البيولوجيا والتطوّر > التطور

التدخين يقول كلمته: وداعاً لكروموزوم الصِّفات الذكرية Y!

كلنا نعرف المخاطر الصحيّة الكبيرة التي يسببها التدخين، مثل أمراض القلب والرئتين، ضعف المناعة، والسرطان بشتى أنواعه، وهذه المخاطر في معظمها تهدد المدخنين والمدخنات على حدٍ سواء. ولكن في هذا المقال سنرى مخاطر أخرى تهدد المدخنين من الذكور، وتهدد صبغيّاتهم الذكورية بالاختفاء!

مشكلةٌ أخرى تُضاف إلى المشاكل الصحية الكثيرة التي يسببها التدخين عند الذكور وهي تَسبُّبه في اختفاء الصبغي Y من خلايا الدم لديهم.

ولكن، ماهو الصبغي Y؟

هو أحد الصبغيَّين المسؤولَين عن تحديد الجنس، حيث يكون لدى الذكر الصبغيين (Y،X)، ولدى الأنثى الصبغيين (X،X).

الصبغي Y يحمل الجينات المسؤولة عن تحفيز ظهور الصفات الذكورية، مثل اكتمال نمو الأعضاء التناسليّة الذكرية والحفاظ على عملها بشكلٍ فعّال. وأي خلل في هذه الجينات قد يسبب العقم أو اختلال وظائف أخرى في جسد الذكر.

دراسة جديدة وجدت أنَّ الصبغيّ Y يكون موجوداً لدى الرجال المدخنين بنسبةٍ أقل من الرجال غير المدخنين، وكلما كان استهلاكهم للسجائر أكثر كلما قلت نسبة الصبغيّ Y لديهم. وقال الباحثون في دراستهم التي نشرت في مجلة Science أنَّ خسارة الصبغيّ Y يمكن أن تفسر تعرض الذكور لخطر الإصابة بالسرطان أكثر من الإناث.

ماذا يحدث للخلايا حين تفقد الصبغي Y؟

يقول فورسبرغ (قسم علم المناعة في جامعة أوبسالا في السويد)، أحد المشاركين في الدراسة أنَّ الخلايا التي تفقد الصبغي Y لا تموت، بل تعاني من اختلالٍ في وظائفها البيولوجية. وبدقةٍ أكثر، فإنَّ الخلايا المناعيَّة الموجودة في الدم والمسؤولة عن محاربة السرطان من الممكن أن يُكبح عملها بفقدها لهذا الصبغي.

أثناء انقسام الخلايا عادة يتم صنع نسخ لكافة الصبغيّات وتخزن في الخليتين البنتين الجديدتين ولكن خلال عملية معقدة يتم في بعض الأحيان فقدان الصبغيّات، وفي العادة عندما يُفقد صبغيّ من الخلية يؤدي إلى وفاة الخلية الجديدة، إلا أنَّ الخلايا تتمكن من الاستمرار والبقاء على قيد الحياة بدون الصبغي Y.

أسباب فُقدان الصبغي Y:

لاحظ العلماء منذ أكثر من خمسين عاماً أنَّ الصبغيّ Y قد يختفي، وتشيع هذه الحالة لدى كبار الذكور أكثر من صغارهم، ومؤخراً لاحظ العلماء أنَّ فقدان الصبغي Y في خلايا الدم يزيد خطورة الإصابة بالسرطان لدى الذكور، وكانت الخطوة التالية معرفة الأسباب التي تقود لخسارة هذا الصبغي، فقام الباحثون بتجميع معلومات تعود لستة آلاف رجل شاركوا في ثلاثة دراسات عن علم الأوبئة في السويد، حيث سُئل الرجال عن عدة نواحٍ مثل التمارين الرياضية، ضغط الدم، الكحول والتدخين وأُخذت منهم عينات دم ليفحص الباحثون وجود الصبغي Y في الخلايا. (بما أنَّ خلايا الدم الحمراء لاتحتوي DNA، فإنَّ النتائج تنطبق فقط على خلايا الدم البيضاء والخلايا المناعية التي تنتشر في الدم).

