منوعات علمية > العلم الزائف

هل حقاً مشى الإنسان على سطح القمر؟

في أواخر ستينيات القرن الماضي؛ أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" عن انجاز علمي مهمٍّ، ويُعدُّ من أعظم الإنجازات العلمية التي حققتها البشرية هو هبوط الإنسان على سطح القمر، لكن البعض لهم رأي آخر؛ فهم يرون أن عملية الهبوط لم تكن سوى خدعة لفقتها جهات معينة، وأن كل الصور والفيديوهات صُوِّرت ضمن استيديوهات على سطح الأرض، وقدَّموا أدلتهم الخاصة حول هذا الموضوع؛ فهل كان ذلك الحدث العظيم مجرد خدعة؟

التفاصيل بالمقال الآتي:

برنامج أبولو هو مشروع فضائي قامت به وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وكان يهدف إلى وصول الإنسان إلى سطح القمر، وبدأ السعي إلى ذلك البرنامج بداية الستينيات، وقد كان هناك عدد من رحلات أبولو التجريبية غير المأهولة، لكن أول رحلة مأهولة استطاعت الهبوط على سطح القمر هي أبولو 11، وحدثت في عام 1969 إذ كانت تضم ثلاثة روَّاد فضاء من ضمنهم نيل أرمسترونغ، وهو أول من مشى على سطح القمر، وقال حينها عبارته الشهيرة "إنها خطوةٌ صغيرةٌ بالنسبة لشخصٍ واحد، لكنها قفزةٌ عملاقةٌ للبشرية"، تبعها بعد ذلك عدد من رحلات أبولو المأهولة والناجحة، إذ بلغ عددها الكلي 6 رحلات كان آخرها عام 1972.

ومنذ أن نشرت ناسا الصور الفوتوغرافية وفيديوهات الهبوط على القمر، ظهرت نظرية المؤامرة من جديد -والتي تكلمنا عنها ضمن مقال سابقٍ على موقع الباحثون السوريون– وروَّجت لما يُعرَّف بـ"خدعة الهبوط على القمر"، وأن كل ما جرى صُوِّر ضمن استيديوهات تصوير على سطح الأرض وبإشراف جهات معينة، والتأمل والتدقيق كثيرًا بكل تفصيلٍ صغيرٍ في الصور والفيديوهات، لإيجاد أي تناقضٍ أو تلاعب محتمل.

لكن لماذا يعتقد بعض الناس بأنَّ الهبوط على القمر كان مجرد خدعة؟ ولماذا تلجأ ناسا لمثل هذه الحيلة الغريبة؟

إن عملية الهبوط على القمر جرت في أثناء الحرب الباردة، بين اثنتين من القوى العظمى هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، أو كما يُدعَى حاليًّا روسيا، وضمن حالةٍ من التوتر وسباق التسلح والتنافس الشديد عن الريادة التكنولوجية بينهما، والبعض يعتقد بأنَّ إرسال روَّاد فضاء إلى القمر هو أمر مكلفٍ على نحوٍ لا يعقل، والولايات المتحدة لم تكن تملك المال الكافي للمشروع، ووفق نظرية المؤامرة فإنَّ تزوير عملية الهبوط سيكون أرخص بكثير، ويضيف أصحاب هذه النظرية أنَّ ناسا لم تصل وقتها إلى الإمكانيات التكنولوجية التي تؤهلها لمثل هذا المشروع أيضًا.

المشككون بالهبوط على القمر عرضوا عددًا من النقاط التي جعلتهم يعتقدون بخدعة الهبوط على القمر، وزيف برنامج أبولو، وسوف نستعرض معكم أهم تلك النقاط، وما ردَّ المجتمع العلمي عليها.

- لا وجود للنجوم في خلفية الصور الملتقطة:

صور ناسا التي تعرض سطح القمر لا تظهر وجود نجومٍ في السماء، فضاءٌ أسود واسع فقط، إذن أين اختفت النجوم؟ وإذا كانت عملية الهبوط مزيفةً ضمن إستديو تصوير؛ فهل ارتكب المصورون خطأً فادحًا بنسيانهم وضع نجوم ضمن الخلفية؟

لسوء حظ المشككين؛ إنَّ علم التصوير قد دحض حجتهم؛ فالضوء المنبعث من الشمس والمرتد عن سطح القمر ساطع جدًّا، وأي مصور فوتوغرافي يعرف مسبقًا، بأنَّه من الصعب تصوير شيء ما ساطع جدًّا مع شيء آخر خافت جدًّا (النجوم مثلاً) في الصورة نفسها، ويمكن أن نُلاحِظ الفكرة نفسها في المدن الكبيرة إذ يصعب علينا رؤية النجوم بوضوح بسبب شدة إضاءة الشوارع والسيارات وغيرها، على عكس الوضع في الأرياف.

