التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

الفخار .. أقدم صناعة في التاريخ .. ( بلاد الرافدين )

مقدمة:

اهتدى الانسان القديم الى صناعة الفخار بعد تجارب عديدة ، فقد كان يصنع أوعية من الحجر و من أغصان الشجر و أعواد النباتات اللينة لتلبية الحاجات التي تناسبها هذه الأوعية ، ثم اكتشف أن مادة الطين تنفع في سد الثقوب الناتجة من حبك هذه الأعواد ، فطلى أوعيته من الداخل و الخارج بالطين فأصبحت تفيده في أكثر حاجاته ، و يبدو أن الصدفة لعبت دورا في شي الطين حتى أصبح فخارا ، و لاحظ الانسان القديم متانة الفخار بالنسبة للطين المجفف ، فأخذ يستخدمه على مقياس واسع في تهيئ الآجر و صنع الأواني الفخارية . نجح الانسان الى حد بعيد في تكييف الأواني ، من حيث الأشكال و الحجوم حسب ما تقتضيه حاجته .

و عندما وصل الى هذه الدرجة من اتقان الأواني الفخارية أخذ يستغني شيئا فشيئا عن صنع الأواني من الحجر التي اقتصر استعمالها على حفظ المواد السائلة ، ولكن عندما ارتقت صناعة الفخار أكثر فأكثر بحيث استطاع الانسان أن يطلي الأواني بمادة أكثر كتامة تجعلها أشد صلابة و تماسك ، ثم توصل الى طلائها بمادة زجاجية تضمن صلاحها لحفظ المواد السائلة دون أي محذور ، عند ذلك أخذ يستغني عن الأوعية الحجرية و يعتمد على الفخار و الخزف في أكثر شؤونه .

لدى مقارنة الأواني الفخارية و الأواني الحجرية المصنوعة في العصور القديمة نلاحظ أن صناعة نحت الأواني الحجرية كانت متقنة جدا حتى بلغت حد الكمال قبل أن تصل صناعة الفخار الى الدرجة اللائقة ، و لكن عندما بلغت صناعة الفخار غايتها من حيث الإتقان أخذت صناعة نحت الأواني الحجرية تتقهقر حتى استغنى عنها الإنسان لصعوبتها و كثرة تكاليفها .

أما صناعة الفخار فقد بلغت الأوج و ظلت محافظة على مستواها الى أن كثر استعمال المعدن في صنع الأواني على شكل واسع ، و لكن مع ذلك ظلت لصناعة الفخار مكانتها لسهولة صنعها و قلة تكاليفها ونفع استعمالها.

و لما كان البشر قد اعتمد على الفخار اعتماداً كبيراً في تلبية حاجاته و تدبير أموره الحيوية ، فإن هذه المادة الرخيصة التي لا يمكن إصلاحها أو الإنتفاع منها بعد انكسارها ، كانت شاهدة على حياة الإنسان اليومية .

عندما فكر العلماء أن ينقبوا عن آثار الإنسان القديم في التلال الإصطناعية القديمة جمعوا فخار كل طبقة على حدة ، و درسوا خصائصه و قارنوا بين فخار الطبقات المتشابهة فوجودوا تقارباً أفادهم الى حد بعيد في معرفة الحضارات المتعاصرة ، و استطاعوا أن يميزوا حضارة مجهولة بدراسة اللقى من الفخار الذي يعود اليها ، كما استطاعوا أن يحددوا عمر طبقة الأرض من دراسة فخارها .

نستخلص من هذا أن مادة الفخار و دراسة تطور صناعتها أفاد البحث العلمي الى حد بعيد .

