الطب > علوم عصبية وطب نفسي

خلايا تعود للأطفال تعيش في أدمغة أمهاتهم!

اكتشف العلماء خلايا تعود للأطفال تعيش في أدمغة أمهاتهم..

يبدو أنّ العلاقة بين الأم والطفل أعمق مما كنا نتوقع.. تقترح دراسة جديدة أنّ العلاقة الجسديّة بين الأم وطفلها أعمق مما يمكن لأحد تصوره.

تبدأ الروابط الجسدية والنفسيّة العميقة بين الأم وطفلها في فترة الحمل، عندما تكون الأم هي المسؤولة عن كل ما يتعلق بتطور جنينها، موفرةً له الدفء والتغذية في حين توفر دقاتُ قلبها إيقاعاً هادئاً ومستمراً.

توفر المشيمة الاتصال الجسدي بين الأم والجنين، حيث أنها عضو مكون من خلايا قادمة من الأم والجنين معاً وتعمل كقناة لتبادل المغذيات والغازات والفضلات. قد تهاجر الخلايا بين الأم والجنين عبر المشيمة لتستقر في أعضاء عديدة كالرئتين والغدة الدرقية والكبد والقلب والكلية والجلد، حيث أن لهذه الخلايا مجالاً واسعاً من التأثيرات يتراوح بين الترميم والإصلاح والوقاية من السرطان، إلى إثارة خلل مناعي.

من الشائع أن الخلايا المأخوذة من شخص ما تندمج مع نسج شخص آخر مختلف عنه. وفي الوقت الذي اعتقدنا فيه أننا وحداتٌ مستقلة كأفراد، أتت هذه الخلايا الغريبة لتكذّب هذه الفكرة ولتقترح أن معظم الناس يمتلكون بقايا من أشخاص آخرين. وقد أظهرت نتائج دراسة جديدة أن خلايا ذكرية قد وجدت وعاشت- لعدة عقود في بعض الحالات- في أدمغة النساء.

ولكن ما هي التأثيرات التي تملكها هذه الخلايا؟

لا زال تأثيرها على الفرد المضيف مَوضع شك.. ولكن هذه الدراسة اقترحت أنه قد يكون لهذه الخلايا علاقة ما بصحة الدماغ حيث أنها كانت أقل شيوعاً في أدمغة النساء اللواتي أصبن بداء آلزهايمر.

وفي الوقت الذي نعتبر فيه أجسادَنا وحداتٍ مميزةً تخصّنا وحدَنا، فإن فكرة وجود خلايا من أشخاص آخرين ضمن أجسادنا قد تبدو غريبة. والأكثر غرابة أنه بالرغم من اعتقادنا بأن أفعالنا وقراراتنا تنتج عن نشاطات أدمغتنا الخاصة، فإن هذه الخلايا القادمة من أشخاص آخرين تعيش وتعمل ضمن بنية الدماغ المعقدة. وليس من النادر وجود خلايا تعود لفرد تركيبه الجيني بعيد عن تركيب الفرد الآخر؛ وتدعى هذه الحالة بالخَيمَرِيّة chimerism وذلك نسبة للمخلوق الأسطوري والذي يدعى خَيمَر أو الكايميرا Chimera الموجود ضمن الأساطير اليونانيّة والمؤلف من قسم أفعى وقسم أسد وجزء من ماعز. وكمثال من الطبيعة عن هذه الظاهرة لدينا عفن الطين والشعب المرجانية.

إنّ مصطلح Microchimerism أو ما يدعى بالخيمرية الدقيقة هو الوجود المستمر للقليل من الخلايا المختلفة جينياً في العضوية الحية، وتمّت ملاحظة ذلك لدى البشر منذ عدة سنوات عندما وجدت خلايا حاوية عل الصبغي " Y " أي خلايا ذكريّة تجري في دماء النساء بعد الحمل، وبما أن هذه الخلايا ذكرية وراثياً فمن غير الممكن أن تكون عائدة للنساء، والأكثر احتمالاً أنها أتت من أطفالهن الذكور أثناء الحمل.

