التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

الفخار .. أقدم صناعة في التاريخ .. ( بلاد الشام )

بعد ما تحدثنا عن انتاج الفخار وبداياته في بلاد الرافدين، نهري دجلة والفرات، وطينهما المميز، ورغبة تحثو الإنسان القديم نحو الاكتشاف وتحسين ظروف الحياة، نكمل معكم هذا البحث حيث بلاد الشام الغنية بالأنهار أيضا، التي كان لها فنها الخاص في إضفاء طابع جديد على صناعة الفخار، نترككم مع هذا الابداع،

مراكز و تقانات الإنتاج الفخاري القديم في منطقة بلاد الشام :

طبقا للمعلومات المتوفرة لدينا ، فإن أول آنية فخارية مصنعة في بلاد الشام تعود الى عصر النيوليت الفخاري 6500 ق.م ، و الذي انتشر على مساحة شاسعة من بلاد الشام و الأناضول ، ممتداً من تل الرماد بالقرب من دمشق ، مرورا بسهل العمق ، و حتى الخابور شرقاً ، حيث انتقل من هناك الى بلاد الرافدين .

و يشكل الفخار اليدوي المصقول ، ذو اللون البني الغامق المائل الى الحمرة ، و الخالي من التشكيلات الزخرفية و التزيينية ، المادة الأكثر انتشاراً ، و التي من خلالها يمكن تمييز الحضارات النيوليتية الفخارية ، و مناطق توزعها و انتشارها .

و من أهم المناطق التي تم العثور فيها على البقايا الفخارية العائدة الى تلك الفترة منطقة العمق في سوريا ، و جبيل في لبنان .

1_ حقبة منطقة العمق في سوريا ( 6000 _ 4000 ق.م ) :

يمكن تقسيم حقبة العمق السوري الى خمس مراحل :

الأولى : و تبدأ مع بدايات الألف السادس قبل الميلاد ، حيث تم العثور في منطقة تل الجديدة الواقع في سهل العمق ، على مجموعة من الأواني

المرجع السابق صفحة من ال44 الى 50

الفخارية اليدوية ، المصقولة و الناعمة ، ذات اللون القاتم ، هذا الى جانب عدد محدود من الآنية الخشنة الملمس .

الثانية : و التي تؤرخ مع منتصف الألف السادس قبل الميلاد ، و تتميز هذه الفترة ، بتحسن نوعية الإنتاج من الآنية الفخارية القاتمة اللون و المصقولة ، و التي أصبحت مزخرفة باستخدام تقنية الحز ، و التلوين بالبني و الأحمر فوق الأرضية البرتقالية الفاتحة .

الثالثة : و تؤرخ مع نهايات الألف السادس قبل الميلاد ، و تتميز هذه المرحلة بتطور وتائر الإنتاج الفخاري في سوريا ، حيث اختفى فخار المرحلتين السابقتين ، و استعيض عنه بنوعية جديدة نسبياً ، موازية لنوعية الفخار الحلفي الوسيط ، و هذا ما أكدته اللقى العديدة من الأواني الفخارية اليدوية ، و الغير مصقولة ، ذات التشكيلات الهندسية المكونة من الخطوط المستقيمة ، المتشابكة و الزيكزاك ، ذات الألوان البنية و الحمراء ، المعقودة فوق الأرضية البرتقالية الفاتحة ، و التي تم العثور عليها في مواقع تل يونس بالقرب من كركميش ، تل أسود و تل طورلو في سهل العمق .

الرابعة : و تعود الى بدايات الألف الخامس قبل الميلاد ، و هي استمرار للمراحل السابقة ، و تتميز هذه الفترة بتراجع الصناعات الفخارية المحلية الملونة ذات التأثير الفني الحلفي ، و العودة نحو تصنيع الفخار القاتم المصقول ، الجيد الصنع ، المزين بمجموعة من التشكيلات الهندسية الحمراء ، أو البنية و السوداء ، المطبقة فوق الأرضية الكريم الفاتحة اللون .

غير أنه و لسبب غير معلوم ، قد أخذت هذه النوعية الفخارية بالتراجع حيث تم الإستغناء عن استخدام تقانة الزخرفة بالألوان ، ليحل محلها تقانة الضغط .

الخامسة : و هي المرحلة الأخيرة من مرحلة العمق ، و تعود الى بدايات الألف الرابع قبل الميلاد ، و قد ظهرت في هذه الفترة التأثيرات العبيدية الرافدية التي أعقبت الحلفية ، و التي ساد فيها الفخار المزخرف بتشكيلات هندسية بسيطة و بدائية ، وحيدة أو ثنائية اللون .

2_ حقبة منطقة جبيل في لبنان (5800 _ 4000 ق.م) :

تحتل حضارة جبيل ، مكانة متميزة في عصر النيوليت الفخاري في بلاد الشام ، و تقابل مرحلة جبيل ، مرحلة العمق الثانية ، التي تقابل في دورها مرحلة حلف الوسطى في الرافدين ، و ذلك لكون معرفة تصنيع الفخار قد انتقلت الى جبيل من منطقة العمق الثانية ، و يمكن من خلال موقع جبيل ، تتبع تطور المجتمعات النيوليتية اللبنانية في مراحلها الباكرة ، الوسطى ، و المتأخرة .