تنقيب الفخار القديم و مقارنته بالفخار الاسلامي:

إن التنقيبات الأثرية التي أجريت في إيران و العراق و سوريا و مصر أفادت الى حد بعيد في دراسة الفخار الاسلامي ، و استطاع الباحث أن يكون فكرة عن تطوره ، الا أن دراسة الفخار القديم كانت أيسر بسبب تمييز كل طبقة عن الطبقة الأخرى ، لقد كان في القديم شعب يهاجم شعبا آخر ، فينفيه ، أو يجليه عن مكانه ، و يهدم بنيانه و يحطم كل آثاره ، أو يتعرض الشعب لآفات الطبيعة فينزح البشر الباقي الى جهة أخرى ، فتموت المدينة ردحا من الزمن ثم يجذب الموقع الملائم شعبا آخر فيسكن المكان و ينشئ على أنقاض الماضي حضارة أخرى تتميز عن الحضارة السابقة ، ففي حالة كهذه يسهل تماما أن ندرس الحضارتين المتتاليتين من آثارهما المتراكمة .

هذا من جهة ، و من جهة أخرى فإن الاعتقادات الدينية القديمة كانت تدعو الانسان الى وضع بعض الأواني و اللوازم في قبور الموتى . و هذه الأشياء يعثر عليها سليمة في أغلب الأحيان و تكون أصلح لدراسة الآثار . أما العصور الإسلامية فكانت متداخلة و متصلة ، لم يحدث انقطاع في حياة مدينة الا بالنادر القليل . و من تعاليم الدين الاسلامي النهي عن التبذير فكان لا يترك مع الميت شيء من الأواني أو السلاح او الحلي ... الا ما ندر . لذلك نلاحظ أن اسلوب صناعة مادة ما قد يستمر مدة طويلة أو يتطور بسرعة خلال مدة وجيزة ، لكنا لا نستطيع أن نحكم بسهولة على عصر قطعة أثرية اذا لم توجد دلائل قوية تفصح عن قدمها . إن التنقيبات الأثرية التي أجريت في المدن القديمة التي سكنت أيضا في العهود الإسلامية مثل سوز و بابل و نينوى و كيش و أصتخر و بعلبك .

بدايات الفخار القديم في بلاد الرافدين :

بعد أن زادت الفوائض الغذائية و بدأت المجتمعات تقسم أشكال العمل على فئاتها ، عندما بدأ بعض المحظوظين بحصد محاصيل أكثر من ان يستهلكوها احتاجوا أوعية لحفظها ، و آخرون وجدو أن أراضيهم ليست بالخصوبة الكافية لإنتاج محصول جيد و لذلك اتجهو نحو الحرف و الصناعة ، سلات من لحاء الأشجار و مصنوعات أخرى كانت تبادل بالمحاصيل و هذا كان في عام 5000 ق . م ، في تل حسونة و الذي هو موقع يبعد 25 ميل جنوب الموصل ، كان الطين يشكل و يقولب باليدين ليشكل أوعية أحادية اللون غير متناظرة ، في الألف سنة التالية ، حصل الفخار على تقانات متعددة تتضمن العجينة السائلة و الديكورات تكون بين الزخارف البسيطة الى التشكيلات المعقدة الى رسومات الحيوانات و السابحة تحديدا ، ، الى الصليب المعقوف و الصليب المالطي ،هذه التشكيلات و الألوان الفخارية انتشرت في تل حلف في ( 4500 _ 4000 ق. م ) و الأخضر في العبيد ( 4000_3500 ) و أسود أو قرميدي في أوروك ( 3300 _ 3100 ) ، و كانت قد وفرت هذه التقنيات و الأشكال الفنية أفق رائع يمنح بلاد الرافدين فضلا كبيرا في التطور الحضاري الانساني و قد صنعت هذه الاواني بالتشكيل اليدوي و العجلة البطيئة و العجلة الضخمة و شويت في أفران متنوعة منها المفتوحة و المغلقة و متعددة الطوابق ( 1 ).

