التوعية الجنسية > الحياة والحقوق الجنسية والجندرية

توعية الأطفال جنسيًا.. ضرورة يجب ألّا نخفيها بعد اليوم - التوعية المنزليّة

إن فضول الأطفال تجاه الأمور الجنسيّة هو مرحلةٌ طبيعيّةٌ من مراحل تعلّمهم واستكشافهم لأجسادهم، ومن الطبيعيّ أنْ يساور الناس فضولٌ عن ماهيّة الجنس في مرحلةٍ ما من حياتهم، في حين نجد أنّ الأطفال الأصغر سنًا مهتمون بالأشياء المتعلقة بالحمل والولادة أكثر من اهتمامهم بالآلية الجنسية، فكيف سنجيب عن تساؤلات هؤلاء الأطفال بطريقةٍ نقدم لهم فيها المعلومة الصحيحة المناسبة لأعمارهم والسليمة العواقب؟

للأهل دورٌ مهمٌ جدًا في توعية الطفل حول الجنس والعلاقات، ويأتي دور المدرسة فيما بعد متمّمًا لهذا الدور، كذلك تعدُّ التربية الجنسية شديدة الأهمية في مساعدة الأطفال على فهم طبيعة الجسم البشري، ومنحهم شعورًا إيجابيًا حيال أنفسهم فمن المهم خلق تواصلٍ جيدٍ بين الأهل وأطفالهم في أعمارٍ مبكرةٍ، مع وجود الصدق والصراحة والانفتاح في الحوار بين الطرفين، وخصوصًا عندما يبلغ الأولاد سنّ المراهقة، ففي هذه الحالة، سيشعر المراهقون براحةٍ وقدرةٍ أكبر على الإفصاح لأهلهم عن مشاكل المراهقة الأخرى كالاكتئاب، والعلاقات، وتعاطي المخدرات والكحول، فضلًا عن القضايا الجنسيّة.

عندما يتحدث الآباء مع أبنائهم عن الجنس، يمكنهم التأكد من أنّ أطفالهم يحصلون على المعلومات الصحيحة، ومن الضروريّ أنْ يكون الآباء والأمهات مصدر المعلومات الأول بالنسبة لأطفالهم فيما يخصّ الجنس، ليتمكنوا بذلك من حمايتهم من ارتكاب تصرفاتٍ خطيرة وسيئة عندما يكبرون. إذًا دعنا نجعل هذه العملية منهجية تمامًا ونجب على تساؤلاتك كلها.. متى سأبدأ بثقيف أبنائي؟؟ ماذا سأعلمهم؟؟ وكيف سأقوم بهذه المَهمة الشاقة؟؟

وقت التعليم:

أفضل استراتيجية للتوعية الجنسية هي البدء بحوار صريح بين الأهل وأطفالهم في عمرٍ مبكر، وتوسيعُ حدود هذا الحوار مع تقدم الأطفال في العمر، وستصبح هذه المحادثات أسهل عند خروجهم للحياة الواقعية ورؤيتهم للنساء الحوامل واللواتي أنجبن حديثًا. وهكذا لن يضطرّ الأهالي للدخول في نقاشٍ كبيرٍ ومحرجٍ أحيانًا مع أولادهم عند بلوغهم سنّ المراهقة، عدا عن احتمال اكتساب المراهقين في هذه الفترة معلوماتًا خاطئةً ومضلّلةً من أصدقائهم.

المعلومات التي يجب أن أقدمها:

عندما تريد التحدث إلى أطفالك عن الحياة الجنسية، احرص على تلقينهم المعلومات التي تتلاءم مع أعمارهم، ففي هذه الحالة لن تكون مضطرًا إلى إخفاء جميع الحقائق عنهم منذ صغرهم، وشيئًا فشيئًا سيكبرون وقد حصلوا على كل المعلومات التي يحتاجونها والتي ستعين الأهل على حمايتهم من الوقوع في الخطأ.

قد تتساءل هنا: كيف بإمكانك معرفة المعلومات التي تناسب عمر أطفالك؟

حسنًا، قمنا هنا بتصنيف الأعمار في فئات محددة، وأرفقناها ببعض المعلومات التي تناسبها بناءً على دراساتٍ عديدةٍ. على سبيل المثال، الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم السنتين يجب أنْ يكونوا على درايةٍ بأسماء أجهزة وأعضاء الجسم المختلفة، ومنها الأعضاء التناسلية، ليتمكنوا على الأقل من التمييز بين الذكور والإناث.

