كتاب > روايات ومقالات

عدَّاءُ الطَّائرةِ الورقيَّةِ: إنسانيّةٌ أنقذَتْها طائرةُ من ورق!

استمع على ساوندكلاود 🎧

"مُخطئون فيما قالوه عن الماضي، لقد تعلّمت كيف أدفنه، إلا أنّه دائماً يجد طريق عودته" بهذه الجملة استهلّ "خالد حسيني" روايته "عدّاء الطائرة الورقية".

عملٌ روائيٌّ متميّزٌ، قصَّة صداقةٍ وتفاصيل حياةٍ لا يمكن نسيانها. ما إن تقرأ أولى صفحاتها حتى تجذبك إلى أعماقها بأسلوب خالد حسيني الرائع، والذي ينشلك من فوضى الحياة اليومية وصخبها ليأخذك في رحلة غنيّة ضمن عوالم من تناقضات الحياة بما فيها مرارة الحرب والظلم، صدقُ الطفولةِ وبراءَتُها، الإنسانية المفقودة والضمير المؤنَّب.

إنَّ عنوان الرواية يشملُ الرَّمزَ الرئيسيَّ فيها وهو "الطائرة الورقية" التي شكّلت أساساً جمعَ بين شخصيات الرواية على اختلاف اهتماماتهم وثقافاتهم. تدور أحداث الرواية حول علاقة صداقة تجمع بين "أمير" و "حسّان" اللذين عاشا في المنزل نفسه في مدينة كابول، أفغانستان، في مطلع السبعينيات، قبل أن ينهش الدمار أفغانستان ويقضّ مضجعها، حيث كانت كابول حينها أحد أكثر عواصم شرق آسيا ازدهاراً ورونقاً.

ورغم أنّ منزلاً واحداً جمع بين حسّان وأمير إلّا أنَّهما لم ينتميا إلى عالمٍ واحدٍ. يقومُ أمير بسرْدِ أحداثِ الرّواية عابراً مختلف تضاريس ذكرياته والمواقف التي مرّ بها وتلك التي غيّرت مسار حياته بشكل كامل. ولعلّ أهم ما أضفى على الرّواية ألقاً فريداً وجمالاً خاصّاً هو سرد الأحداث والمشاعر على لسان الأطفال بصدق طفولتهم وعفويتها التي أعادت للأشياء والمواقف اليوميّة بريقها الأول وكأنّها خُلقت من جديد.

كانت صداقة "أمير" و"حسّان" ذات طابع مُتَميِّزٍ عن الصّداقات الأخرى، ورغم تميّزها ذاك إلّا أنّها لم تكن قويّةً بما فيه الكفاية كي تكسر القيود الاجتماعية المفروضة على ذلك النَّمط من العلاقات التي تربط شخصين ينتميان إلى عرقين مختلفين ضمن مجتمع محدود الأفق تنخره تلك الأفكار الطّبقية والفوقيّة الاجتماعيّة على أساس عقائديّ ومذهبيّ، ويُقَيَّمُ فيه الشّخص بماله وسلطته.

وممّا زاد الطّينَ بلّةً ذلك التوتُّرُ في علاقة أمير بوالده "بابا"، حيث كان أمير يحاول كسْبَ اهتمامِ أبيه وإعجابه بأيّة طريقة كانت، ومهما كلَّفه الأمرُ. فكان مستعداً أن يضحّيَ بأي شيء أو أيّ أحد في سبيل التقرّب من والده، لكنْ هل حصل على مبتغاه بعد كلِّ ما فعل؟ وهل وجَدَ في إرضاء أبيه عزاءً عن خسارة أخيه؟

للأسف لم تبرر غايةُ أمير كل الوسائل التي اتّبعها من أجل تحقيق مراده. إنما بقي ما فعله، أو ربما ما لم يملك الشجاعة على فعله كابوساً معذِّباً لاحقه بقية عُمرِه حتى منحته الحياة بصيص أمل كي "يصبح جيّداً من جديد".

تمتدُّ أحداث الرواية من سبعينيّات القرن العشرين حتى دخول الجيش السّوفييتي إلى أفغانستان ثم سيطرة حركة "طالبان" على البلاد. استطاع الكاتب فيها أن يسافرَ بالقارئ إلى بلدٍ ربّما لم يسمع عن أحوالها سوى الخراب والدّمار، ظلم الحرب وطغيانها، فوسّع إدراكه على بعض من عاداتها وتقاليدها، احتفالاتها وأفراحها، جال به بين أسواقها وشوراعها، وألقى الضوء على بعض المشكلات الاجتماعية والأفكار البالية الخانقة.

تجد نفسك عند قراءة تلك الصفحات تجري وراء الأحداث وتندمج معها كما كان حسّان يجري وراء الطّائرة الورقية بحدْسهِ وأحساسه. بأسلوب خالد حسيني المبدع ولغته فائقة الرّوعة والدّقة ينقلك من وقتٍ كانت فيه سماءُ كابول تعجُّ بالطائرات الورقية، فَرِحةً بضحكات الأطفال، وفضاؤها يعانق صدى قهقهاتهم، وأرضُها ترقص على إيقاع أقدامهم راكضين خلف الطائرات الورقية؛ إلى ذلك الوقت حين أصبحت السَّماء مُنهكةً من الصَّواريخ والرَّصاص، والفضاء ينشج إثر عويل الأمَّهات وبكاء الأطفال، والأرض مُثقلةٌ بالدِّماء والخراب.

إنَّها ليست مجرّد قصّة صداقة أو سردٍ للذكريات، إنما هي حكاية مجتمع، حكاية وطنٍ انطلقت من كابول، من عيني "أمير" و"حسّان"، حتى وصلت العالم كلّه. ورغم تلك التفاصيل الدقيقة والمحلّية فيها إلا أن "عدّاء الطائرة الورقية" حملت قيمة أدبية عالية وحازت على جوائز عديدة منها جائزة كتاب السنة (سان فرانسيسكو كرونيكل) وجائزة الحياة من مؤسسة الثقافة المسرحية الأميركية.

أعتقد أنّه من الضّروري قراءة هذه الرواية، لأنها توقظ أعماقَنا. هي رواية تخترق الإنسانية بداخلنا وتترك أثر جرح فيها.كما أؤمن بأن اثرَ الكتاب أو القصّة التي تجرحنا وتلامس آلامنا لهو أكبر وأعظم من أثر تلك القصة التي تسعدنا. أودّ أن أذكر ما قالته الكاتبة "إيزابيل الليندي" في هذه الرواية والذي لامس الشغاف واختصر المشاعر التي تنتاب القارئ بين سطورها وخلف كلماتها:

"كلّ المواضيع الهامة في الحياة هي تركيبة هذه الرواية الاستثنائية. الحب، الشّرف، الخوف، التوبة.هذه الرواية من القوّة، لحدّ أنه لوقت طويلٍ سيبدو كلّ ما قرأته سطحيّاً."

معلومات الكتاب:

الكتاب: عدّاء الطائرة الورقية

تأليف: خالد حسيني

ترجمة: منار فيّاض

دار النشر: دار دال للنشر والتوزيع (دمشق)

نوعية الكتاب : ورقي 368 قطع متوسط.