الطب > علوم عصبية وطب نفسي

الخلايا العصبية ليست وحدها المسؤولة عن التعلم الحركي

التغيرات في الميالين أو النخاعين، و الذي هو الغمد الدهني الذي يعزل المحاوير العصبية(1)، قد يلعب دوراً في التعلم الحركي وذلك وفقاً لدراسةٍ نشرت في موقع Science. كانت الفئران المعدلة وراثياً و التي لا تستطيع

إنتاج الميالين أقل مهارةً في تعلم المهمات الحركية الجديدة – كالركض على عجلةٍ بدرجاتٍ متباعدة بشكل غير متساوٍ – من الفئران الطبيعية.

وفي هذا السياق قال غابرييل كورفاس:"تبين الورقة البحثية بشكلٍ واضحٍ جداً أن القدرة على توليد ميالين جديد ضروري للفئران البالغة لتعلم مهمات حركية معقدة" وكورفاس هو أستاذٌ في جامعة ميتشيغان و الذي لم يكن مشاركاً في البحث.

و لكي تكون الأمور أكثر وضوحاً، فإن الميالين يُنتج من الخلايا الدبقية غير العصبية و التي تدعى الخلايا قليلة التغصنات و التي تغمد المحاوير عن طريق توسيع نتوءات رقيقة في أغشيتها الخلوية لتلتف حول المحاوير، تتحدى هذه الدراسة الافتراض السائد لفترةٍ طويلة أن نتائج التعلم تأتي حصراً من التغيرات في الوظيفة والبنية التشريحية للخلايا العصبية. وعلق روبن فرانكلين على هذا قائلاً: "ما تقدمه حقاً هذه الورقة بطريقةٍ مقنعةٍ جداً و أنيقة هو إظهار أن الخلايا الدبقية تؤدي حقاً مهام أكثر أهميةً بكثير مما تم معرفته عنها حتى الآن." وفرانكين هو أستاذٌ في جامعة كامبريدج، يدرس عملية إعادة تشكيل الميالين لكنه لم يشارك في العمل.

وأكد الباحث كورفاس-الذي ذكرناه قبل قليل- " هذه الورقة هي خطوة و ركيزة هامة جداً في التعرف على عمل الجسم و التي تظهر حقيقة أن الخلايا الدبقية ليست مجرد خلايا بسيطة داعمة للخلايا العصبية، بل لديها في حد ذاتها أدوار مهمة بشكل كبير في كيفية عمل الدماغ."

" هذه نقلة نوعية هامة جداً في فهم الآلية التي يعمل فيها الدماغ لكسب المعلومات."

ولننتقل الآن من الحديث النظري إلى التجارب المخبرية حيث أن تجارب التصوير بالرنين المغناطيسي على البشر و الجرذان أظهرت ترافقاً بين التغيرات في المادة البيضاء للدماغ حيث تجمعت المحاوير المغمدة بالميالين مع بعضها في أسلاكٍ(ألياف) كبيرةٍ، هذا التجمع ترافق مع التدريب على المهارات الحركية، لكن الكيفية والسبب الذي أدى إلى هذا التغيير(الناتج عن التجمع للميلانين المصحوب بالتدرب على المهارات الحركية) لم يكن واضحاً. وليام ريتشاردسون، مدير معهد وولفسون للبحوث الطبية الحيوية في جامعة لندن، استخدم هو و زملاؤه نظاماً وراثياً لاستئصالٍ انتقائيٍ لجزءٍ من مورثة تدعى العامل المنظم للميالين ( Myrf )، أي تعطيل هذه المورثة، في الخلايا السليفة(2)للخلايا قليلة التغصنات في فئران المختبر. العامل المنظم للميالين لا يُعبَر عنه( أي لا يتم استعماله لصناعة الأحماض الأمينية التي تُستَخدم في عمل الخلية) بشكل نموذجي في سلائف الخلايا قليلة التغصنات لكنه ضروري لتمايز(3) خلايا قليلة التغصنات جديدة. ويقول ريتشاردسون " لا يتم التعبير عنها حتى محاولة السلائف التمايزَ و التعبير عن العامل المنظم للميالين، ومن ثم إذا كان هذا العامل غائباً، فإنها فقط تتعثر عند تلك النقطة-أي تتوقف عن التمايز-." ، ويضيف أيضاً " و نحن نعتقد بأنهم يموتون." وبعبارةٍ أخرى، غياب العامل المنظم للميالين يعني غياب الخلايا قليلة التغصنات الجديدة، وذلك يعني عدم تشكل ميالين جديد، ومع ذلك فإن الآلية لم تؤثر على الخلايا قليلة التغصن الموجودة مسبقاً.