أما من تتراوح أعمارهم بين العامين والخمسة أعوام، فهم بحاجة لمعرفة أبسط المبادئ؛ مثل كون التكاثر عمليةً تحدث بين الزوجين وولادة الأطفال من رحم الأمهات. وبعد مرور تلك الفترة، أي عندما يبلغ طفلك الخمسة أعوام، ابدأ بشرح بعض المعلومات المبسطة له حول البلوغ؛ آلياته وصفاته وأسبابه على سبيل المثال. وأخبره مثلًا عن دور الزواج والعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة في الإنجاب.

وابدأ بشرح هذه المعلومات تدريجيًا حتى بلوغهم سن المراهقة، عندها يجب أنْ تكون حريصًا على مساعدتهم لتمييز الصواب والخطأ في العلاقات الجنسية. ولا تنس أنْ تذكّرهم على الدوام بأنّ ما يشاهدونه في التلفاز ووسائل الإعلام حول الجنس والعلاقات ليس واقعيًا، ويجب أنْ يميزوا دومًا بين الصواب والخطأ كي تحميهم في المستقبل.

غرس القيم العائلية:

بالإضافة إلى كل ما ذكرناه، توفّر التوعية الجنسية فرصةً كبيرةً لغرس القيم العائلية في أذهان أطفالك. على سبيل المثال، إذا كانت عائلتك تؤمن بضرورة تأجيل العلاقة الجنسية إلى ما بعد الزواج، يجب مناقشة أسباب هذا الاعتقاد مع أطفالك إلى جانب معلوماتٍ أخرى حول هذا الموضوع، وإلّا قد لا يتقبل طفلك هذه الأفكار عندما يبلغ سنّ المراهقة. وإنْ لم تعطِ أطفالك المعلومات الضرورية عن هذا الموضوع، سيحصلون عليها من مصادر أخرى ولن تكون سعيدًا بمعرفة نتائج ذلك. ويوجد عديد من المصادر التي قد توفر لأطفالك معلومات مضلّلة وخاطئة وحتى خطيرة في سنٍّ أبكر مما تتصوّر، كالمدرسة والأصدقاء ووسائل الإعلام، وبذلك قد لا تتمكن من السيطرة على تصرفاتهم وإرشادهم عندما يكبرون.

وفي سياقٍ آخر، يجب على الآباء عدم الاعتماد على المدارس وأنظمتها التعليمية لتربية أطفالهم وتثقيفهم جنسيًا، فقد لا تكون التربية الجنسية المدرسية متاحةً أو ممكنةً حيث تعيش، وفي حال تلقيهم بعض المعلومات في المدرسة، اطلب منهم إخبارك عنها وقم أنت بتصحيح وإتمام ما ينقص منها.

من ناحيةٍ أخرى، نرى تواجدًا كبيرًا للجنس والحياة الجنسية في وسائل الإعلام المختلفة، لكنَّ هذا التواجد يقتصر على قضايا سطحية لا تمتّ للواقع بصلة، فلا نرى أية مشاعر في العلاقات العاطفية، ولا نرى تسليطًا كافيًا للضوء على المفهوم العميق للحياة الجنسية. وفي أغلب الأحيان، يحدث إخفاء متعمَّدٌ لمخاطر الجنس ومشكلاته المختلفة بقصد غرس أفكار ومفاهيم معينة في أذهان المراهقين. لذلك نقول لك أنّ التربية الجنسية أفضل بكثير من عدمها.

وتشير الدراسات إلى أنّ رؤية الأطفال لصور جنسية في وسائل الإعلام ستزيد من خطورة انخراطهم في حياة جنسية مليئة بالمخاطر والأخطاء في سنٍّ مبكرة، في حين أنّ التوعية الجنسية المنزلية ستجنبهم الوقوع في هذه المشاكل، لذا أطفئ تلفازك وابدأ بنصح أطفالك.

كيف يتصرف الأهل عادةً حيال التوعية الجنسية لأبنائهم؟

يميل الآباء إلى تجنّب المشاركة في التربية الجنسية لأطفالهم وحتّى عندما يقرّرون المشاركة يحاولون الابتعاد عن الجوانب الحميمية، أما الأمّهات فيتحدّثن عن الجانب الحميمي والجوانب العاطفية والنفسية للجنس على نحوٍ أكبر نسبيًا، ويمِلن إلى التحدث إلى بناتهن عن الجنس أكثر من أبنائهن الذكور في حين يميل الوالدان إلى إخفاء بعض الحقائق الجنسية الأنثوية عن أبنائهم الذكور؛ مثل الدورة الطمثية. ويعتقد بعض الأهالي أن المدرسة ستتولى مهمة توعية أطفالهم جنسيًا، فيُعفون أنفسهم من المهمة التي قد تكون شاقّة، وقد يؤجّل الوالدان الحديث عن الجنس إلى أن يلاحظوا دخول أبنائهم في علاقات عاطفية ويعذُّ ذلك خطأً كبيرًا لأنّ الحديث عندها سيأخذ منحىً تأديبيًا أكثر من كونه تربويًا.

