التاريخ وعلم الآثار > تحقيقات ووقائع تاريخية

ملف الملكة آن بولين ... حرب الوردتين، ومقدمات استقرار بريطانيا

مقدمة و لمحة عن الفترة

يغرينا النقاش والقراءة عن عصر النهضة في أوروبا، ذلك العصر الذي آذن بصعود القارة العجوز نحو قمة الأمم بأسماء وشخصيات خلّصت أوروبا من عصور الجهل والظلام. كان لذلك النور الذي سطع في أوروبا مصدر أو مفتاح، أو سبب جوهري أبعد من الأسباب الظاهرة، حتى نعرف ماذا كان هذا السبب الجوهري كان لا بدّ من عودة في الزمن إلى الحقبة النهائية من العصور الوسطى.

مع أواخر القرن الخامس عشر، حيث كان العالم في تقلب، قوةٌ في الشرق بدأت تظهر وهي الدولة العثمانية، وقوة في الغرب بدأت تظهر وهي إسبانيا، ودولة عظيمة ستسقط مرة واحدة وإلى الأبد، إنها الأندلس، وقارة جديدة وأرض موعودة بانتظار البرتغاليين والهولنديين والإسبانيين، أوروبا الوسيطة تحتضر، وأوروبا جديدة على وشك الولادة .

سطوة الإقطاع ورجال الدين والكساد الاقتصادي الذي كان يعصف بكل القارة، بدأ يتمخض عن قوة جديدة وعصر يبدو من إعلان مارتن لوثر أنه الحرب الشاملة على كل ما هو قديم، ولكن صاحب الضربة الكبرى في ذلك كان ملكاً من جزيرة منفصلة عن أوروبا .

كان هذا هو السبب الرسمي والأول لعصر ستتغير فيه نظرة أوروبا للدين والمجتمع، إنها قصة حب، حدثت على أرض الجزيرة المعزولة، جزيرة الضباب، إنجلترا، حيث لا أحد يعلم كيف لحب كبير أكنّه هنري الثامن لوصيفة في قصره، آن بولين، أنه سيغير تاريخ العالم، وحوّل بريطانيا إلى دولة عظمى، ماذا تفعل أيها الحب بالقلوب، لكن ذلك الحب تحول إلى زواج دام 4 سنوات فقط، وانتهى نهاية فظيعة بإعدام آن بولين.

أقفل الملك هنري الثامن هذا الملف بسرعة، وجعل القضية قضية فساد كامل، وهنا فريق من الباحثون السوريون سيعدون فتح هذا الملف، وإعادة صياغة القصة ضمن آخر ما وصل إلينا من أدلة، هذه القصة هي درس لنا جميعاً في عدم الحكم على ظواهر الأمور، لابد لنا أن نتعلم ماهية التغيير وكيف يبدأ وكيف لنا أن نستغله، لا بدّ من إدراك قيمة التحقيق التاريخي حتى نقدر قيمة الظواهر من حولنا وأن نستغل التغييرات بطريقة صحيحة.

أسرة تيودور – حرب الوردتين:

كان هنري السابع (1457-1509) أول حكام أسرة تيودور. وقد تولى عرش انكلترا بعد أن هزم ريتشارد الثالث في معركة بوسورث فيلد (Bosworth Field) عام 1485.

انتصار هنري في هذه المعركة وضع نهاية لحرب الوردتين التي كانت قد بدأت في عام 1455. وحرب الوردتين هي سلسلة من المعارك الأهلية التي حدثت في انكلترا بين عامي (1455-1485)، بين أنصار أسرة لانكاستر (Lancastrians) وأنصار أسرة يورك (Yorkists) حول الأحق بكرسي العرش. وسميت بهذا الاسم لأن اليوركيين كان شعارهم وردة بيضاء، واللانكاستريين كان شعارهم وردة حمراء.

