البيولوجيا والتطوّر > علم الجينات

كلَّما كان التنوع الجيني للنوع الحيّ أكبر كلما زادت مقاومته للعدوى الفيروسية

الفيروسات وحدات صغيرة جداً، تتكون من مادّة وراثيّة (DNA أو RNA) محاطة بطبقة واقية من البروتين. ومن المعروف أن الفيروسات كائنات بحاجة للعيش داخل خلايا الكائن حي، باعتبارها غير قادرة على العيش والتضاعف من تلقاء نفسها دون أن تحتضنها خلية حيّة، وهكذا تسبب الفيروسات العدوى للكائنات الأخرى كالنبات والحيوان والانسان.

عندما تنتقل عدوى فيروسيّة من خلال خمسة فئران متطابقة وراثيًا وعلى التوالي، فإن عملية تكاثر الفيروس تتم بشكل أسرع، ويصبح أكثر خُبثًاً وفتكاً. ولكن عندما تنتقل العدوى خلال خمسة فئران متنوعة وراثيًا واحدًا تلو الآخر، يواجه الفيروس مشكلة في التكيُّف ويصبح أقل ضراوة.

وعليه فقد أوصت دراسة جديدة أجريت في جامعة يوتاه (University of Utah) بضرورة تشجيع زيادة التنوّع الجيني في المواشي والثروة الحيوانية وفي الأنواع المهجّنة المهددة بالإنقراض وذلك للحد من خطر التعرض للعدوى الفيروسيّة القاتلة. أظهرت هذه الدراسة تأثيرًا سريعًا وكبيرًا للتنوّع الجيني في الفئران حيث خفَّض هذا التنوّع بشكلٍ كبيرٍمن تكاثر الفيروس وشدّة المرض الذي يسببه.

يقول القائمون على هذه الدراسة أنَّ هناك سببًا لكوننا لسنا نُسَخاً من أمهاتنا وآبائنا، فبالإضافة الى مجموعة من الأسباب الأخرى، فإن الآلية التي تُعزّز التنوّع الوراثي بيننا ربما تحمينا من الأمراض المُعدية الخطيرة. في الحقيقة فإن نتائج الدراسة تدعم نظرية تُعرف ب"نظرية الجنس ضد الضراوة" تزعم هذه النظرية أنَّ التكاثر الجنسي -وهو ما يعزز التنوع الوراثي- قد تطوّر باعتباره وسيلة لمواجهة قدرة الفيروسات ومسببات الأمراض الأخرى على التكيّف بسرعة مع مضيفيهم واكتساب الضراوة.

وبالحديث عن البشر، فإن الفكرة في عملية التكاثر الجنسي أن تُنتج أنماطاً جينيّة مُختلفة في جميع الأطفال بحيث تكون مختلفة عن الأم والأب فتصبح احتمالية تعرّضهم للعدوى أقل.

استطاع الباحثون في السابق أن يُثبتو أن الفيروسات تتكيّف وتتكاثر بشكلٍ أسرع وتصبح أكثر ضراوة في النباتات والحشرات بسبب قلّة تنوّعها الجيني، ولكن هذا لم يُثبت من قبل في الأنواع الفقارية Vertebrates على الرغم من أنَّه كان متوقعًا "نظرياً" منذ أكثر من عقدين. حيث تُعتَبر هذه هي المرة الأولى التي تُثبِت فيها دراسة ما أنَّ الاختلاف الجيني داخل نوعٍ واحدٍ من الأنواع الفقارية يمنع بشدّة تكاثر فيروس معين ويثبّط من شدّة المرض الذي يسببه.

الفيروس المستخدم في الدراسة يعرف ب (Friend virus complex )، وغالباً ما يُستخدم لدراسة العدوى الفيروسية. وهو مزيج من فيروس اللوكيميا الخاص بالفئران ويسمى (Friend virus) وفيروس يسبب زيادة سريعة في عدد خلايا الدم الحمراء في طحال الفئران ويسمى (spleen focus-forming virus) مما يؤدي إلى تضخم الطحال وبالتالي موت الفئران المصابة.

فيروس الطحال لا يمكنه التكاثر بنفسه إلا إذا شاركه فيروس صديق في إصابة الخلية المضيفة، وهو فيروس اللوكيميا، حيث يَقترض منه بروتيناتٍ معينة ليشكل جزيئات الفيروس الجديدة، أما بالنسبة للفئران المستخدمة في الدراسة، فإنهم ينتمون جميعًا إلى نوع واحد، وهو (Mus musculus)، ولكن من سبع سلالات مختلفة ولكل منها العديد من الاختلافات الجينية، بما في ذلك ألوانها ومقاومتها للفيروس المستخدم.

في التجربة، نقل الباحثون العدوى بين الفئران عن طريق أخذ الفيروس من طحال الفئران المصابة سابقاً، حيث نقلوا الفيروس عبر 5 فئران من سلالة واحدة إلى 5 فئران أخرى من سلالات مختلفة، وعبر5 فئران من سلالات مختلفة إلى مجموعة أخرى من 5 فئران من سلالات مختلفة أيضاً بترتيب مختلف. وقاموا بقياس كفاءة الفيروس من خلال قياس سرعة تضاعفه في الطحال، بينما قاسوا ضراوته عن طريق قياس وزن الطحال، فكلما زادت الضراوة، كلما زاد تضخمه.

من خلال ما سبق، وجدوا أن هناك زيادة كبيرة في سرعة تكاثر الفيروس وشدّة المرض عندما يتم تمرير الفيروس عن طريق الفئران من نفس السلالة بينما يصبح الفيروس غير قادرعلى التكاثر بسرعة عندما يواجه سلالات مختلفة. ويحاول الباحثون الآن تحديد التغيرات الجينية التي تحدث في الفيروس عندما يحاول التكيف داخل الفئران المتنوعة جينيًا.

حماية الثروة الحيوانية والأنواع المهددة بالانقراض:

نظرًا لتزايد المخاطر المتعلقة بالأمن الغذائي العالمي وزيادة تعداد السكان في العالم، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، كيف سنوفر الغذاء لهم جميعًا؟ في المجتمع الحديث تُرَبّى أعداد كبيرة من المواشي والدواجن في مقربة جدًا من بعضها البعض ويعتبر التنوع الوراثي بينهم محدودًا جدًا. المشكلة التي تواجهنا في تطبيق ماهو مذكور في الدراسة، أن هذه الحيوانات ذات التنوّع الوراثي المنخفض والمتواجدة بكثافة عالية، قد تُشجّع ظهور أمراض معدية أكثر ضراوة، الأمرالذي يضع الأشخاص الذين يتعاملون مع تلك الحيوانات في خطر محدق، ويضع الأشخاص الذين يستهلكون هذه الحيوانات في خطر غير مباشر، لذا يقترح الباحثون أن تعمل برامج الإنتاج والتكاثرعلى زيادة التنوّع الوراثي في الثروة الحيوانية، وبمجرد تحديد الجينات المهمة عند المضيف - يُفترض أن تكون جينات تتعلق بجهاز المناعة- تركِّز برامج التربية والإنتاج على تعزيز التنوّع الوراثي في تلك الجينات المناعيّة.

المصدر: هنا

مصدر الصورة: هنا