_ المرحلة الباكرة ( 5800 _ 5300 ق. م ) :

تقابل المرحلة الثانية في العمق ، من حيث نوعية الإنتاج الفخاري المطابق من حيث الشكل و الزخرفة ، فقد عمد الفخاريون فيج بيل خلال هذه المرحلة ، الى القيام بتصنيع الآنية الفخارية المصقولة و الناعمة ، المكونة من الصحاف و الأباريق ، المصنعة من العجينة القاتمة اللون ، و المزخرفة من خلال تقنية حز و ضغط الأصداف و المواد الطبيعية على الجسم الطيني الطري . و هذا لا يعني ابتعاد فخاريي جبيل عن تصنيع بعض النماذج من الآنية البدائية الخشنة .

_ المرحلة الوسيطة ( 5300 _ 4300 ق . م ) :

تقابل المرحلة الثالثة في العمق ، و التي ظهر فيها نوع جيد من الآنية الفخارية المصنعة يدويا و المصقولة ، ذات الشكل المطابق للآنية الحلفية ، و ذلك من خلال تصنيعهم للأباريق القليلة العمق ، و المزخرفة بالمثاعب و الأزرار ، و كذلك الصحاف ذات الحواف المائلة و الأواني البيضوية الشكل ، ذات الرسومات الهندسية و الخطوط المحزوزة و الموخوزة ، أو المطبوعة بالأظافر و الأصابع ، و التي حلت مكانها التشكيلات الصدفية المطبوعة المميزة للفترة السابقة . و التي لونت بالأحمر أو الأحمر و الأسود .

_ المرحلة الأخيرة ( 4300 _ 4000 ق. م ) :

تتميز هذه المرحلة بتراجع الصناعات الفخارية ، و التي أصبحت بدائية و غير مصقولة أو موزونة زخرفياً ، حيث أصبحت التزيينات و الخطوط الزخرفية الحمراء تتوزع على سطح الآنية بشكل فوضوي .

و بناءً على ما سبق يمكن القول ان التطور الذي طرأ على تقنيات تصنيع الفخار في بلاد ما بين النهرين ، و من العلاقة التجارية القائمة فيما بينها و ما بين كل من بلاد الشام و الأناضول ، اللذين تمتعا بموقع جغرافي هام من حيث تكوينهما لنقطتي اتصال فيما بين الشرق و الغرب ، قد ساهمت في انتقال تقانات التصنيع اليهما ، و من ثم الى سائر البلدان الواقعة على حوض البحر المتوسط ، بحيث شكلت كل من بلاد الشام و الأناضول المكان الأساسي الذي صبت فيه و امتزجت سائر المعارف و الحضارات و التقانات ، و هذا ما أدى الى صعوبة تحديد الهوية الأصلية للتأثيرات الفنية أو تحديد مكان ولادتها الأصلي بشكل دقيق .

فمن المعروف أن الآنية الفخارية عالية الجودة و الناعمة الملمس ، ذات الأشكال و الزخارف كالدوائر و قوقعة الحلزون و التي تعد ذات أصول رافدية قد تم استخدامها منذ الألف الرابع قبل الميلاد في بلاد الشام ، و هذا يدل على عمق العلاقات الثقافية و التجارية بين بلاد الشام و بلاد الرافدين و التي تعود الى 3500 ق. م . و قد نجم عن هذه العلاقة تشابه الذوق الفني و التقني نتيجة لانتقال التأثيرات بين الجانبين ، و خاصة في مجال صناعة الفخار . و مثال ذلك أشكال الكؤوس الفخارية ، الطاسات ، القوارير ، الجرار ، ... الخ . أما التأثيرات الغربية فقد تمثلت بالأكواز و الجرار الشبيهة بأشكال الزجاجات و المتأثرة بشكل خاص بأشكال الصناعات الفخارية في كريت .

و من الجدير بالذكر القول : إن سائر الطرازات المشرقية ، قد تم تدميرها إبان الغزو الأشوري للمنطقة في القرون ال9 _ 7 ق. م . حيث قام الأشوريون بتدمير المدن السورية . و بعد ذلك بقرن أي في العالم 610 ق. م ، استطاع البابليون القضاء على النفوذ الآشوري ، و من ثم كانت السيطرة للنفوذ الفارسي الذي بسط سيطرته على المنطقة كلها بما فيها الهضبة الإيرانية في العام 539 _ 538 ق. م ، و عملوا على توحيد الشكل و تطوير تقانات التصنيع و انتاجهم لنوع من الآنية الفخارية ذات الجودة العالية .

المصادر:

الحوليات الأثرية السورية _ المجلد العاشر 1960 _ الفخار غير المطلي _ الأستاذ أبو الفرج العش

الفخار القديم و الخزف نشأته – تطوره – تقانات تصنيعه _ الدكتور محمد شعلان الطيار

A History of the middle east _ saul. s Friedman

ولمن فاته الجزء الأول من بحثنا في بلاد الرافدين

هنا