هنري السابع

خلفية حرب الوردتين:

على الرغم من عدم حدوث معارك حتى عام 1455، إلا أن سبب هذه الحرب يعود إلى فترة حكم الملك إدوارد الثالث والصراع بين أبنائه بعد موته. حيث كان لديه أربعة أبناء كبار وهم إدوارد الأمير الأسود (ولي العهد)، ليونيل أنتويرب (دوق كلارينس)، جون غونت (دوق لانكاستر) وادموند لانغلي (دوق يورك).

توفي إدوارد الثالث عام 1377، وكان ابنه الأكبر إدوارد (الأمير الأسود) قد توفي بالطاعون عام 1376، فأصبح ريتشارد ابن العشرة أعوام، حفيد إدوارد وابن الأمير الأسود ملكاً للبلاد.

ولأن ريتشارد الثاني كان عمره آنذاك عشر سنوات تولى عمه جون غونت (دوق لانكاستر) حكم البلاد. وعندما كبر ريتشارد الثاني تمرد ضد عمه واتخد القرارات التي لم تكن شعبية مع أكثر الرجال نفوذاً في البلاد.

توفي جون غونت عام 1399، فقام ريتشارد بمصادرة الأراضي التي كان يمتلكها. لذلك جهز هنري ابن جون غونت جيشاً لمقاتلته. وعندما استسلم ريتشارد، قام هنري بتنصيب نفسه ملكاً باسم هنري الرابع. أما ريتشارد فقد سُجِنَ في قلعة بونتيفراكت (Pontefract) وقُتِلَ في ظروف غامضة في شباط عام 1400.

واجه هنري الرابع العديد من التحديات أثناء حكمه لأنه لم يكن الوريث الطبيعي لريتشارد الثاني، إذ كان ينبغي أن ينتقل الحكم لإدموند (إيرل مارش) الحفيد الأكبر لليونيل (دوق كلارينس). ومع ذلك تمكن هنري من الحفاظ على مكانه على العرش. وعندما توفي عام 1413 كانت البلاد تعيش بسلام، ونجح ابنه هنري الخامس بتولي العرش من دون أية مشاكل.

كان هنري الخامس ملكاً قوياً، وبعد أن أمر بإعدام ريتشارد (أيرل كامبريدج) بتهمة التآمر لوضع اليوركيين على العرش، غزا فرنسا.

انتصر في العديد من المعارك بما فيها معركة اجينكورت (Agincourt) عام 1415، وضم كلا من نورماندي (Normandy) وروان Rouen)) إلى انكلترا. في عام 1420 تزوج هنري من ابنة ملك فرنسا، وتم الاتفاق على أن يصبح أبناؤهما الورثة الشرعيين لكل من إنكلترا وفرنسا. وعندما توفي هنري الخامس في عام 1422 بمرض الزحار ورث ابنه هنري السادس عرش إنكلترا وفرنسا.

ولأن هنري السادس كان عمره آنذاك 4 أشهر، قام أعمامه بحكم إنكلترا وفرنسا مكانه. لم يدم حكمهم لفرنسا طويلاً، إذ سرعان ما استعادها الفرنسيون عندما جهزت جون آرك جيشاً لمحاربة الإنكليز واستعادت مملكة فرنسا.

عندما شبَّ هنري السادس اتضح أنه ملك ضعيف. حيث كانت تحكمه زوجته الفرنسية مارغريت آنجو. كما أنه كان عرضة لنوبات من الجنون، فبدأ اليوركيون يخططون لإزاحته عن العرش .

حدثت أول معركة بحرب الوردتين في سانت ألبانز بتاريخ 22 أيار عام 1455. كان قائد اليوركيون ريتشارد (دوق يورك) واستطاع هزيمة جيش الملك بسهولة. أصيب هنري السادس في هذه المعركة وأُخِذَ للسجن. في عام 1455، عانى هنري من نوبة أخرى من الجنون لذلك تم تعيين ريتشارد (دوق يورك) حامياً لانكلترا. في عام 1456 تعافى هنري، واستعاد العرش. حدثت عدة معارك أخرى، وفي عام 1459 قُتِلَ ريتشارد في معركة ويكيفيلد.