و كانت من أهم المواقع التي حوت الفخار القديم في بلاد الرافدين :

_ حقبة تل حسونة ( 5800 _ 5100 ق.م ) :

أخذت هذه الحضارة اسمها من موقع تل حسونة ، على ضفة يمنى لنهر دجلة ، على مسافة 35 كم إلى الجنوب من مدينة الموصل ، و من المتوقع أن تكون حضارة حسونة قد نشأت على خلفية حضارة أم الدباغية و تطورت عنها .

و قد تميز هذا الموقع بتصنيعه لنوع جيد من الآنية الفخارية المصنعة يدوياً ، و المكون من الطاسات و الجرار ذات البطن الدائري و الرقبة الأسطوانية القصيرة ، المزينة بالتشكيلات الهندسية البسيطة ، جيدة الترتيب ، و المكونة من خطوط شبكية او متعرجة ذات لون بني ، أحمر أو برتقالي ، شبيهة بالعصر السابق .

كما أسفرت نتائج التنقيب الأثري التي جرت في مواقع تل حسونة و نينوى ، عن اكتشاف نموذجين رئيسيين من نماذج الآنية الفخارية ، المنتجة في فترة حضارة تل حسونة :

الأول : و هو المعروف باسم فخار تل حسونة العتيق ، و يتميز بزخارفه ذات الألوان الحمراء و السوداء المنفذة فوق الأرضية الكريم الفاتحة .

التاني : و هو المعروف باسم فخار تل حسونة النموذجي ، و هو شبيه بالفخار السابق غير أنه يختلف عنه بعناصره الزخرفية المحزوزة ، المكونة من تشكيلات هندسية مثلثية ، خطوط مستقيمة ، متقاطعة و هياكل سمكية ، ذات تلوينات بنية . حمراء ، وردية أو برتقالية مرسومة فوق أرضية كريم فاتحة .

و على الرغم من قيام صناع الفخار في تل حسونة باستخدام أفران الشي المكشوفة ، فإن بعض الدراسات الأثرية تشير الى أن صناع الفخار في تل حسونة قد عرفوا فرن الشي المغلق ذي الطابقين ، المكون من الموقد السفلي المفصول عن قمرة شي الآنية الفخارية ، بهدف تجنيبها اللهب و نواتج الاحتراق ، غير أن هذا الرأي لم يتم تأكيده حتى الآن ، حيث من المرجح أن فرن الشي ذي القمرتين ، قد تم اكتشافه في فترة متأخرة من حضارة تل حسونة .

فخار تل حسونة

_ حقبة سامراء ( 5000 ق.م ) :

تقع مدينة سامراء على نهر دجلة الى الشمال من بغداد ، حيث تقبع مخلفات هذه الحقبة تحت انقاض مدينة سامراء العباسية .

عاشت حضارة سامراء في الثلث الأخير من الألف السادس قبل الميلاد ، حيث من المعتقد على أن حضارة سامراء قد تزامنت مع الفترة الأخيرة من حسونة في مناطق جغرافية مختلفة ، حيث سادت حضارة حسونة في أقصى الشمال الرافدي ، في حين سادت الحضارة السامرائية في أقصى جنوب الشمال الرافدي ، و تواصلت مع حضارة حسونة من ثم أعقبتها زمنيا ، و بسطت سلطتها و مورثاتها الثقافية على المنطقة الممتدة من سفوح جبل زاغروس شرقا و حتى الفرات الأوسط غرباً ، و من الشمال الرافدي و حتى بغداد جنوبا .

هذا و قد تم العثور على مجموعة من البقايا الفخارية السامرائية ، التي تؤرخ على مطلع الألف الخامس قبل الميلاد ، و المؤلفة من مجموعة من الأواني الفخارية السامرائية المصنعة بواسطة العجلة البطيئة المدارة يدوياً ، ذات التربة الغضارية الصفراء شبه الناعمة ، المشوية تحت درجات الحرارة المعتدلة و يدل على ذلك التعدد و الاختلاف اللوني لسطوح الآنية الذي اكتسب ألوان متفاوتة تراوحت فيما بين الأسود و البنفسجي و الأخضر المعتم و البني و الأحمر ، الناجمين عن اختلاف حرارة الشي من الموقد .