ومن الأخطاء الشائعة أن يميل الوالدان إلى استخدام لغة جسد تعبّر عن إحساسهم بالضيق والإحراج أم أطفالهم؛ مثل تجنّب النّظرات المباشرة عند خوض هذه الأحاديث، فيقتصر على شرح الأمور البيولوجية الأساسية للجنس وتجنب المواضيع الأكثر إحراجًا كالعادة السرية والهوية الجنسية ونشوة الجماع.

ما هو موقف الطفل من محاولة الأهل توعيته جنسيًا؟

يلقى الموضوع اهتمامًا أكبر من قِبل الفئات العمرية الأصغر، إذ وجد الباحثون أن الأطفال الأكبر عمرًا يميلون إلى الاعتقاد بأنهم يعرفون كل شيء وأنه ليس بإمكان أهلهم إضافة أي معلومات جديدة، وبذلك قد يفقد الأهل ثقتهم بقدرتهم على التواصل مع طفلهم الأكبر سنًا عندما لا يولي حديثهم اهتمامًا كبيرًا، كذلك يُحتمل أن يشعر الطفل بالإحراج تمامًا مثل الوالدين، فيقررَ ألا يحدثهم بالموضوع مطلقًا، ويفترض الأطفال عادةً أن الأهل لا يحبّذون هذا الدور إثر عدم مبادرة الأهل بالانخراط معهم في هذا الحديث التوعوي، فيمتنعون كليًا عن طرح هذه الأسئلة.

إذًا ما هي نصائحنا للأهل؟؟

- كن أنت صاحب المبادرة الأولى، ولا تنتظر أن يبدأ طفلك الحديث من تلقاء نفسه، فالبدء في عملية التربية الجنسية مهمةُ الوالدين. وبهدف منح الموضوع سلاسةً في الطرح، اجعل البداية اعتيادية واختر وقتًا يشعر ابنك فيه بالراحة كأن تحدثه أثناء أداء المهام الاعتيادية كالطبخ والترتيب، فمن شأن ذلك أن يقلّل التوتر، كذلك يمكن أن تبدأ الحديث عن طريق استغلال فرصةٍ ظهور مشهدٍ حميمي على التلفاز واختلاق قصة خيالية لمناقشتها مع ابنك كقولك: "ماذا كنت ستفعل لو مررت بحالة مشابهة؟؟" فاختراق قصة وهمية يُشعر ابنك بالأمان ولا يضعه في موضع المتهم، ممّا يشجعه على التعبير عن نفسه على نحو أفضل.

- حاول أن تعرف ما يعرفه طفلك أصلًا عن الموضوع، كأن تسأله: "من أين يأتي الأطفال باعتقادك؟" ثمّ صحّح أي خطأ في معلوماته عن الثقافة الجنسية.

- كافئ أطفالك عند لجوئهم إليك كمصدر للمعلومات بدل أن تتجاهل الموضوع، وبهذه الطريقة سيشعر الطفل بالارتياح دائمًا عند التحدث إليك عن أي موضوع وخصوصًا المسائل الجنسية.

- ليس غريبًا أن تحس بالإحراج، ومن المفيد أن تشارك هذا الشعور مع طفلك بإخباره مثلًا: "لستُ معتادًا على خوض هذا الحديث لأن جدتك لم تحدثني عنه، لكنني أعتقد أنه حديث مهم وسوف يصبح أسهل مع الوقت"، هذا سيخفّف أيضًا من خجل الطفل.

- الحقائق ليست كلّ شيء إذ يحتاج الطفل إلى تلقي التّعليم عن التكاثر والبلوغ بقدر ما يحتاج إلى تعرف قيم التربية الجنسية في عائلته.

- من واجب الأم والأب على حد سواء أن يعلموا أطفالهم عن الجنس والثقافة الجنسية، فالطفل بحاجة إلى معرفة آراء كلا الجنسين، وسيتعلم بهذه الطريقة أن المرأة والرجل يمكن أن يتحدّثا إلى بعضهما عن الجنس، وهي إحدى المهارات المهمة لمرحلة النضج.

