الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

فطريات تتغذى على البلاستيك

التلوث بالبلاستيك واحد من أكبر المشاكل التي تواجه البشرية. يكفي أن نعلم أن المخلفات البلاستكية الملقاة في البحار الآن كافية لتشكيل جزيرة بحجم ولاية تكساس الأمريكية في المحيط الهادئ وهذا البلاستك شديد الضرر بالبيئة لأنه يتحلل ببطء شديد حتى بعد تعرضه للأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس. البعض لا يعتبر تفكك البلاستك تحللاً بالمعنى المعروف فهو يتفتت إلى جزيئات صغيرة microplastics التي تذهب بدورها إلى المحيط لتهدد المخلوقات البحرية ثم لتعود إلينا عند استهلاك الأسماك وغيرها.

للأسف فإدمان البشر على البلاستك يزداد يوماً بعد يوم وتتضاعف معدلات استخدامه سنوياً. لذلك فإن الاكتشاف الأخير حول فطر قادر على تحليل البلاستك كان أمراً مثيراً للغاية في الأوساط العلمية. الاكتشاف جاء على يد طلاب قسم الفيزياء في جامعة ييل Yale ثالث أقدم معهد للتعليم العالي في الولايات المتحدة (تأسس منذ 1701 م).

دعونا إذن نخوض بشكل أعمق في تفاصيل الاكتشاف ....

تعتبر المعالجة البيولوجية طريقةً هامة للحد من النفايات بالاستفادة من العمليات البيولوجية في تفكيك العديد من الملوثات. وقد تطور هذا المجال بفضل الطيف الواسع من عمليات الاستقلاب التي تقوم بها الأحياء الدقيقة. لاستكشاف فائدة هذا التنوع في تفكيك البلاستك تم فحص بضعة عشرات من أنواع الفطريات داخلية التطفل على النبات endophytic لمعرفة قدرتها على تحليل البوليمير الصناعي الداخل في صناعة البوليستر والمدعو البولي يوريثان polyurethane أو (PUR). أظهرت عدة كائنات قدرتها على تحليل الـ PUR بكفاءة سواء في المعلقات* الصلبة أو السائلة. كانت اثنتان من مستعمرات هذا الفطر قادرةً وبشكل فريد على النمو بالاعتماد على الـ PUR فقط وذلك تحت الظروف الهوائية واللاهوائية** على حد سواء، ويقترح التوصيف الجزيئي لهذا النشاط أن هيدرولاز السيرين serine hydrolase هو الأنزيم المسؤول عن تفكيك الـ PUR.

في تفاصيل التجربة تم جمع بعض النباتات الخشبية من عدة عائلات نباتية قادمة من الغابات المطرية الواقعة حول الأمازون في الإكوادور. اختيرت النباتات عشوائياً من بعض الأنواع بناءً على استخداماتها وفوائدها المعتقدة، كما تم استخدام بعض النباتات الأخرى العشبية أيضاً. مرت التجربة بالمراحل التالية:

1- التعقيم وإزالة الأنسجة النباتية الخارجية؛

2- زراعة ثلاثة أقسام من طبقات الأنسجة الداخلية على عدة بيئات مكونة من الآغار، البطاطا والديكستروز (سكر)؛

3- بعد نمو الأحياء الدقيقة عزلت الهيفات الفطرية إلى بيئات أخرى طازجة تماثل السابقة؛

4- استخرج منها الحمض النووي DNA لدراسته وتحديد الفطريات المطلوبة؛

5- زرعت الفطريات المعزولة على بيئات تحوي على مــُـشتت شاردي للـ PUR لاختبار قدرتها على تحليله ثم نميت على PUR صلب؛

6- استعملت بكتريا الـ pseudomonas وفطر الـ Aspergillus كشاهد فهي لا تسبب تحلل الـ PUR حتى تنتفي احتمالية أن يكون الـ PUR تحلل من تلقاء نفسه وليس بسبب الفطر المدروس؛

7- استدل على تحلل الـ PUR من خلال تحول لون الوسط من المعتم إلى الشفاف حيث قيست قدرة الفطور على التفكيك بعد أسبوعين كما كشف عن التحلل بواسطة الأشعة تحت الحمراء أيضاً.

8- كررت التجربة في بيئة سائلة كما كررت بإضافة الـ PUR كمصدر وحيد للكربون باستبعاد جميع مكونات البيئة السابقة الحاوية كربون.

في النتائج وجد أن نصف الأحياء المدروسة أظهرت قدرة على تفكيك الـ PUR حيث عرفت الفطريات النشطة في هذا المجال على أنها من عائلة Ascomycota. الأهم من مجرد قدرتها على ذلك هو قيامها بهذا النشاط حتى لو كانت المادة البلاستكية المصدر الوحيد للكربون وحتى تحت الظروف اللاهوائية. يسهل أيضاً عزل هذه الكائنات لتوظيفها لاستخدامات مستقبلية.

أهمية قدرة الفطر المكتشف على العيش في ظروف غير هوائية تكمن في إمكانية استخدام الفطر في الجزء السفلي من مكبات القمامة التي تحوي البلاستك. يطمح الباحثون أيضاً لعزل الأنزيم المسؤول عن تحليل البلاستك لاستخدامه منفرداً.

لا تزال الطريقة التي قد تستخدم للاستفادة من هذه الفطور مجهولة لكن يمكنك أن تعمل خيالك في اقتراح طريقة ما ..... ما رأيك مثلاً بجزيرة عائمة من البلاستك في المحيط مغطاةً بالفطر الذي يأكلها ثم يغرق في المحيط !!

أخيراً من المهم أن نبتعد قدر الإمكان عن المواد البلاستكية حتى بمعرفتنا بأمر هذا الاكتشاف الجديد الواعد ليس فقط لصعوبة تحللها بل لأنها تستهلك الكثير من الموارد أثناء إنتاجها فهي تعتمد على النفط وتتطلب عمليات تصنيع طويلة علماً أن هناك بدائل عديدة متوفرة من قبيل البلاستك المصنوع من القنب والنباتات الأخرى، بالإضافة إلى الأدوات الخشبية والحقائب الورقية التي يمكن أن تحل محل البلاستك في الكثير من الاستخدامات.

(*) المعلق: أو المستعلق في الكيمياء سائل يحتوي على مادة صلبة غير ذائبة وإنما معلقة في السائل.

(**) الظروف غير الهوائية: التي لا تحتوي الأوكسجين، فالكائنات الحية الدقيقة غير الهوائية لا تستخدم الهواء لأكسدة المواد العضوية.

مصدر المقال:

هنا

مصدر الصورة:

هنا