الرياضيات > الرياضيات

خرائط الدوائر وعائلة آرنولد

في هذا المقال سنثبت لك أن الرياضيات قادرة على ربط الأمور ببعضها البعض أكثر مما كنت تتخيل. فما هي العلاقة بين الفراشات المضيئة بشكل متزامن في الليل ودقات قلبك المتزامنة مع أنفاسك؟ وكيف يتمكن التبسيط العلمي من إيجاد نموذج ما تتمكن التوابع الرياضية من دراسته حتى تساعدنا على فهم أفضل للظواهر؟ تعرف معنا…

إنها واحدة من أجمل المناظر في الطبيعة: اليراعات التي تضيئ الليل بومضاتها المتزامنة. وكذلك الظاهرة الأقل رومنسية والمشابهة لها في السحر هي عندما تضع هزازين أو أكثر على طبق، وبغض النظر عن مدى الاختلاف في إيقاعيهما عند البدء فإنهما سيتزامنان بعد فترة وجيزة. وفي الاصطلاح العلمي فإن هذه الظاهرة تسمى "حبس الأطوار" وبفضل علماء الرياضيات من جامعة ليفربول والجامعة الملكية بلندن فقد تمكنا قليلاً من فهم هذه الظاهرة رياضياً. شاهدها بالفيديوهات:

تزمن اليراعات المضيئة:

تزامن 32 هزازاً (ننصح بمشاهدته لفهم الظاهرة تماماً):

شوهدت هذه الظاهرة لأول مرة في القرن 17 من قبل كريستيان هويغينز Christiaan

Huygens ، ومنذ وقتها شوهدت في مجال واسع من الأنظمة غير اليراعات المضيئة والهزازات، بل أيضاً في المعدل بين التنفس ودقات قلب جسم الانسان. خلال ستينيات القرن الماضي قام عالم الرياضيات الروسي المشهور فلاديمير أرنولد Vladimir

Arnol’d بتقديم دراسة عن حالة حبس الطور. وتعنى هذه الدراسة بوصف نقطة ما تدور حول دائرة (وكأنها تمثل أحد الأطوار) وبجعلها تتأثر بقوة خارجية أخرى (ممثلة الطور الذي تمر به الهزازات الأخرى) كما هو في الشكل الذي قد تظنه لوحة فنية أكثر من أن يكون خطاً بيانياً لتابع ما !

وتعتمد هذه الدراسة على متغيرين a و b ، وكل زوج من القيم لهذين المتغيرين سيعطي تابعاً خاصاً بها وبالتالي نموذجاً خاصاً. وبذلك قام أرنولد بتقديم عائلة النماذج الممكنة لكل زوج من القيم لـ a و b وعرفت بـ"عائلة أرنولد". واستخدمت هذه العائلة كنموذج مبسط لعدد كبير من الأنظمة الفيزيائية والحيوية كالقلب الخافق.

إن كل نموذج من عائلة أرنولد يظهر نظاماً ديناميكياً وهو النقطة التي تدور حول الدائرة. والسؤال الذي يمكن أن يطرحه الرياضيون عن الأنظمة الديناميكية هو ما الذي يحدث عندما نغير أحد أو كلا المتغيرين وما الذي يطرأ على النظام ككل: هل سيبقى أداء المنظومة الكلي على حاله أم أنه سيتغير تماماً؟ وهو سؤال هام في الأنظمة الموجودة على أرض الواقع. على سبيل المثال: في رد الفعل بين التنفس ودقات القلب، يهمنا كثيراً أن نعرف هل سيبقى هذا النظام مستقراً تحت تغيرات صغيرة لأحد المتغيرين في مثالنا أم أن ذلك سيؤدي إلى حالة فوضى ؟!

ومن قصة عائلة أرنولد بإمكاننا التقاط فكرة الصورة، فكل نقطة من هذه الصورة توضح استجابة النظام لمختلف أزواج المتغيرات. المحور الأفقي يمثل قيمة المتغير a ، والمحور العمودي يمثل قيمة المتغير b. المناطق البيضاء تعبر عن أزواج المتغيرات a و b التي تحصل عندها ظاهرة انحباس الطور بحيث يصبح النظام الكلي متوازناً (أي أنه لن يتغير بشكل كبير عند تغير قيمة إحدى المتغيرين بشكل طفيف). ترجح التجارب بأننا يمكن أن نجد "منطقة مستقرة" في أي مكان في الصورة السابقة، أي بشكل آخر: يمكننا إيجاد مناطق بيضاء في أي مكان بالصورة حتى ضمن المناطق السوداء ، و ذلك عبر تكبير الصورة بشكل كافٍ؛ عند تكبير الصورة ستظهر تفاصيل أخرى لم تكن واضحة في البداية.

عندما درس أرنولد النظام الرياضي السابق، وصل إلى عدة نتائج رائعة، ولكنه أيضاً واجه عدة أسئلة لم يستطع الإجابة عليه، و أهمها السؤال التالي: عندما تكون قيم المتغير b صغيرة نسبياً (تحت الخط الرمادي في الصورة) فإن دراسة النظام الناتج سهلة ومفهومة رياضياً، ولكن ماذا عن التغيرات الكبيرة (فوق الخط الرمادي)؟

بقيت مسألة أرنولد مفتوحة لأكثر من 40 سنة ولكنها فيما بعد حلت من قبل لاسي ريمبي غيلين Lasse Rempe-Gillen ، وسباستيان فان سترين Sebastian van Strien.

يعتمد الإثبات على نموذج معدل ومطور يرسم صورة رائعة كالنموذج السابق. نموذج أرنولد كان يعتمد على نقطة ما تدور حول دائرة ما، أما النموذج الجديد فقد جعل النقاط تتحرك في كامل المستوي بدلاً من محيط دائرة فقط، وذلك بدراسة النظام الرياضي لأرنولد مستخدمين الأعداد العقدية بدلاً من الأعداد الحقيقة فقط.

وهذه الصورة هنا تعبر عن أداء النظام لقيم محددة للمتغيرين a و b في النظام الجديد. المناطق الرمادية تسمى مجموعة جوليا وهي الناطق التي تتحرك النقاط فيها بشكل عشوائي، بينما النقاط في المناطق الأخرى للصورة تتحرك بشكل منظم أكثر.

إن هذه الصور تعبر رياضياً عن مجموعة نقاط تتحرك في مستوٍ ما وفق قوانين رياضية محددة، ولكنها أيضاً في الواقع تمثل أنظمة طبيعية مثل اليراعات المضيئة والهزازات المتوافقة والقلب الخافق.

في النهاية لا يسعنا إلا التساؤل فيما إذا كانت هذه النتائج والأبحاث الشبيهة ستفتح آفاقاً جديدة لفهم الطبيعة والكائنات الحية بشكل رياضي أفضل..

المصدر:

هنا