- العلم الأمريكي يرفرف فوق سطح القمر: في الفيديو الذي بثته ناسا، يظهر روَّاد الفضاء وهم يرفعون العلم الأمريكي ويغرسونه على سطح القمر، لكن بدا المشهد وكأن هناك رياحًا أدَّت إلى انبساط قماش العلم وتحركه مع الرياح؛ فكيف حدث ذلك والقمر لا يملك غلافًا جويًّا ما يعني عدم وجود أي رياح من حوله قد تتسبب في تموج العلم؟! هل صُوِّر مشهد غرس العلم ضمن إستديو مفتوح للرياح العاتية؟ إذا كان الأمر خدعة؛ أيكون مخرج الفيلم خاملًا وكسولًا لهذه الدرجة حتى لا يُعيد تصوير اللقطة مرة أخرى؟!

في الحقيقة؛ إنَّ العَلَم كان قد صنع خصيصًا ليُغرَس على سطح القمر؛ إذ وُضعت أسلاكٌ مشدودةٌ ضمن قماش العلم لتبقيه مشرعًا ومنتصبًا؛ فدون الأسلاك فإنَّ العَلَم سوف يتدلى للأسفل، وأضف إلى أن روَّاد الفضاء قد تسببوا بحركة العلم في أثناء محاولتهم جاهدين غرس سارية العلم بتحريكهم لها جيئةً وذهابًا لكي تخترق تربة القمر.

- الاختلاف في أطوال الأخيلة واتجاهاتها؛ أشار البعض إلى وجود اختلافاتٍ في الأطوال والاتجاهات للأخيلة الملقاة من قِبل روَّاد الفضاء وبعض المعدات الأخرى، على الرغم من وجودهم بالقرب بعضهم من بعض، فإذا كانت الشمس هي التي تسبب الخيال؛ أفلا يجب على جميع الأخيلة أن تظهر بالاتجاه نفسه؟ وذلك ما يفترض خطأً ضمن نظام الإضاءة في إستديو التصوير.

ناقش العلماء تلك الحجة وقالوا إن الأخيلة يجب أن تظهر بالاتجاه نفسه لو كانت جميعها على المستوى نفسه، لكنها ليست كذلك -ليست على المستوى نفسه-؛ إذ يوجد تغيرات في ارتفاعات سطح القمر وانحداراتٌ بسيطة، يمكن أن تؤثر جليًّا في اتجاه أخيلة الأجسام وأطوالها.

- الحركة البطيئة والأسلاك: من المعلوم أن الجاذبية على القمر ضعيفة، ما يؤدي لتباطؤ حركة روَّاد الفضاء، وعدم ثباتهم على سطحه، والمشككون في برنامج أبولو أشاروا إلى إمكانية إحداث تأثيرٍ مشابهٍ للجاذبية الضعيفة عن طريق تعليق روَّاد الفضاء بأسلاكٍ رفيعةٍ وتصويرهم وهم يقفزون ويتحركون، ومن ثَمَّ أبطأت ناسا الفيلم لجعلهم يبدون وكأنهم يطوفون بالفضاء.

دحض العلماء تلك المزاعم؛ إذ إنَّ الغبار سوف يتطاير كلما قفز روَّاد الفضاء على سطح القمر، ولو كانت ناسا صوَّرت الفيديو على الأرض؛ فإنَّ الغبار سوف يتناثر على شكل غمامة بسبب الهواء في الغلاف الجوي، لكن ما رأيناه هو أن الغبار تطاير نحو الأعلى وسقط مباشرة نحو الأسفل، من دون أن يتناثر في الجو كما يحدث عادةً على الأرض.