في عام 1461 هَزَمَ ادوارد (ابن ريتشارد) جيشَ الملك. وأسر الملك ونصب نفسه ملكاً باسم إدوارد الرابع. فأخذت الملكة مارغريت ابنها وهربت إلى ويلز بمساعدة جاسبر تيودور، الأخ غير الشقيق للملك. في عام 1470 استعاد هنري العرش، لكنه هُزِمَ مرة أخرى من قبل جيش ادوارد في معركة توكسبري (Tewkesbury) وأُسِرَ. وكان قد قُتِلَ في هذه المعركة إدوارد، ابن هنري وأمير ويلز. وحيث أنه لم يكن هناك وريث ليتحداه بقي إدوارد الرابع ملكاً حتى موته المفاجئ عام 1483.

كان لإدوارد الرابع ابنان (ادوارد وريتشارد) وكلاهما كانا صغيرين على الحكم، فقام عمهما ريتشارد (دوق غلوسيستر) بحكم إنكلترا باسم ريتشارد الثالث. تم نقل الأميرين إلى برج في لندن وفي صيف عام 1483 اختفيا في ظروف غامضة. يُعتقد بأن عمهما قد قتلهما. لم يكن ريتشارد الثالث ملكاً شعبياً وواجه العديد من التحديات أثناء حكمه، وخصوصاً من قبل هنري تيودور حفيد أوين تيودور الذي كان الزوج الثاني لكاثرين فالوا زوجة هنري الخامس.

جهز هنري تيودور جيشاً لانكاسترياً لمقاتلة ريتشارد الثالث، وتم قتل ريتشارد في معركة بوردورث فيلد عام 1485، وهُزِمَ اليوركيون.

وبذلك توج هنري تيودور ملكاً باسم هنري السابع، وتزوج ابنة إدوارد الرابع إليزابيث يورك وهكذا وضع نهاية لحرب الوردتين.

قام هنري بدمج شعار الأسرتين (الوردة الحمراء والوردة البيضاء) في شعار واحد ليكون وردة تيودور الحمراء والبيضاء.

نجح هنري السابع بامتياز في إعادة بريطانيا كقوة اقتصادية كما استطاع تحسين النظام الاقتصادي، كما نجح في إقصاء كل المتسابقين على الحصول على العرش من بعده فمكن بذلك لإبنه الملك هنري الثامن، وفي 21 من أبريل نيسان توفي الملك هنري السابع، تاركاً الملك لابنه من بعده، ليبدأ عصر جديد في تاريخ بريطانيا.

هنري الثامن ملكاً:

كان لهنري الثامن أخٌ أكبر منه سناً اسمه آرثر توفي سنة 1502، ولعل آرثر كان في الحقيقة أكبر منافسيه على العرش، إلا أنه لم يكن أبداً بإمكانيات هنري السياسية والإدارية. فكانت وفاته إذاناً حقيقياً بأن هنري لم يعد له أي منافس على هذا العرش، لكن كان هناك شيء آخر يشغل باله في تكوين مملكته العظيمة.. إنه مارتن لوثر، تلك الضجة التي بدأت من لوحة علقها مارتن لورثر على إحدى كنائس ألمانيا، فبدأ معها مخاض عصر التنوير.

هنري الثامن في أيام شبابه

كان لا بد من إيجاد شخص متأثر بفكر مارتن لوثر في طبقة السياسيين، والمفاجئة أن ذلك المتأثر كان هنري الثامن بعد أن قرأ كلمةً كتبها مارتن لوثر. كل شيء يوحي هنا إلى أن رجلاً ما سيدعم مارتن لوثر، لكن المفاجئة أن هنري قد أظهر نفسه كمتنور من نوع مختلف، يبطن إعجابه الشديد بالبروتستانتية، ويظهر عداوته لمارتن لوثر واعتناقه الكاثوليكية .

