علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

الحب ومتانة العلاقة الزوجية.

استمع على ساوندكلاود 🎧

"من يتزوج بداعي الحب سيحظى بليلة من نعيم ونهار من جحيم"

بهذه المقولة - التي تحتمل الخطأ والصواب - نبتدئ الحديث عن علاقة الحب بالزواج، فمن منا لم يسمع عن "الحب الأعمى" الذي يعمي أبصار العاشقين ويحجب رؤية المحب لعيوب حبيبه وصفاته السلبية، في الواقع إن اعتبار الحب أساساً للزواج هو السبب الأكبر لخيبات الأمل والإحباط لسببين: أولهما أن الزواج خليط من التعايش ومجموعة من العوامل الأخرى (سنأتي على ذكرها) إلى جانب الحب فالحب وحده لا يكفي، ثم إن الحب العاطفي ما هو إلاّ تجربة قصيرة المدى في حياتنا، وهذه العاطفة الجياشة جانب مؤقت للحب بمفهومه الواسع الذي يضم جوانب أكثر أهمية على المدى الطويل.

لربط الحب بالزواج علينا أولاً التفريق بين الشعور الحاد بالحب العاطفي العاصف من جهة، والشعور بالحب العميق والثابت من جهة أخرى، فالعديد من الدراسات أثبتت أن الزواج من أجل الحب الرومانسي وحده قرار غير صائب*، و أن الزواج بعد علاقة صداقة متينة وتكوين خلفية جيدة وواضحة عن الشريك وقيمه واهتماماته أثبت تفوقه على الزواج الرومانسي، ومن الصفات التي يلاحظ تواجدها في الزيجات الناجحة والمديدة نذكر:

- الزواج بعد عمر ال 20.

- حصول كلا الطرفين على تربية مستقرة ثنائية الوالدين.

- الزواج بعد معرفة مسبقة لمدة كافية.

- كلاهما على درجة جيدة ومتكافئة من العلم والثقافة.

- توفر مصدر دخل جيد وكافي.

- العيش في بيئة ريفية هادئة.

- التقارب في السن.

وهذه العلامات بالطبع لا يتحتم توافرها معاً لاستمرار الزواج، إنما في حال عدم توفر أي منها فذلك قد ينذر بوجود خللٍ في العلاقة الزوجية وسلامة الاختيار.

- هل الأطفال هم فعلاً (مخربو العلاقات الزوجية)؟

في دراستين واسعتي النطاق قام فيها الباحثون بدراسة رضا الأزواج عن حياتهم ابتداءً من فترة الحمل حتى عمر 14 عام للطفل، ووجدوا أن الرضا عن الزواج بشكل عام ينخفض ابتداءً من قدوم المولود الأول ويستمر بالانخفاض بشدة ليبلغ ذروة انخفاضه عند بلوغ الأبناء فترة المراهقة، كما أن درجة الاستياء تزداد مع زيادة عدد الأبناء، رغم هذه النتائج لم يقضِ تواجد الأطفال بشكلٍ خاص إلى طلاق الأزواج الغير راضين، فلم يكن لهذا الاستياء علاقة بالانفصال إلا عندما كانت درجة رضا الآباء متدنية في الفترة الأولى لانتقال الطفل إلى المدرسة، إضافة إلى أن البداية المتينة للعلاقة الزوجية لعبت دوراً في رفع نسبة الرضا فيما بعد.

خلاصة هذه الدراسة أن الحياة الزوجية بعد قدوم الأطفال لن تكون درباً مفروشاً بالورود، فرغم أنهم يكللون الحياة بالمغزى والبهجة، ولكنهم أيضاً يسلبون الآباء أوقاتهم الخاصة التي يتشاركون فيها الأنشطة المحببة لهم، ويلقون عليهم بالضغوط النفسية والاحتياجات العاطفية، ناهيك عن نشوء الخلافات بين الزوجين حول التخطيط لحياة أبنائهم وكيفية اقتسام الأدوار، كما تؤثر الضغوط المالية وروتين الواجبات اليومية المتكررة على نفسية الوالدين وترهقهم لدرجة تقلل التواصل الحميمي أو حتى الكلامي بينهما فتفتر العلاقة وتفقد سحرها، لذلك فإن أُهمل الجانب العاطفي بين الشريكين سيتلاشى ويضيع أثناء الغوص في بحر الأبوة.

ولكن على الجانب الآخر، فإن تقاسم تربية الأبناء والفخر بإنجازاتهم والاهتمام بأنشطتهم الاجتماعية والدراسية والرياضية يمكن أن توفر أيضاً مصادر بديلة للتواصل وإحياء الصداقة بين الزوجين خلال هذه السنوات العصيبة من تربية الأبناء.

رغم كل هذا وذاك... هل هناك شعورٌ إنسانيٌ أعظم وأعمق من أن يلوّن حياتك طفلٌ منك؟

نتمنى مشاركتنا بآرائكم...

الهامش: * ترقبوا مقالاً يتناول تأثير الزواج المبني على الحب فقط في استمرارية العلاقة.

المصادر:

هنا

هنا

(David G. Myers Social Psychology (10th Edition