غير أن الفخار السامرائي ، كان قد تميز زخرفيا عن الفترات التي سبقته باستغنائه عن تطبيق تقنية الحز و التمشيط ، و الاستعاضة عنها بتقنية التلوين ، بهدف تطبيق التشكيلات الزخرفية الهندسية البسيطة التركيب ، و المكونة من الخطوط المائلة ، الأفقية ، الشاقولية ، المنكسرة و المتعرجة ، الزوايا و المثلثات ، المربعات و المستطيلات ، ذات الأشكال المتسلسلة أو المتراكبة ، هذا الى جانب ; تطوير ملكاتهم الفنية و تطويرهم لتشكيلاتهم الزخرفية البسيطة ، المتضمنة للمشاهد الإنسانية ، النباتية و الحيوانية المقتبسة من البيئة المحيطة و المطبقة بالأزرق ، الأحمر ، البني الغامق و الرصاصي فوق الأرضية المطلية باللون الكريم الغامق و الغير شفاف .

وقد تمثلت اهم الموضوعات والمشاهد التزينية الطبيعية المطبقة خلال هذه الحقبة ، بأشكال ظليلة لغزلان تركض مذعورة حول شجرة . ومشاهد الاسماك السابحة في البركة ، وهي تحاول الافلات من طيور الماء ، التي اصطادت بعضاً منها و هي تهم بالطيران . و هناك مشهد العقارب السابحة في حركة دائرية حول اربع راقصات ذوات ضفائر طويلة مجعدة و متطايرة .

و الجدير بالذكر أن التشكيلات الزخرفية لهذه الحقبة الزمنية ، كانت قد تميزت بتشكيلاتها التجريدية و المختزلة و البعيدة عن الواقع ، و التي تجعل من الصعب تمييز الشكل المراد تطبيقه ، فاسحة المجال لتفكير المشاهد ، على تخمين ماهية الرسوم ، و الفكرة المراد ايضاحها و الوصول اليها من خلالها .

و من المتوقع أن فخار هذه الحقبة ( حقبة سامراء ) ، قد استمد بعض مضامين تشكيلاته الزخرفية و التزينية ، من الفنون الزخرفية التي كانت تسود في منطقة الهضبة الإيرانية ، و التي انتقلت منها الى سامراء و المناطق السهلية المجاورة في بلاد ما بين النهرين عبر طرق التبادل التجاري ، أو نتيجة انتقال العمال و الحرفيين المختصين في صناعة الفخار من الهضبة الإيرانية الى سهول ما بين النهرين .

حقبة تل حلف ( 5000 _ 4500 ق.م ) :

و قد تمت تسميتها كذلك ، نسبة الى موقع تل حلف الذي يقع على منابع الخابور الى الجنوب من بلدة راس العين ، و الذي عثر فيه على بقايا

فخارية ذات صناعة راقية ،تعد من أفضل ما أنتج في منطقة الشرق الأدنى خلال تلك الفترة . و يعود الفضل في ذلك ، الى إبتداع فخاريي هذه الحقبة لتقانتين مهمتين أثرتا في تطوير صناعة الفخار و إعطائه القفزة النوعية نحو الأمام .

_ التقانة الأولى : كانت باستخدام الفرن المغلق من أجل شي الآنية الفخارية الملونة بالأحمر و الأسود و البني ، فقد كان للفرن المغلق أثره الكبير في تجنيب الآنية البقع المختلفة و الناجمة عن ملامسة اللهب ، الدخان و الكربون الناجم عن الإحتراق للسطح ، إضافة الى الإرتفاع الملموس لدرجة الحرارة ، وهذا ما أكسب الآنية الصلابة اللازمة ، و ساعد على إظهار الألوان الزاهية اللماعة .