ولكن كيف فهم المؤرخون إعجاب هنري الثامن بالبروتستانتية؟

من تصرفاته حتماً ستجدون في المقالات المقبلة كيف أن هنري الثامن انقلب على الاكلريوس وعلى الكنيسة الكاثوليكية في بريطانيا وروما، كما ستلاحظون حبه للفلسفة والعلوم، هنري لم يكن ملكاً عادياً، بل كان مثقفاً ومتعلماً، أبدى إعجابه بكامبريدج وأوكسفورد وروادها، وكان فخوراً ببريطانيا كدولة علم لا كدولة سلاح أو دين. لربما أظهر شيئاً من العلمانية ضمن غطاء ديني، لكن ما فعله هنري من دعم للعلماء يجسد الحقيقة التي قامت عليها سلالة تودرز والتي ستزدهر في عهد ابنته الملكة إليزابيث الأولى.

يذكر المؤرخون اهتمام هنري البالغ في الألعاب الرياضية، لقد كان من أولئك الملوك الذين يفوضون كثيراً ويهتمون بالأشياء التي تعنيهم، وكان أشد ما يعني هنري الثامن شيئين "الرياضة والعلم" لقد كان يحمل كثيراً من المواهب، ويقدر المواهب التي تعرض أمامه بكرم وسخاء، اشتهر أيضاً بشعره الرقيق، ولكنه لاحقاً سيتبدل كثيراً فسيجد في دراسة العلوم العسكرية والاستراتيجيات القديمة شغفه الخاص في الاطلاع.

تزوج هنري قبل وفاة والده بثلاثة شهور مجبوراً ومضطراً من زوجة أخيه كاثرين الأرغونية، ويال أهمية هذه المرأة على الرغم من أنها بلغت سن اليأس إلا أنها تحظى بأهمية سياسية وافرة، توطد حكم من يتزوجها، وهذا ما كان هنري الثامن مجبراً عليه، فهي ابنة الملكين المؤسسين لإسبانيا العظيمة، إيزابيلا الأولى وفريديناند الثاني، وهي عمة الامبراطور الروماني القوي تشالرز الخامس أو كما يسميه المؤرخون "شارلكان" أو كارلوس الخامس.

الكل يخطب ود هذا الامبراطور الشاب، والكل يهابه، لقد كان على هنري الثامن أن يسبق الجميع وأن يكون متحالفاً مع إسبانيا الجديدة التي تخطط للسيطرة على أوروربا، وبالفعل هذا ما فعله، ولكن لفترة من الزمن، إذ ستغدو أيامه القادمة مع الملكة كاثرين أشبه بتعاسة لا تفارقه أبداً، تلك التعاسة سيجابهها هنري الثامن بقرارت ثورية وكبيرة تنم عن رفضه التام لسياسة الزواج السياسي.

توجت نهاية هذه الحقبة بكم كبير جداً من بدايات عصر التنوير والواضح أن بريطانيا كدولة هي وحدها من تستطيع مفاجئة الجميع وبناء عصر النهضة إدارياً قبل أي أحد، وسنجد في الجزء القادم تلك المقدمات تتمخض عن نصر حقيقي ضد الاقطاعيين في بريطانيا مع ملك جديد سيبدأ معه عصر احترام العلم.

المصادر الإلكترونية:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

المصادر الورقية:

موسوعة تاريخ أوروبا العام ج2 منذ بداية القرن الرابع عشر وحتى نهاية القرن الثامن عشر/ جان بيرنجيه – فيليب كونتامين ايف دوران – فرنسيس راب ترجمة وجيه البيعني – أنطون أ. الهاشم، منشورات عويدات بيرت باريس 1995

The New Cambridge Modern History Vol. 02 - The Reformation، 1520-1559\ G. R. ELTON .- London: Cambridge University Press، 2008