البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

ازدواج الصفات الجنسية، كائنات حية نصفها ذكر ونصفها الآخر أنثى

ظاهرة ازدواج الصفات الجنسية (Gynandromorphism) هي ظاهرة نادرة شوهدت عند الطيور والحشرات والقشريات، تتمثل بامتلاك الكائن لصفات أنثوية وذكرية واضحة للعيان. ويأتي هذا المصطلح من كلمتين هما (gyn-) بمعنى أنثوي و (andro-) بمعنى ذكري. سبب هذه الظاهرة هو خلل في الصيغة الصبغية في المراحل المبكرة من انقسام البيضة الملقحة، وسوف نستعرض عما قليل آليات هذا الخلل.

التقط الباحث Brian Peer صوراً عديدة لطائر الكاردينال مزدوج الصفات الجنسية الذي يظهر في صورة المقال. راقب براين و زميل له هذا الطائر في Rock Island في الولايات المتحدة لشتائين متتاليين وحاولا إمساكه لأخذ عينات من دمه وإجراء دراسات عليها، لكنهما فشلا في ذلك ولسوء الحظ لم يرجع طائر الكاردينال في الشتاء التالي. لاحظا أيضاً اختلافاتٍ سلوكية لديه فالطائر لم يكن يتواصل مع الطيور الأخرى كما كان مُعرِضاً عن الغناء. وكما تظهر الصور فالجزء الأيسر من الطائر ذكري والجزء الأيمن أنثوي وتمتد آثار الازدواج الجنسي لتؤثر على الصفات الظاهرية بدءاً من اللون ووصولاً إلى الأعضاء الجنسية. يمثل اللون عند الطيور عاملاً من عوامل الانتخاب الجنسي حيث تعتبر الألوان المشرقة لذكور طيور الكاردينال أمراً إيجابياً فهي عامل جذب جنسي أما عند الإناث فهي تجذب الحيوانات المفترسة. كيف كانت حياة هذا الطائر المسكين الذي يحمل

اللونين معاً؟ شاقة ومربكة ولا بد!

من الجدير بالذكر أن هذه الظاهرة لوحظت في العديد من الكائنات كسرطان البحر والكركند والفراشات وذبابة الفاكهة والدجاج حيث يكون نصف الكائن تماماً أنثى ونصفه الآخر ذكر. أما فيما يخص الأعضاء التناسلية فقد تملك هذه الكائنات كلا الأعضاء الذكرية والأنثوية معاً أو مزيجاً مبهماً من كليهما، وتكون كائناتٍ عقيمة.

كيف تحدث إذاً هذه الظاهرة وما الذي يطرأ على الصيغة الصبغية؟

يحدد الجنس عند ثنائيات الصيغة الصبغية كالذباب مثلاً بالاعتماد على نسبة عدد الصبغيات X إلى

الصبغيات الجسمية، وهي تملك نسختين من كل صبغي جسدي لذلك فوجود صبغيين X يحدد الجنس كأنثى لأن النسبة ستصبح 1:1 بينما وجود صبغي X وصبغي Y يحدد الجنس كذكر لأن النسبة ستصبح 2:1 .لكن الصبغي Yعند الذباب غير مهم فبخسارته تصبح الصيغة X0 والجنس المتشكل ذكر لكن عقيم بسبب وجود الجينات المشكلة للنطاف على الصبغي Y. يكفي لحصول ازدواج الصفات الجنسية عند الذباب أن يُفقد ضبغي X من أحد الخليتين الناتجتين عن انقسام بيضة ملقحة ذات صيغة XX فتكون إحدى الخليتين XX والأخرى X0، في هذه الحالة يكبر الكائن ليكون نصفه تماماً أنثى ونصفه الآخر ذكر بشكل واضح ووفق محور تناظر ينصف الكائن إلى نصفين واضحين إذا لم تحدث اختلالات أخرى في المراحل اللاحقة من الانقسام وتُعرف هذه الحالة بـ (bilateral gynandromorphism). ولكن أحياناً لا يتوقف الأمر عند هذا الحد وتُفقد المزيد من الصبغيات X مع تقدم الانقسامات الخيطية فمثلاً إذا تكرر الأمر في الانقسام الثاني سيصبح الفرد الناتج "ربع

ذكر" (حيث واحدة من أصل أربع خلايا تكون مذكرة). وهكذا كلما تكررت الأخطاء انخفضت الحدة الشكلية للازدواج الجنسي.