_ التقانة الثانية : تمثلت هذه التقانة في استخدام عملية التزجيج . فقد كان للمحاولات الأولى من أجل تصنيع حجر اللازورد النادر الوجود ، ذي الألوان الأزرق الغامق و السطح الأملس و اللماع ، الأثر الكبير في إكتشاف عملية التزجيج ، و ذلك عندما قام الصناع بقص و نحت و تقطيع الكتل الحجرية وفق مقاسات صغيرة ذات سطوح ملساء و ناعمة ، و ذلك قبل تغطيتها بالمسحوق الغباري لأكاسيد النحاس أو الكحل ، و من ثم شيها بالأفران المغلقة ذات الحرارة المرتفعة ، و هذا ما يؤدي الى تحول مساحيق الأكاسيد عن طبيعتها الغبارية غير المتماسكة ، لتأخذ شكل الطبقة الزجاجية الخضراء ، الرقيقة و الشفافة . رغم ذلك لم تكن هذه المحاولة هي الأولى لاكتشاف تقانة التزجيج .

هذا و قد كانت للمنافسة بين الفخاريين ، و من ثم الاقبال الواسع على اقتناء الأواني الفخارية الحلفية المصنعة يدويا ، الحافز الأكبر الى دفع الصناع للعمل على تطوير تقانات انتاجهم ، من حيث اختيار التربة الأنسب للصناعة ، و تحضيرها بدقة بعد ابعاد الشوائب و الأجسام الغريبة ، و من ثم التصنيع الدقيق للآنية الحلفية . التي تميزت برقتها و نعومة ملمسها ، هذا الى جانب رشاقة أجسامها ، و انحاناءاتها و تحدباتها السطحية من شفة و بطن ، جعلها أكثر شبهاً ، مع الآنية المعدنية ، هذا الى جانب استخدام تقانة الشي في الأفران ذات الحرارة المرتفعة .

على الرغم من تأثر الفنانين الحلفيين ، بفنون الحقب السابقة ، و اقتباسهم للعديد من تشكيلاتها الزخرفية كالخطوط المستقيمة ، المتعرجة ، المنكسرة ، المعينات ، المثلثات ... ، غير أنهم قد عمدوا الى إبراز طابعهم الفني الخاص بهم ، من خلال التشكيلات الزخرفية الجديدة التي تمثلت بالتشكيل الصدفي أو الفأس المزدوج ذي الحدين ، هذا الى جانب استخدام بعض التشكيلات الزخرفية الشبيهة بإشارة الصليب المالطي أو الصليب المعقوف ، المنفذين باللون الأحمر و الأسود ، و التي لا ندري إن كان لهذا التشكيل دلالة دينية . هذا الى جانب اعتماد بعض الموضوعات الزخرفية المقتبسة من البيئة المحيطة ، و المتمثلة بالوريدات ذات الأربع بتلات ، الطيور ، الثعابين ، الأسماك ، هذا الى جانب رسم الثور المقدس ذي التشكيلة المجردة من خلال تكوين الرأس على شكل قيثارة .

من جانب آخر فقد تميزت آنية تل حلف بألوانها و رسومها السوداء ، الحمراء ، البرتقالية ، و البنية الغامقة ، و لكن غالبا ما كانت الآنية تلون بلونين معاً كالأحمر و الأسود البراق ، أو الأحمر و الأبيض ، هذا الى جانب استخدام تقانة الطلي الزجاجي .

و من الجدير بالذكر القول ، أن الإقبال الشديد على الصناعات الفخارية ، دفع الصناع الى تصنيع الدمى الطينية ذات الأشكال النسائية ، و المتميزة عن الفترات السابقة ، من حيث الابتعاد عن تعرية الدمية الطينية الممثلة للربى الأم ، رمز الخصوبة ، المرتدية للثوب المخطط ، الذي يستر الجسم دون أن يخفي مفاتنه .

