمعرفة أجزاء الدماغ المسؤولة عن إنتاج حالة الفضول تلك.

وجد الباحثون أنّ تذكّر المشاركين للوجوه كان أفضل عندما يكون الدماغ في حالة من الفضول مقارنة بتذكّرها بدون تلك الحالة، وكذلك بالنسبة لتذكّر أجوبة الأسئلة.

كما لاحظوا زيادة النشاط في منطقة الحُصَين* Hippocampus أثناء حالة الفضول تلك، وكذلك زيادة التفاعل بين منطقة الحُصين والأعصاب الدوبامينيّة (التي تفرز مادة الدوبامين)، وهي جزء من "دارة المكافأة" في الدماغ.

هذه أول دراسة تقترح أننا بمجرد أن ننشّط جهاز الدوبامين "دارة المكافأة في الدماغ" عندنا، فإننا نحسّن فرص حفظنا ليس فقط للمعلومات التي تهمّنا بل أيضاً لما حولها من عوارض أقل أهمية لنا.

يقول د.غروبر: "قد يكون لهذه الملاحظات تطبيقاتٌ رائعةٌ على التعلّم في العالم الواقعي"، وذلك إذا ثبتت إمكانية تعميم نتائج هذه الدراسة.

فعلى سبيل المثال، قد يحاول المعلم في الصف إثارة حالة من التشويق لدى تلاميذه بالبدء بطرح أسئلة تحمّسهم للموضوع بدون إعطاء الجواب مباشرة "لخلق حالة من الفضول"، وذلك كطريقة لرفع كفاءة التعلّم في الصف.

كما أنّ فهم العلاقة بين الذاكرة و التحفيز قد يُثير جهودًا لتحسين ذاكرة الأصحّاء من كبار السن، ولتطوير طرق علاجية لأمراض تؤثر عى ذاكرتنا.

الهامش:

الحُصين Hippocampus: جزء من الدماغ له دور في تكوين الذاكرة الجديدة.

التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI: طريقة لمعرفة مناطق الدماغ "أو النخاع الشوكي" النشطة في فترة من الزمن عن طريق مقارنة نسبة استهلاك الاوكسيجين بين المناطق المختلفة.

المصادر:

هنا00804-6

هنا

مصدر الصورة:

Free Rangers Nursery

هنا