علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

الحب والانجذاب

استمع على ساوندكلاود 🎧

هل يتجاذب الأضداد؟

على نقيض المفهوم الشائع؛ فإن الأضداد لا تتجاذب إلا نادرًا؛ إذ يرتبط الانجذاب بسلوك الشخص الآخر ومعتقداته وقِيَمه وبذلك التشابه يُؤدِّي إلى الانجذاب وليس العكس.

إنَّ العوامل الفعَّالة في الانجذاب هي: القرب والتشابه والجاذبية الجسدية والشعور بانجذاب الطرف الآخر.

القرب:

إنَّ التعرُّض المُتكرِّر لأيِّ شخص لديه شخصية مشابهة لشخصيتنا ولديه الاستعداد لمقابلة عواطفنا قد يُولِّد مشاعر الإعجاب تجاهه؛ إذ وجد علماء الاجتماع أنَّ أغلب الأشخاص يتزوجون أفرادًا يسكنون في أحيائهم نفسها أو لديهم الاهتمامات نفسها ويزورون الأماكن نفسها؛ الأمر الذي يزيد فرص الاحتكاك والتواصل. وفي الواقع؛ فإن التعرُّض المُستمرّ لشخص أو لشيء مُعيَّن فترة طويلة له تأثير قوي فينا؛ إذ يُولِّد التآلف والاعتياد شعورًا بالإعجاب يتناسب طردًا مع نسبة التعرُّض.

ونجد مثالًا واضحًا لهذه الفكرة عام 1889عند اكتمال بناء برج إيفل؛ إذ كانت غرابته مدعاة لسخرية الجميع، أما الآن فهو رمز باريس المحبوب، وإضافة إلى ذلك فإن التعرض عادة ما يكون له تأثير أكبر عندما يستهدف اللاوعي.

إنَّ العواطف والقدرة على التفكير لها مراكز مختلفة في الدماغ؛ ما يعني أنَّ عواطفنا لا تَنتُج عن تفكير وتخطيط مُسبق، وعند وجود آفة في المنطقة المسؤولة عن العواطف amygdala في دماغ قرد؛ نجد الردود العاطفية مُعطَّلة، في حين تعمل القدرة على التفكير جيدًا، وعلى النقيض عند وجود آفة في المنطقة المسؤولة عن الذاكرة hippocampus؛ نجد القدرة على التفكير مُعطَّلة، في حين تكون الردود العاطفية سليمة. لقد ساعدت هذه الآليات أجدادنا في تصنيف الأشخاص والأشياء إلى صنفين: مألوف وآمن، وغير مألوف وربما خطر.

إنَّ الجانب السلبي لهذه الظاهرة هو أننا نرى كل ما هو غير مألوف ومختلف على أنه خطر يُهدِّدنا؛ ما يُفسِّر التمييز العنصري التلقائي الذي نجده في المجتمعات لكل ما هو مختلف، وهذا التمييز لا يكون عادةً مبنيًّا على معتقدات خاطئة وتصنيف منطقي؛ ولكن على حدس وشعور داخلي نُبرِّره ببناء معتقدات عنصرية تجاه غيرنا. وعندما لا يكون لدى المجتمع فكرة واضحة عن مُرشَّح رئاسي أو مُنتَج مُعيَّن؛ فقد يزيد التكرار وحده الأصوات أو المبيعات.

الجاذبية الجسدية:

اعتقادنا بأن المظهر الخارجي أمرٌ ثانويٌّ وغير مهم ما هو إلا محاولة إنكار المُؤثِّرات التي تُؤثِّر فينا؛ إذ إنَّ البحوث التي تصف هذا التأثير وتُوثِّقه تكاد لا تُحصى.

ومن ناحية أخرى؛ فإن النساء -بنسبة أكبر من الرجال- يفضِّلن شريكًا دافئًا وحنونًا على شريك آخر جذَّاب وبارد.

يُؤثِّر المظهر الخارجي في نتائج التصويت أيضًا، فقد عرضت دراسة لألكسندر تودورفو 2005 صورتين لمرشَّحَين في 95 منافسة على مجلس الشيوخ منذ عام 2000، واعتمادًا على المظهر الخارجي فقط توقَّعت مجموعة من طلاب جامعة برينستون 72% من نتائج هذه الانتخابات؛ أي بتفضيلهم للمرشحين ذوي المظهر الأكثر كفاءة على المرشحين ذوي المظهر الطفولي. إذن ما هو جميل فهو جيد!

نتوقع دائمًا أنَّ الأشخاص ذوي المظهر الجميل سعداء وناجحون دائمًا في حياتهم، ولكنهم ليسوا صادقين أو مُكترثين بمشاعر من حولهم، ولكن؛ هل هذا التوقُّع صحيح دائمًا؟

يكون الأفراد ذوو المظهر الجميل منطلقين كثيرًا عادة، وذوي شعبية أكبر وأكثر رجولة إذا كانوا رجالًا أو أكثر أنوثة إذا كانوا إناثًا.

إنَّ هذه الفروق بين الأفراد ذوي المظهر الجميل غيرهم تنتج عما يُسمَّى (النبوءات ذاتية التحقيق)؛ إذ إنَّ الأفراد ذوي المظهر الجيد يُقدَّرون على نحو أكبر ويُفضَّلون على غيرهم؛ ما يُؤدِّي إلى تدعيم ثقتهم بنفسهم أكثر وشعورهم برضى عن الذات، وبهذا إلى مهارات اجتماعية أفضل وشعبية أكبر. ودليلٌ على صحة هذه الظاهرة؛ عادةً ما يحظى الأفراد ذوو الطول المرتفع بوظائف أفضل ورواتب أكبر، كما يكون الأطفال والبالغون الجميلون أكثر ارتياحًا وانطلاقًا ويتمتَّعون بمهارات اجتماعية أفضل ناتجة عن ثقتهم بنفسهم.

يمكننا أن نعزي هذا الانحياز والتفضيل إلى نظرية التطور أيضًا؛ إذ يدلُّ الجمال في الأنثى على الصحة والشباب والقدرة على الإنجاب، كما تدلُّ الرجولة والجمال الذكوري على القوة والقدرة على توفير الأمان والغذاء.

المصدر:

(David G. Myers Social Psychology (10th Edition