فخار حلف

_حقبة أريدو– حاج محمد (4500 _ 4000 ق. م) :

تقع أريدو في أقصى جنوب العراق ، على بعد 40 كم ،الى الغرب من مدينة الناصرية ، و قد عثر فيها على فخار ذي مميزات خاصة ، و شبيه بفخار تل العبيد من حيث رقته ، و تغطيته بطلاء فاتح ، ذي زخارف هندسية شبكية و نباتية سوداء ، زيتوني ، حمراء ، و بنية .

_ حقبة تل العبيد ( 4000 _ 3500 ق.م ) :

برز في جنوب بلاد الرافدين ، خلال هذه الفترة عدد من المراكز الهامة في صناعة الطوب اللازم لأعمال البناء إضافة الى الفخار المشوي ، و من أهم هذه المراكز الصناعية : تل العبيد ، أور ، أوروك ، و كيش .

يشكل موقع تل العبيد الواقع على بعد 6 كم ، الى الغرب من مدينة الناصرية في جنوب بلاد الرافدين ، أحد اهم مراكز صناعة الفخار المشوي و الصلب ، المصنع بواسطة العجلة البطيئة المدارة باليد ، و المزخرف بالتشكيلات الهندسية و الحيوانية السوداء .

هذا و قد أدت معرفة العبيديين لعجلة الفاخوري البطيئة ، الى العمل على تحضير التربة و العجينة الفخارية بطريقة مختلفة عن السابق ، و ذلك من خلال تنقية التربة الغضارية من سائر الشوائب الغليظة ، ة ذلك باستخدام تقنية الترسيب و هذا ما يدفع الى تحويل المادة الغضارية الى الشكل السائل عن طريق اضافة الماء اليها ، و من ثم العمل على تجفيفها بالشمس لتستعيد بعض تماسكها الذي يسمح بتوضيعها على العجلة من أجل التصنيع ، هذا الى جانب قيام العبيديين بإضافة القليل من البن الى العجينة الفخارية ، بهدف اكسابها التماسك اللازم ، الذي يؤمن للجسم الصلابة المطلوبة ، إثر شبيه بالمواقد المكشوفة ذات الحرارة الشديدة و المرتفعة ، و هذا ما يساهم في إكساب السطح الفخاري للآنية اللون الكريم الفاتح المائل للخضرة .

من جانب آخر ، فقد سمح استخدام العجلة ، بتسريع وتيرة العمل و تطوير تقنيات تصنيعه ، حيث تم انتاج آنية اكثر محورية و نعومة من السابق ، هذا الى جانب سرعة الإنتاج و جودته ، مما ادى الى انتشاره و تصديره الى مناطق أخرى و من ثم تعميم تقانة تصنيعه ، التي انتشرت فيما بعد في مناطق أخرى من الشرق الأدنى .

و على الرغم من ازدهار الصناعات الفخارية من حيث الانتاج و تعدد المراكز ، فقد انحدرت مستويات المواد المنتجة ، حيث قام الفاخوري ، بصب اهتمامه على الكمية المنتجة من الآنية ، دون اعطاء أي أهمية للتشكيلات الزخرفية المطبقة على سطحها ، و ذلك من خلال استخدام التزيينات الهندسية قاتمة اللون .

هذا و قد انتشرت حضارة الفترة العبيدية فوق مناطق جغرافية واسعة ، شملت بلاد الشام و العراق ، حيث عثر في تل الشيخ في سهل العمق ، على فخار متقن الصنع ، يعود الى تلك الفترة ، تنم أشكاله و زخارفه عن ذوق فني رفيع ،، تدل عليه التشكيلات الزخرفية الهندسية ، ذات الألوان و الأشكال الملائمة للسطح الفخاري . أما في أوغاريت ، فقد تمثلت اللقى الفخارية العبيدية ( 4000 _ 3000 ق.م ) بآنية رقيقة ( قشرة البيض ) ، مصنوعة من الطين الناعم ، ذي اللون الزبدي ، و التشكيلات الهندسية السوداء ، البنية ، الخضراء الزيتونية ، المطبقة بواسطة الفرشاة .