و من المؤكد بما يكفي، أن الفئران التي تفتقد إلى كلتا النسختين من Myrf كان عدد الخلايا قليلة التغصن الجديدة و الميالين أقل في منطقة الجسم الثفني، و الذي هو منطقة تحوي الكثير من الميالين و التي تربط نصفي الكرة المخية و مشتركة في التعليم الحركي، بالمقارنة مع الفئران التي تم حذف نسخة واحدة منها(4). نقص ال Myrf منع الفئران أيضاً من تعلم الركض على عجلة الجري المعقدة، بدرجات متباعدة بشكل غير متساو. الفئران الحاوية على كلتا النسختين من الـ Myrf تعلمت بسرعة استعمال العجلة الجديدة(العجلة التي تحوي درجات متباعدة بشكل غير متساوي) و ركضت بشكل أسرع و أبعد من الفئران الذين تم تعطيل مورثة الـ Myrf لديهم.

وللتأكد من أن ال Myrf كان يضعف التعليم تحديداً و ليس فقط التعلم الحركي بشكل عام، قام الباحثون بتجربة تعريض الفئران للعجلة المعقدة قبل استئصال ال Myrf. في الفئران التي تعلمت مسبقاً استخدام العجلة المعقدة، فوجدوا أن خسارة الـ Myrf لم يكن لها تأثير على سرعة الجري، مما يوحي بأن الميالين مهم للتعلم لكن ليس للتذكر أو التنسيق الحركي.

من المعروف أن المشابك بين العصبونات تُعزز عندما تعمل الدارات العصبية، و أنه كان دائماً يعتقد أن ما يدعم التعلم هو هذا التعزيز المشبكي، لذلك دُعى "التقوية على المدى الطويل". ويقول ريتشاردسون. " ما تظهره دراستنا هو أنه على الرغم من أن هذا يحدث بلا شك-أي تعزيز المشابك العصبية بتفعيل الدارات الكهربائية-، لكن هناك شيءٌ إضافي يشارك في تحسين هذه العملية. و هو أن الدارات الفعالة من المرجح أن تحصل على الميالين."

وأضاف ريتشاردسون أنه هو و زملاؤه بصدد خطة تالية لاكتشاف أدوار للخلايا قليلة التغصن في أنواع أخرى من التعلم.

" عبر اكتشاف آلية جديدة مشاركة في التعلم، هذا يعطينا هدفاً جديداً تماماً: أنه في المستقبل قد نكون قادرين على تحسين أو تسريع التعلم" وأضاف أن مثل هذه المعلومات حول أدوار تشكل الميالين في التعلم يمكن أن تكون ذات صلةٍ أيضاً مع بعض الأمراض مثل التصلب المتعدد(5).

وقال فرانكلين" أعتقد أن هذا العمل هو تحفة بارزة، " هذه دراسة تاريخية في بيولوجيا الميالين و علم الأعصاب."

الحاشية:

1- المحوار العصبي: استطالة من جسم الخلية العصبية تنقل النبضة العصبية(السيالة العصبية) من جسم الخلية العصبية إلى الخلية الهدف.

2- الخلايا السليفة: هل الخلايا التي تعطي بتمايزها خلايا أخرى متخصصة وظيفياً وشكلياً.

3- التمايز: التخصص الوظيفي والشكلي للخلايا.

4- المورثات في جسم الإنسان موجودة في بنى تُسمى كروموسومات نصفها يأتي من الأب والنصف الآخر من الأم، وبالتالي المورثات ومنها مورثة Myrf موجودة على شكل ثنائيات أو لديها نسختان في جسم الكائن الحي.

5- التصلب المتعدد: هو مرض ينتج عن خلل في الجهاز المناعي حيث تهاجم الخلايا المناعية الجاهاز العصبي المركزي وبالتحديد مادة الميلانين المغلفة لمحاوير الخلايا العصبية.

المصادر:

هنا

هنا

مصادر الصورة:

هنا

هنا