الآثار الغريبة للتدخين:

أظهرت النتائج أنَّ فقدان الصبغي Y في خلايا المشاركين أمرٌ شائع. وقد قسمت الدراسة الرجال المشاركين إلى ثلاث مجموعات حيث تراوحت أعمار الرجال في كل من المجموعتين الأولى والثانية مابين 70-80 عاماً.

في المجموعة الأولى كان 12.6% من الرجال لا يملكون الصبغي Y في خلاياهم الدمويّة. بينما في المجموعة الثانية كانت النسبة 15.6%. في المجموعة الثالثة كانت أعمار الرجال تتراوح بين 48-93 وكان 7.5% منهم فقط لا يملكون الصبغي Y في خلايا دمهم.

قال الباحثون أنَّ هذه النتائج أثبتت تأثير العمر على فقدان الصبغي Y حيث أنَّ 15.4 % من بين الرجال الذين تراوحت أعمارهم من ال 70 عاماً ومافوق لا يملكون الصبغي Y مقارنة ب 4.1% من الرجال الأصغر سناً. وبالتالي فإنَّ ظاهرة فقدان الصبغي Y هي أكثر شيوعاً عند الرجال الكبار في السن مقارنة بالرجال الأصغر سناً.

ومع هذه الأرقام الإجمالية قارن الباحثون بين المشاركين في الدراسة من حيث نمط الحياة والعوامل الصحية ووجدو أنَّه بالإضافة إلى العمر فإنَّ التدخين فقط هو الذي يرتبط بفقدان الصبغي Y. حيث أنَّ خطر فقدان الصبغي Y يرتفع بنسبة 2.4 -4.3 مقارنة بغير المدخنين. وتبقى الحاجة إلى المزيد من العمل التجريبي لإثبات أنَّ التدخين هو الذي يؤدي بشكل مباشر إلى تلاشي الصبغي Y على الرغم من أنَّ معظم الأدلة تشير وبقوة إلى أنَّ السجائر هي الجاني. فالرجال الذين يدخنون بكثرة ازداد فقدان الصبغيات Y لديهم. كما أنَّ الرجال الذين توقفوا عن التدخين كانت مستويات الصبغي Y لديهم لا يمكن تمييزها عن مستوياته عند الرجال الذين لم يدخنو قط. وقال العالم فورسبرغ أنَّ هذه النتيجة الأخيرة مشجعة جداً حيث أنها تُشير إلى أنه عند التوقف عن التدخين فإنَّ هذه الخلايا المستنسخة (التي تعاني من فقدان الصبغيY ) ستتلاشى من الدورة الخلوية وستختفي. وبعبارة أخرى فإنَّ اختفاء الصبغي Y قابل للعكس.

إنَّ الباحثين ليسوا متأكدين حتى الآن من مدى انتشار فقدان الصبغي Y المرتبط بالتدخين في خلايا الجسم الأخرى حيث أنَّ دراسات أخرى عند الرجال كبار السن أشارت إلى اختفاء هذا الصبغي من الأنسجة الأخرى في الجسم مع التقدم في العمر.

ما علاقة ذلك بالسرطان؟

برغم أهمية هذا الصبغي في تحديد الجنس، ليس لفقده تأثير كبير على الرجولة؛ فهذا الصبغي لديه من الأهمية ما يفوق أهمية تحديد الجنس والتكاثر فقط.

وربما تفسر هذه الظاهرة لماذا يتعرض الذكور لخطر أكبر للإصابة بالسرطان أكثر من الإناث، وأحد الاحتمالات أنَّ فقدان الصبغي Y غير مؤذٍ بحد ذاته ولكنه يجعل الخلايا تبدو بغير حالتها الطبيعية ومن الممكن أن يسبب تحولاتٍ فيها تؤدي للإصابة بالسرطان؛ وبما أنَّ الدراسة أُجريَت على الخلايا المناعية والتي تكون وظيفتها مهاجمة الخلايا السرطانية، فإنَّ حدوث تغيرات فيها من الممكن أن يكون السبب، ومن الممكن أن تكون إحدى الشيفرات الوراثية المسؤولة عن مهاجمة الخلايا السرطانية محمولةً على الصبغي Y.

يبدو الأمر أكثر تعقيداً، ويحاول العلماء معرفة أكثر الخلايا المناعية المتأثرة بفقده.

المصادر:

هنا

هنا

هنا