بالنسبة للطيور فإناثها -بخلاف الذباب أو البشر- متغايرة الأعراس أي أن صبغياتها الجنسية مختلفة حيث أن صيغة الإناث ZW وصيغة الذكور ZZ. وليس من المؤكد أن يكون الفقد الصبغي هو سبب حالة ازدواج الصفات الجنسية في طائر الكاردينال، ولا تُعرف تماماً ماهية تأثير هذا الفقد على تحديد الجنس عند الطيور. في حين أن الصبغي Y لدى البشر شديد الأهمية وهو الذي يحدد الجنس والأفراد الحاملين للصيغة X0 هم إناث).

تكمن الصعوبة في تحديد سبب هذه الظاهرة في الطيور إلى أن الصبغيين الجنسيين عندها على

قدر كبير من الأهمية (بعكس حال ذباب الفاكهة حيث لا أهمية للصبغي Y) وسيؤدي فقد أحدهما إلى نتائج وخيمة، مما يحتم وجود آلية مغايرة لآلية الفقد الصبغي. من الآليات المطروحة لتفسير الظاهرة حدوث اندماج بين جنينين مستقلين في مراحل مبكرة جداً من تطورهما، أو عدم قدرة الصبغيات

الجنسية على الانعزال في الانقسام الخيطي الأول بعد التلقيح.

لوحظ في دجاجة مزدوجة الصفات الجنسية أن أحد نصفيها يحمل الصيغة الصبغية ZZ في حين يحمل النصف الثاني الصيغة ZW. يتوقع أحد الباحثين حدوث خطأ أثناء تشكل البويضة، فإذا كانت البويضة تحمل خطأً صبغيين Z و W ولُقحت بنطفتين تحمل كل منهما صبغي Z فإن الكائن المتشكل سيحمل خلايا صيغتها ZZ وأخرى صيغتها ZW بنسبة النصف لكل منهما. من انتقادات هذه النظرية أنها ليست منطقية إذ تعتمد على حدثين نادرين أولهما أن البويضة حملت صبغيين جنسيين عوضاً عن صبغي واحد وأنها اتحدت بنطفتين بدلاً عن واحدة.

ماذا عن البشر؟

لم تُسجل أية حالات لهذه الظاهرة في البشر رغم شيوع حالات الثنائية الجنسية إذ يملك الفرد أعضاء جنسية ذكرية وأنثوية، بل ومن الممكن أن تجد إنساناً بخصية واحدة ومبيض واحد ولكن هذا لا يندرج تحت مسمى الـ gynandromorphism. لن تجد أبداً كائناً بشرياً بجسد نصفه أنثوي بثدي بارز ونصفه الآخر ذكري بثدي مسطح. ويعتقد العلماء أن استحالة حدوث ازدواج الصفات الجنسية لدى البشر تعود إلى طبيعة الخلايا الناتجة عن الانقسامات الخيطية المبكرة حيث تكون هذه الخلايا غير متمايزة أو متخصصة على عكس الخلايا الأولى للحشرات مثلاً (الخليتين الناتجتين عن أول انقسام للبيضة الملقحة يمثلان نصفي الجسم الأيمن والأيسر .. وهكذا). كما يعتقد العلماء أن تأثير الهرمونات اللاحق في تحديد الصفات الجنسية عند البشر يجعل حدوث هذه الظاهرة مستحيلاً.

المصادر

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا