الطب > علوم عصبية وطب نفسي

كيف يؤثر تناول الوجبات ليلاً على ذاكرتنا؟

في خضم هذه الحياة المتسارعة، حيث الوقت هو أكثر ما قد يحتاجه الإنسان وأكثر ما قد يفقده أيضاً، يصبح تناول الطعام في أي وقت، أمرًا اعتياديًا أو حتى اضطراريًا للبعض.

فقد نأكل الطعام في الظهر أو في الليل دون وجود جدولٍ محددٍ لأوقات الطعام. لكن، ألا يمكن لهذه العشوائية في تناول الطعام أن تؤثر سلبًا على صحتنا وبالتحديد على ذاكرتنا؟

إذًا، كيف سيؤثر تناول الوجبات ليلاً على ذاكرتنا؟

للإجابة على هذا السؤال قام العلماء بتجربةٍ على الفئران، والفئران حيواناتٌ ليلية؛ أي أنها تَنشط في الليل وبالتالي فالوقت الطبيعيُّ لتناول الطعام بالنسبة لها هو

الليل. جعل العلماء هذه الفئران تتناول وجباتها في النهار عوضًا عن الليل فلاحظوا أنها أبدت اضطرابًا في ذاكرتها بالنسبة للأشياء التي شاهدتها حتى عندما كانت كمية النوم و الطعام الذي تتلقاه هي ذاتها مقارنةً بالحالة العادية.

لماذا قد يحدث ذلك؟

في الواقع: يوجد لدى الإنسان كما لدى معظم الحيوانات الأخرى ساعات داخلية تعمل بالتوافق مع دورة اليوم الاعتيادية من الضوء والظلام(أي أنها مرتبطة بالنهار

والليل).

والآن نأتي إلى التجربة: حيث قسَّم الباحث كريستوفركلويل الفئران إلى مجموعيتن إحداهما تناولت الطعام في الوقت الطبيعي أي الوقت الذي تكون فيه مستيقظة(في الليل لأنها حيواناتٌ ليليةٌ كما ذكرنا) والأخرى تناولت الطعام في الوقت التي يجب أن تكون فيه نائمة-أي في النهار- وقد حصلت كلا المجموعيتن على نفس القدر من الطعام والنوم وحتى نفس الوزن. والفئران، كالبشر، تعوَّدت في هذه التجربة الاستيقاظ لتناول الطعام (نقصد الفئران في المجموعة الثانية). فماذا كانت النتيجة؟

حسنًا، قبل أن يتم تغيير نمط الاستيقاظ والطعام للفئران، وُضِعت جميعها في صناديق، كل صندوقٍ يحوي شيئين مختلفين. وبعد تغيير النمط المتعلق بالنوم وتناول الوجبات، وُضِعت الفئران مرةً أخرى في صناديق، كل صندوقٍ يحوي شيئين أحدهما مألوف(تمت مشاهدته في الصندوق سابق الذكر) وشيئٌ آخر جديد، فأي المجموعتين كانت أفضل في تذكر الشيء المألوف؛ ذات النمط الطبيعي أم التي تم تغيير نمطها؟

في الواقع، الإجابة هي كما توقعتم، لقد احتاجت الفئران التي تم تغيير نمطها أي التي تناولت الطعام في الوقت الذي يجب أن تكون فيه نائمة، احتاجت هذه الفئران إلى وقتٍ أطول للتعرف على الشيء المألوف، أما الشيء الذي لم تتوقعوه ربما، هو أن الفارق بين المجموعيتن كان كبيرًا بشكلٍ ملحوظ، وهذا ليس كل شيء..

نسيان الخوف:

في تجربةٍ أخرى، وُضِعت الفئران في حالةٍ تسبب الخوف لها والذي يتظاهر-أي الخوف- بالتجمُّد والثبات في المكان، ومن ثمَّ تم تغيير النمط الخاص بالنوم والطعام

لمجموعةٍ من الفئران كما في التجربة السابقة، وبعدها عُرِضت المجموعتان على نفس الحالة التي سببت لهما الخوف سابقًا، فأبدت الفئران التي تعرضت لاضطرابٍ في نمطها المتعلق بوقت تناول الوجبات والنوم، أبدت هذه الفئران خوفًا أقل من مثيلاتها الطبيعية أي أنها نسيت السبب الذي يدفعها للخوف. وقد قال القائمون على التجربة أن تأثير اضطراب جدول النوم والطعام(تناول الطعام في الوقت الذي يجب أن يكون فيه الكائن نائمًا) يشابه تأثير" اضطرابات الرحلات

الجوية الطويلة."*

وأخيراً، قام العلماء بقياس قوة الاتصالات العصبية بين الخلايا العصبية وهو مقياسٌ لعملية التعلم، فوجدوا أن الفئران التي تعرضت لتغييراتٍ في جدول نومها وطعامها تعلمت أبطأ من نظيراتها الطبيعية.

لكن وبعد كل ذلك، ليس من الواضح إن كان بإمكاننا إسقاط نتائج هذه التجربة على البشر.

على أية حال، نتيجة هذه التجربة يجب أن تزيد اهتمامنا ووعينا بما يخص جدول النوم والطعام. ومن ناحية أخرى فإن القائمين على البحث يتساءلون أيضًا، بما أن نمط حياتنا قد غَيّر دورة النوم والاستيقاظ (متى ننام ومتى نستيقظ).. فهل يمكننا أن نستعمل جدول الطعام الزمني الصحِّي كحلٍ معاكسٍ لمشكلة تغيير دورة النوم؟

ربما نعم- من وجهة نظر شخصية.

الحاشية:

*اضطرابات الرحلات الجوية الطويلة Jet lag: الشعور بالتعب والدوار بعد الرحلات الجوية التي يتم فيها قطع مناطق زمنية

طويلة(أي السفر شرقًا أو غربًا وليس جنوبًا أو شمالًا) حيث تضطرب "الساعات

الداخلية" في جسم الإنسان.

المصدر:

هنا

مصدر الحاشية:

هنا

مصدر الصورة:

هنا