هل لهذه الخلايا القدرة على الوصول إلى دماغ الأم؟ وهل يكون تبادل الخلايا وحيد الاتجاه من الجنين إلى أمه فحسب؟

ولاحظ العلماء أن الخلايا الخَيمريّة الدقيقة microchimeric cells لا توجد فقط في الدم، بل إنها توجد أيضاً كجزء من الدماغ. وفحص العلماء أدمغة نساء متوفيات بحثاً عن وجود الخلايا الحاوية عل الصبغي الذكري " Y " فوجدوها في أكثر من 60% من الأدمغة المفحوصة وفي مناطق متعددة من الدماغ، وبما أن داء آلزهايمر أكثر شيوعاً في النساء عديدات الحمول، اعتقد العلماء بأن عدد الخلايا الجنينية سيكون أكبر في النساء المصابات بداء آلزهايمر مقارنة بالنساء غير المصابات بأي مرض عصبي، ولكن النتيجة كانت العكس تماماً حيث كان عدد الخلايا القادمة من الجنين أقل لدى المصابات بداء آلزهايمر وسبب ذلك غير واضح.

وتنتج الخيمريّة الدقيقة Microchimerism بشكل أكثر شيوعاً عن تبادل الخلايا عبر المشيمية خلال الحمل، وهناك أيضاً دليل على أن الخلايا قد تنتقل من الأم لطفلها عن طريق الرضاعة، وبالإضافة لتبادل الخلايا بين الأم والجنين، ربما قد يكون هناك تبادل في الخلايا بين التوائم في الرحم، وهناك أيضاً احتمالية أن الخلايا القادمة من الأخ الأكبر والمستقرة لدى الأم أن تجد طريقاً لها بالعودة عبر المشيمة إلى الأخ الأصغر خلال الحمل التالي. وقد تحمل المرأة خلايا من والدتها كما من جنينها، وهنالك أيضاً دليل على وجود تنافس بين الخلايا القادمة من الجدة وتلك القادمة من الأطفال.

ما زال عمل هذه الخلايا في جسد الأم غير واضح على الرغم من وجود بعض الاحتمالات. وكمثال، خلايا الكايميرا شبيهة بالخلايا الجذعية من حيث قدرتها على التحول إلى أنواع النسج المختلفة وبقدرتها عل إصلاح النسج المتضررة.

في إحدى مجموعات الدراسة المهتمة بالموضوع، تابع العلماء نشاط خلايا الكايميرا الدقيقة في جسد فأرة أم بعد تعرضها لإصابة قلبية حيث اكتشفوا بأن الخلايا الخيمريّة قد هاجرت إلى قلب الأم المتضرر وتمايزت إلى خلايا قلبية ساعدت عل إصلاح الضرر. وفي الدراسات على الحيوانات، وجدت الخلايا الخيمريّة في دماغ الأمهات وقد أصبحت خلايا عصبية، مقترحةً بذلك بأنها قد تكون متكاملة وظيفياً مع الدماغ، وهناك احتمالية بأن يكون ذلك صحيحاً عند الإنسان.

ما تأثير خلايا الكايميرا الدقيقة على جهاز المناعة؟

وقد تؤثر خلايا الكايميرا الدقيقة على جهاز المناعة، حيث أن الجهاز المناعي للأم قد يتعرف عليها جزئياً كون نصف مادتها الوراثيّة تعود للأم، ونصفها الآخر غريب، نظراً لمساهمة الأب المورثيّة، جاعلاً ذلك الجهاز المناعي في حالة تأهب للخلايا التي تشبه الذات ولكن مع بعض الاختلافات الوراثية.

وليست الخلايا السرطانية التي تنشأ بسبب الطفرات الوراثية سوى خلايا مماثلة لهذه. وهناك دراسات تقترح أن خلايا الكايميرا قد تنبه الجهاز المناعي لإيقاف نمو الأورام. وكمثال عن ذلك، فقد تم العثور على العديد من خلايا الكايميرا في دم نساء أصحاء مقارنة مع أولئك المصابات بسرطان الثدي، مما يشير إلى أن تلك الخلايا قد تمنع تشكل الأورام بطريقة ما.

وفي بعض الحالات ينقلب الجهاز المناعي على نفسه مسبباً أضراراً ملحوظة، كالتسبب بالتصلب المتعدد Multiple Sclerosis والذي تكثر مشاهدة خلايا الكايميرا لدى المصاب فيه مقارنة مع غير المصابين، مما يشير إلى دورهذه الخلايا في إطلاق الهجوم المناعي.

تشكّل هذه الخلايا حقلاً مزدهراً واسعاً من الدراسات، مع دوافع هائلة لنتائج بحث غريبة وتطبيقات عملية، كما وأنها تذكرنا بالترابط فيما بيننا..

المصدر:

هنا