إذا انتقلنا من الادعاءات السابقة التي ردُّوا عليها بمنطقٍ علميٍ بسيط، إلى أدلةٍ ملموسةٍ عمليةٍ تثبت صحة حدوث عملية الهبوط على القمر بشكلٍ لا يشوبه أي شك؛ فإنَّ أول تلك الأدلة هو أن روَّاد الفضاء لم يعودوا من القمر خاليو الوفاض، بل جلبوا معهم قرابة 381 كيلو غرام من صخور القمر، وتلك الصخور فريدة من نوعها ومختلفة تمامًا عن صخور الأرض؛ فالعينات المأخوذة من القمر لا يوجد بها أي كمية من الماء المختزنة ضمن بنيتها البلورية، إضافة إلى أن بعض المعادن والمواد التي يُعدُّ وجودها حتميًّا في صخور الأرض، هي غائبة كليًّا في صخور القمر، كما وجد العلماء كرياتٍ بلوريةٍ ضمن صخور القمر يفوق عمرها 3 مليارات عام، ولا يمكن أن تنشأ إلا عن طريق نشاط بركاني انفجاري، أو نتيجةً لاصطدامٍ نيزكي، لكن وجود الماء على الأرض سوف يحلل تلك الكريات في بضع ملايين من السنين، ما يحتِّم أن تلك الصخور آتيةٌ من القمر، وتلك الصخور مملوءةٌ بثقوبٍ صغيرةٍ جدًّا ناتجةٍ عن اصطدامها بنيازك دقيقة، وهذا لا يحدث إلا على صخور الكواكب التي تملك غلافًا جويًّا رقيقًا، أو التي لا تملكه كما هو حال القمر.

توجد تلك العينات في كثير من المتاحف التي يُسمَح للعامة فيها بلمسها وتفحُّصها، وكذلك هناك باحثون من آلاف المختبرات فحصوا ودرسوا تلك العينات، وطبعًا ليس جميعهم تابعين لناسا، وإنما أُعِيرت عيناتٍ لعلماء في العديد من البلدان، ولا يوجد لدى هؤلاء أي سبب للاشتراك في أي خدعة.

وكذلك فإنَّ فكرة تزوير صخور القمر لا يمكن أن تحدث؛ فالذهاب إلى القمر وجلب صخوره أسهل من خداع جيشٍ عالميٍ من العلماء والباحثين أو التآمر مع جميع علماء الفلك والجيولوجيا على السكوت على هذه الخدعة.

أمَّا الدليل الأهمُّ فهو مسبار ناسا LRO (المستكشف القمري المداري) الذي أطلق ليدور حول القمر عام 2009، والذي تمكَّن مؤخرًا من التقاط صورٍ عالية الدقة لمواقع متعددة هبط عليها وزارها روَّاد الفضاء، الصور تتضمن معداتٍ تُركِت من قبل روَّاد الفضاء، إضافة إلى مركباتهم القمرية التي أُنزِلت من مركبة القيادة الرئيسية إلى سطح القمر ثم تعيدهم مرةً أخرى إليها بعد انتهاء المهمة، ويُتخلَّص بعدها من المركبة القمرية على سطح القمر، وأكثر شيءٍ ملفتٍ هو استطاعة المسبار تصوير آثار أقدام روَّاد الفضاء على سطح القمر، والتعرُّف إلى مواقع الهبوط على سطح القمر حدث من قبل المسبار الصيني (شانغ2) والهندي (شاندريان1)، ووكالات فضاء أخرى غير ممولة من ناسا.

هل ترك رواد الفضاء على سطح القمر شيئًا آخر عدا عن طبعات أقدامهم؟ نعم بالتأكيد! فهناك على سطح القمر لوحة منحنية باتساع 2 قدم مؤلفة من 100 مرآة صغيرة هي مجموعة عاكسة لأشعة الليزر المرسلة من الأرض، ومهمتها استقبال أشعة الليزر المرسلة من تليسكوب في كوكب الأرض وإعادة عكس تلك الأشعة إلى نفس النقطة التي أرسلت منها بهدف قياس المسافة بين القمر والأرض بدقة عالية عن طريق حساب المدة التي استغرقتها الأشعة برحلة الذهاب والإياب، وهذه التجربة العلمية مستمرة حتى الآن بنجاح ودقة وفقًا لناسا وقد عرفنا منها أن القمر يبتعد بمساره قرابة 3.8 سم عن الكرة الأرضية كل سنة!

أخيرًا؛ وبعد هذه الأدلة الدامغة؛ هل تتوقع أن يقتنع المشككون بالهبوط على القمر؟

بالتأكيد لا؛ لأنَّ بعض الناس يُصرِّون أن يعيشوا في عالمهم الخاص غير المبني على الأدلة مهما قدمنا لهم من دليل.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

صورة المقال هنا