الكيمياء والصيدلة > كيمياء

جذور الهيدروكسيل الحرّة، منظِّفة الغلاف الجوّيّ من شوائبه

خَلُصت دراسةٌ جديدةٌ في معهد كتلونيا للكيمياء المتقدمة، في اسبانيا، إلى مفاجأةٍ غير متوقّعةٍ!! بأنّ الهيدروكسيل الجذري يتشكل بمعدلات أكبر عند احتكاك الأوزون بالغيوم. يعتبر هذا الاكتشاف بالغ الأهمية، لما لجذور الهيدروكسيل الحرة من دور رئيسي في تنظيف الغلاف الجوي (كيميائياً)، إضافةً لدورها الجوهري في كيمياء الغلاف الجوي...

و لكن ما علاقة الهيدروكسيل الجذري بالغلاف الجوي وتلوث الهواء؟! وما علاقة الأوزون في كل ذلك؟!

الهيدروكسيل الجذري (HO•)، هو جذر كيميائي حر، شديد التفاعلية، يتواجد في الغلاف الجوي بكميات لا يستهان بها، و يتشكل عادة من خلال تفاعل الأكسجين الذري (O•) مع الماء (H2O). فيما بعد، يؤدي التحليل الضوئي، تحت تأثير الأشعة فوق البنفسجية، إلى تفكك (H2O2) إلى هيدروكسيل جذري (HO•). تجدر الإشارة إلى أن الأوزون (O3) هو المصدر الرئيسي للأوكسيجين الذري، الذي ينتج عن عملية التحليل الضوئي للأوزون، وبالتالي فالأوزون هو المسؤول الأساسي عن تشكل الهيدروكسيل الجذري في الغلاف الجوي.

يعتبر الهيدروكسيل الجذري المؤكسَد هو الجزيء الأكثر انتشاراً في الغلاف الجوي، وخاصةً في طبقة التروبوسفير، وغالباً ما يُشار إليه على أنه "المنظف للغلاف الجوي"، لأنه يتفاعل مع العديد من الملوثات الكيميائيّة، كخطوة أولى وأساسية لإزالتها وتفكيكها. كما أن له دوراً هاماً جداً في القضاء على بعض الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري كغاز الميثان، كما ويساهم في حماية طبقة الأوزون من الجذور الكيميائية المستنفذة والمدمرة للأوزون مثل أكسيد النيتروجين (NO).

إلاّ أن آلية تشكل هذه "المنظفات الكيميائية" ما زالت غير واضحة، وبخاصة فيما يتعلق بدور الماء في تحفيز عملية تشكل الهيدروكسيل الجذري..

في دراسة حديثة، (٣١ تموز ٢٠١٤) توصل فريق علمي متعدد الجنسيات، إلى تحديد فهمٍ أوضح لآلية تشكل جذور الهيدروكسيل (شقائق الهيدروكسيل) الناتجة عن تفاعل الأوزون مع أسطح الغيوم والسحاب في طبقة التروبوسفير.

توصّل هذا الفريق العلمي، بقيادة جوزيف أنجلادا (Joseph Anglada)، من معهد كتلونيا للكيمياء المتقدمة في اسبانيا (Institue of Advanced Chemistry of Catalonia)، بالاعتماد على عمليات محاكات حاسوبية، تستند لقوانين الكيمياء الكمومية، إلى اكتشاف أن معدل تشكل الهيدروكسيل الجذري عند نقاط التماس بين الهواء (الأوزون) والماء (الغيوم) يصل إلى أربعة أضعاف مثيلاته في بقية الغلاف الجوي.

هذه الدراسة استندت على محاكاة حاسوبية للتغيرات في القياسات الطيفية، الناتجة عن إضافة عنصر الماء، وقياس التغير في ثابت معدل تفكك الأوزون، عند احتكاكه بأسطح الغيوم. الأهم من ذلك أن هذه الدراسة بيّنت أن الأوزون أظهر انجذاباً تفاعلياً قوياً غير مسبوقٍ بالنسبة لنقاط التماس السطحية بين الهواء والماء. هذه النتائج تشير إلى أنّ عملية امتزاز الأوزون هي عملية عفوية ذاتيّة، من منظور الديناميكا الحرارية (الترمودينميكيا).

يؤكد جوزيف أنجلادا، قائد الفريق، بأن دراسة الطيف الضوئي والترددات الكهرومغناطيسية، لعمليات الانحلال الضوئي للأوزون تظهر دوراً محفزاً لا يستهان به لجزيئات الماء في تسريع وتفعيل الانحلال الضوئي للأوزون، وبالتالي تشكل الهيدروكسيل الجذري. كما ويشير إلى أن كيمياء التفاعل السطحي ماء/هواء، لم تحظَ بما يكفي من الإهتمام حتى الآن، على الرغم من أنّ كثيراً من مكونات وجزئيات الغلاف الجوي، تتواجد عند نقاط التماس بين الهواء والماء.

تجدر الإشارة إلى أنّ تقنية المحاكاة الحاسوبية، المستندة إلى ميكانيكا الكم والميكانيكا الجزيئية، تعتبر من أهم تقنيات دراسة مسارات التفاعلات البيوكيميائية.

في السياق ذاته، يرى الكيميائي دواين هيرد، من جامعة ليدز في المملكة المتحدة، أن لهذه النتائج آثاراً مهمة لمستقبل التلوث، نظراً لكون الهيدروكسيل الجذري الموجود في الغلاف الجوي مؤكسداً رئيسياً للغازات الدفيئة -مثل الميثان- التي ما زالت تشهد ارتفاعاً مستمراً في مستويات انبعاثها.. فالمزيد من جذور الهيدروكسيل، يعني انخفاضاً في معدل مدة بقاء الميثان في الغلاف الجوي.

يبقى أن هذه الدراسة تبقى مستندة على حسابات كمومية نظرية، وتحتاج بطبيعة الحال إلى تقييمها واختبارها في المختبر كما في الميدان.

المصدر:

هنا