_ حقبة أوروك و بابل ( 3500 _ 2800 ق.م ) :

برزت خلال هذه الفترة ، كل من اوروك و بابل كمركزين هامين لصناعة الفخار ، حيث تم إنتاج نوع من الفخار المدهون بالأحمر ، الأسود أو البني و المزين بعناصر زخرفية هندسية و نباتية منمقة ، أما في المناطق الشمالية فقد استخدمت العناصر الزخرفية الحيوانية ذات اللون الواحد إضافة الى الزخارف النباتية و المطبقة بوساطة الحز على سطح الآنية .

كما أن التجديد الأساسي الذي طرأ خلال هذه الفترة ، كان باكتشاف عجلة الفخار السريعة ، التي ساعدت على تحسين وتائر الإنتاج و تطوير نوعيته ، حيث أخذت تظهر الأباريق و الجرار ذات المثاعب و المصبات ، و الآنية الرقيقة ذات القدم المحدب و الحواف العالية .

هذا و قد أظهرت أعمال التنقيب الأثري في بلاد ما بين النهرين ، و من خلال البقايا الأثرية في المواقع التي تعود الى الألفين الثاني و الأول قبل الميلاد 1750 _ 1170 ق.م ، على استخدام البابليين لتقنية التزجيج بوساطة استخدام أوكسيد الرصاص ذو اللون الشفاف و اللماع ، و التي نفذت على قطع الطوب و الألواح الحجرية المستخدمة في تزيين مداخل و جدران القصور و المعابد ، و ذلك قبل أن يتم تعميمها لتشمل الآنية الفخارية . حيث تم العثور في أحد المواقع الأثرية في شمال العراق على أحد الرقم الفخارية المؤرخة على العام 1700 ق.م ، و الذي تضمن بعض المعلومات عن المقادير اللازمة لتحضير مادة التزجيج ( زجاج = 243 ، رصاص =40،1 ، نحاس = 58،1 ، أملاح = 3،1 ، كلس 5،0 ) . كما يؤكد انتشار هذه التقنية الى المنطقة الشمالية من بلاد الشام ، و هو العثور على آنية فخارية مزججة باللون الأخضر المزرق ، يعود تاريخها الى 1700_ 1400 ق.م . هذا إضافة الى العديد من البلاطات ( الزليج ) المزججة بالرصاص فوق أرضية بيضاء ناجمة عن أضافة أوكسيد القصدير ، و قد استخدمت هذه الطريقة لتزيين بوابات بابل .

هذا وقد انتقلت هذه التقانة من هناك الى بلاد فارس حيث استخدمت الى جانب أوكسيد القصدير و ذلك بهدف إعطاء سطح الآنية اللون الأبيض الحليبي و اللماع ، الذي تم تلوينه بوساطة الأكاسيد الملونة مثل أوكسيد الحديد ، أوكسيد النحاس ، الإثمد ، و ملح الرصاص ، تحت حرارة شي لا تقل عن 1000 درجة مؤية ، بحيث ينتج عنها ألوان ذات بريق لماع . و قد أصبحت هذه التقانات أكثر انتشارا بدءا من العام 500 ق.م ، حيث عثر في موقع تل البداري في جنوب القاهرة على آثار تدل على استخدام التزجيج بوساطة حجر الأستيت الصابوني ذي اللون الفيروزي .

المصادر:

1. الحوليات الأثرية السورية _ المجلد العاشر 1960 _ الفخار غير المطلي _ الأستاذ أبو الفرج العش

2. الفخار القديم و الخزف نشأته – تطوره – تقانات تصنيعه _ الدكتور محمد شعلان الطيار

3. A History of the middle east _ saul. s Friedman