الفيزياء والفلك > فيزياء

التناظر الفائق في عالم الجسيمات

باكتشاف بوزون هيغز عام 2012 اكتمل آخر جزء من النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات، و الذي يصف المادة و تفاعلاتها عبر جميع القوى الأساسية في الطبيعة، عدا القوة الثقالية ( الجاذبية). ولكن بالرغم من قوة هذا النموذج المتمثلة في دقة الحسابات الناتجة عنه لوصف التفاعلات مابين الجسيمات، إلا أنه لا يجيب عن الكثير من الأسئلة. فهو في الحقيقة لا يصف سوى 4% من الكون، و يبقى الباقي (مادة مظلمة و طاقة مظلمة) لغزاً محيراً. عدا عن عدم قدرته على وصف القوى الثلاثة معاً ( الكهرومغناطيسية و القوة النووية الضعيفة والنووية الشديدة) بصورة موحدة بشكل واضح. كما أن تفاعلات بوزون هيغز مع بقية جسيمات النموذج المعياري تظهر أن كتلة بوزون هيغز يجب أن تكون أكبر مما وجد تجريبيا. فهناك إذا مايكفي من الأسباب للاعتقاد بأن النموذج القياسي غير كافٍ لتفسير كل شيء، و بحاجة " لتوسعة" .

أحد الأفكار الأساسية لإيجاد نموذج أوسع تأتي من مفهوم يحبه الفيزيائيون النظريون بشدة ، ألا وهو التناظر. النموذج القياسي نفسه مليء بالتناظرات. و لكن أخذ العلماء هذا المفهوم لحدود أخرى، ألا و وهو التناظر الفائق (Supersymmetry). و لكن قبل الخوض بفكرة التناظر الفائق، علينا فهم معنى التناظر.

ما هو التناظر:

يمكننا تعريف التناظر بشكل دقيق كالتالي: عدم التغير في جملة إن حدث تحويل ما. فمثلا، المربع لو قمنا بتدويره بزاوية قائمة، فلن نستطيع التمييز بين المربع قبل أو بعد التدوير، و نسمي هذا تناظرا بالنسبة للتدوير . Rotational Symmetry .يوجد الكثير من حالات التناظر في الرياضيات وهي أساس مهم جدا في الفيزياء النظرية .

ما هو التناظر الفائق؟

لو نظرنا للنموذج القياسي ، سنجده مكون بشكل أساسي من مجموعتين : الفيرميونات، و البوزونات. الفيرميونات هي التي تكون المادة كالألكترونات والبروتونات مثلا. أما البوزونات فهي الجسيمات حاملة للقوى كالفوتون الذي "تنتقل بواسطته" القوة الكهرطيسية.

التناظر الفائق أو كما يحب العلماء أن يدعوه SUSY ليس نظرية، بل (مبدأ) ينص أن معادلات الحركة لكل من البوزونات و الفيرميونات لا تتغير لو تم تبديلهما. بصيغة أخرى، إن لكل بوزون يوجد فيرمون مقابل و العكس. و كأنه يوجد نسخة أخرى من النموذج القياسي مكونه من جسيمات فائقة التناظر. إذا ينص مبدأ التناظر الفائق على أنه لكل جسيمات قوة، جسيمات مادة مرافقة و لكل جسيمات مادة جسيمات قوة مترافقة. وهكذا يحقق مفهمو التناظر الفائق وحدة بين القوة و المادة. قد يتطلب الأمر مرآة غير عادية لتغير انعكاس التفاحة إلى برتقالة (كما في الصورة) وكذلك يتطلب الأمر تناظراً غير عادي كالتناظر الفائق ليتبدل كل فيرميون إلى بوزون بحسب هذا التناظر.

لماذا التناظر الفائق ؟

يساهم مبدأ التناظر الفائق بالإجابة عن الكثير من الأسئلة، من المبادئ التي تغري الفيزيائيين كثيراً. حيث يوجد أكثر من 10 آلاف ورقة علمية منشورة حول التناظر الفائق.

يقدم التناظر الفائق أجوبة محتملة على الأسئلة التالية:

1) لماذا كتلة بوزون هيغز أقل من المتوقع بالأنموذج القياسي؟

2) ما هي المادة المظلمة؟

3) التوحيد بين القوى الثلاثة أو ما يسمى التوحيد الكبير أو Grand Unification.

يفسر وجود جسيمات فائقة التناظر سبب كون كتلة بوزون هيجز منخفضة نسبيا عما يتوقعه النموذج القياسي. و يفترض أن المادة المظلمة التي تكون حوالي 25% من الكون تتألف من جسيمات مفترضة فائقة التناظر تعرف بـ Lightest Supersymetric Particle أو LSP وهي جسيمات ضعيفة التفاعل مع الجسيمات الاخرى.

أما توحيد القوى، فإن القوى الثلاثة شدتها متقاربة عن مجال الطاقات العالية، و يتقارب هذا المقدار أكثر كلما زاد مستوى الطاقة. و يتطابق ( مشيرا لتوحيد ) بين القوتين الكهرومغناطيسية و الضعيفة. أما القوة القوية، فيبدو أنها لا تتطابق معهما. إدخال التناظر الفائق يوجد نقطة تتطابق بين مقدار القوى الثلاثة محدثا توحيد بينهما أو كما يسمى Grand Unification Theory

- الكشف عن التناظر الفائق:

ولكن أين تلك الجسيمات الفائقة التناظر؟ لماذا لم نرصد أيا منها بعد ؟

تفترض النظريات الحالية أن كتلة تلك الجسيمات كبيرة مما يعني بحسب قواعد فيزياء الجسيمات أنها غير مستقرة. لذلك نحتاج لإنتاجها في مسرعات الجسيمات. تتجه الأنظار حالياً نحو مصادم الهادرونات الكبير LHC حيث سيعاد تشغيله بأقصى قدرة لديه عام 2015 للبحث عن تلك الجسيمات.

بالجدير بالذكر، أن التناظر الفائق مبدأ، و يوجد الكثير من النماذج المبنية عليه. وبالتالي إثبات خطأ نموذج لا يلغي المبدأ كاملاً.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

حقوق الصورة: Scientific American

محاضرات عن التناظر الفائق:

هنا