- لا تناقش النتائج السلبية الممكنة لممارسة الجنس في الوقت غير المناسب أو بالطريقة الخاطئة فقط، فمن حق المراهقين معرفة أن التعبير عن مشاعرهم الجنسية بطريقة مسؤولة ولائقة هو جزء جيد وممتع في أي علاقة حقيقية مستقبلًا.

- أخبر أطفالك عن القيم الخاصة بالعائلة حول السلوك الجنسي الصحي والواعي.

- يجب أن يتسلّح الأهل بمعرفةٍ واسعةٍ عن الموضوع، فقد يُسألون عن طيفٍ واسعٍ من الأمور؛ كالبلوغ والدورة الطمثية ومنع الحمل والحمل غير المرغوب به والإجهاض والميول الجنسية المختلفة، وكلّما اتّسعت ثقافة الأهل جرى الحديث بسلاسة أكبر أيضًا.

- لا تلجأ للكذب تجنّبًا للإجابة عن أسئلة لا تملك إجاباتٍ لها، بل ابحث عن الإجابة وأخبر طفلك بها لاحقًا في الوقت المناسب.

- من الضروري ألا تتجنب النظر في عيون الطفل في أثناء الحديث، حتى لا توحي له أنَّ الحديث عن الجنس معه أمرٌ معيب.

- تجنب أن يتحوّل الحوار إلى نقاشٍ حادٍ تتهم فيه أطفالك بخطأ آرائهم، بل حاول أن تكون متفهمًا وألا تنتقدهم أو تبدي ذعرك من آرائهم المخالفة لآرائك أو توبّخهم بعنف، بل وضّح لهم برفق سبب مخالفتك لهم بالرأي.

- من الضروري أيضًا ألا تقاطعهم أو تتوقّف عن الإصغاء إليهم، ولا تفترض طلبهم لنصيحتك من تلقاء أنفسهم، وإذا شعرت بوجود ضرورة تستوجب نصحهم، أخبرهم بالسبب أوّلًا ولا تكن عنيدًا وقاسيًا.

- اجعل النقاش ذا اتجاهين ولا تجعله تلقينيًا شبيهًا بمحاضرة أو توبيخ، ولا تفترض أن أطفالك ناشطون جنسيًا أو واقعون في مأزق لمجرد سؤالهم عن الجنس، فردّة الفعل العنيفة قد تخسرك التواصل مع طفلك إلى الأبد.

- إذا لم تشعر بالارتياح لمناقشة تجاربك الجنسية والعاطفية الخاصة مع طفلك، أخبره ذلك بصراحة تامّة، وفسّر ذلك بأن لهذه الأمور خصوصية مميزة.

- يجب توعية الطفل حول مسائل الخصوصيّة الجنسيّة عمومًا، كأن تخبره أن جسده ملك له ولا يحق لأحد لمسه دون إذن منه، ولا يحق له لمس الآخرين دون إذنهم أيضًا. ومن المهم جدًا تعليم الطفل أن يرفض أي سلوك للآخرين يُشعره بالضيق وألا يخجل من قول كلمة "لا" (مثلًا إذا طلب منه أحد أصدقائه رؤية أعضائه التناسلية، وهو أمر شائع الحدوث)، وفي حال حدوث أي أمرٍ مزعجٍ أن يخبرك به فورًاض.

- في الحالات المستعصية، يعاني بعض الأهل من إحراج شديد مما يجعل النقاش مستحيلًا خاصةً إذا بادر الطفل برفض النقاش، وهنا عليك التّحايل لمساعدة ابنك على الحصول على المعلومات الصحيحة، وابدأ بشراء الكتب المناسبة لعمره وضعها في غرفته، أو استعن بقريب موثوق قد يستطيع التواصل مع ابنك على نحو أفضل من هذه الناحية، كما أن اطلاعك على منهاج ابنك المدرسي سيساعدك على طرح مواضيع غير مشمولة في الكتب بما يخفف شعوره بالضجر، واستمر بالمحاولة من وقت لآخر مع مراعاة أن الحديث عن طريق الهاتف قد يكون أقل إحراجًا للبعض. وتذكر دائمًا وجود عائلتك وطبيبك سندًا لك في هذه المهمة.

- تذكّر أهمية أن يكون مستوى الحديث مناسبًا لعمر الطفل.

أخيرًا، علينا أن نذكر أن الوظيفة الجنسية والتكاثر من أهم الاحتياجات الحيوية للإنسان، ودونها لن يتمكن الجنس البشري من الاستمرار، كما أن العلاقة الجنسية هي إحدى المتع التي تتحول إلى كارثة عندما يغيب الوعي عنها.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا