الطبيعة والعلوم البيئية > عجائب الأحياء

الباندا أيضاً تشاهد الأفلام الإباحية

بعد أن دمّر الإنسان موطن الباندا الطبيعية وباتت تعيش في منطقة محدودة في جبال الصين، حاول تربيتها في الأسر لحمايتها من الانقراض لكن ذلك زاد الطين بلـّة؛ فالباندا المحتجزة لا ترغب بالتزاوج ولا تميل ذكورها إلى إناثها. في الواقع الأمر أكثر تعقيداً مما يهيأ إليك، ولنعرف القصة علينا أن نسردها من البداية.

عندما انشقت الباندا عن نسل الدب قبل حوالي 3 مليون سنة، كان الحصول على الأطعمة اللذيذة والمغذية مثل اللحوم والفواكه والمكسرات صعباً، بينما كان الخيزران مُتاحاً في كل مكان من البيئة الواسعة المفتوحة. هنا، وجدت دببة الباندا نفسها أمام خيارين: ممارسة بعض المحاولة الجادة للحصول على الأشياء الجيدة، أو تفضيلها العرض المُغري الذي لا ينضب من الأعشاب الخشبية.

للأسف فضلت الخيار الثاني وتكيفت معه فيما بعد فتوسعت عضلات المضغ الخاصة بها وامتلكت إبهاماً إضافية كما تغير جهازها الهضمي (وإن كان لا يزال حتى الآن أكثر مماثلة لأكلة اللحوم من آكلات النبات). بالنتيجة، طوّرت –خاصةً في الأسر– نظاماً غذائياً سيئاً بسبب تفضيلها نبات الخيزران فقط دون غيره.

بشكل عام، يجب على الباندا أن تأكل ما يقرب من ربع وزنها من الخيزران كل يوم لتحصل على المواد الغذائية الكافية. وبما أنها تفضل براعم الخيزران الفقيرة بالمواد المُغذية، فهي تقضي وقتها في قضم ما يقرب من نصف وزنها يومياً حتى تشعر بالشبع. إلامَ يؤدي ذلك؟

أدى لجعل الباندا مضطرة لتقليل صرف الطاقة في كل جانب من جوانب حياتها:

- التنقل المحدود، وميلها لقضاء معظم وقتها جالسة؛

- فترة التزاوج القصيرة؛

- المساحة السطحية المنخفضة نسبة إلى الحجم للحفاظ على الحرارة؛

- النوم قدر الإمكان؛

- ولادة أشبال هزيلة وصغيرة دون إنفاق الطاقة على تنميتها في الرحم؛

- الأهم من ذلك كله عدم اهتمامها بالتزاوج.

وإذا كنت تعتقد أنها طبيعتها فليس الأمر كذلك، ففي البرية، تتنافس الذكور مع بعضها لأجل الإناث، والتي تختار الذكور بدورها، فالدافع الطبيعي للتزاوج يفرض هذا السلوك التنافسي المرتبط به ارتباطاً وثيقاً. لكن ماذا عن الأسر؟

ترتبك الباندا في الأسر وتفقد معرفتها لكيفية التزاوج، فعادةً ما ينقل الأشبال في مراكز التربية من عمر 6-12 شهراً بعيداً عن الأم، من أجل التأكد من حدوث الإباضة عندها خلال موسم التكاثر القادم. بينما تبقى الاشبال مرافقةً لأمهاتها لمدة عامين تقريباً في البرية. إبعاد الأشبال يحرمها من فترة مهمة من التفاعل الاجتماعي ومن فرصة مراقبة سلوك التزاوج المناسب.

من هنا كان اللجوء إلى الفياغرا وعرض الأفلام التي تظهر حيوانات باندا أخرى تمارس التزاوج أحد الحلول المستخدمة في مراكز رعايتها، خصوصاً وأن الباندا تعاني من صغر القضيب الذكري بشكل غير متناسب، بالإضافة إلى مشكلة الوقت فالإناث نادراً ما تدخل في حالة الهياج الجنسي.

ما هي مشكلة التوقيت:

تتزاوج معظم الثدييات حصراً خلال موسم التكاثر فبعض الدببة التي تقضي السبات تكون نشطة جنسياً فقط لبضعة أسابيع خلال الصيف قبل أن تدخل سباتها الشتوي، وبالحديث عن الباندا؛ يعتقد أنها الثدييات ذات المزاج الأقل للجنس فإناثها تدخل الشبق (Estrous cycle)* كل ربيع لمدة 24 - 72 ساعة فقط في العام. فإذا لم تستغل هذه الفترة فإنها تفوت فرصة التزاوج. على الرغم من أن الباحثين حاولوا جاهدين تربية الباندا في الأسر وحققوا نجاحاً في الآونة الأخيرة من خلال دراسة سلوكيات الإناث عن كثب إلا أنهم أهملوا الذكور!.

لا وجود لدورة تكاثر خاصة واضحة بالذكور لتحسين استراتيجيات التربية وتقنيات التلقيح الاصطناعي. لكن الأكيد كما أسلفنا أنها لا تهتم بالجنس على الإطلاق ابتداءً من الصيف ومروراً بالخريف، لكن الهرمونات الجنسية في دمائها تغزر خلال الشتاء وأوائل الربيع، فتتضخم الخصيتان وتبدآن بإنتاج النطاف استعداداً لموسم التزاوج الوجيز جداً.

بجمع مني الذكور باستمرار وتسجيل حجم الخصيتين ودراسة الحيوانات المنوية بالإضافة إلى دراسة مستويات الأنروجينات والهرمونات الستيروئيدية (كالتستوسترون) في براز الذكور تبين أن الهرمونات الذكرية تزداد بين شباط ونهاية آذار قبل أن تدخل الإناث فترة الحرارة فهي –الهرمونات– تحمل الذكور على الاستعداد لموسم التزاوج لكنها تفقد فعاليتها في الوقت الذي يجب أن تعمل فيه حقاً على تحفيز الذكور لطلب الأنثى.

لتحديد الموعد الأمثل لجمع السائل المنوي من الذكور يتم تحت التخدير قياس حجم الخصيتين والانتصاب والقذف المحفز باستخدام أقطاب كهربائية (طريقة مماثلة لعلاج مشكلة القذف عند الرجال الراغبين بالحصول على أطفال). يتم عد الحيوانات المنوية المشوهة والتي لديها صعوبة في السباحة تحت المجهر. بما أن حجم الخصيتين كان ثلاث أضعاف حجمها الطبيعي بين 22 آذار و15 نيسان وبما أن الباندا أنزلت ثلاث أضعاف كمية الحيوانات المنوية في الفترة نفسها فقد اعتمدت هذه الفترة لجمع السائل المنوي بهدف التلقيح الصناعي. يشار هنا إلى أن الباحثين يتجنبون جمع السائل المنوي في الوقت الذي يتوقع فيه ازدياد فرصة حدوث التلقيح الطبيعي لأن الذكور المستفيقة من التخدير المرافق لجمع المني سوف لن تقوى على الجماع مما سيضيع الفرصة.

تبقى دراسة التغيرات الهرمونية في جسم الأنثى ضرورية لتحديد موعد الشبق فهو يسمح بتحديد الوقت المناسب للسماح لها بالتلقيح الطبيعي.

تقطع الباندا في البرية عزلتها حيث تجتمع الذكور مع الإناث بين شباط وأيار لفترة وجيزة فقط ولكن هذه الفترة الوجيزة كانت عبر ملايين السنين كافيةً لحفظ النوع. وفي الأسر لا تعرف الذكور كيف تتزاوج غريزياً بينما لا تدخل الإناث في حالة الاهتياج الجنسي إلا نادراً. وبسبب اختلاف طريقة العيش، غالباً ما يكون التزاوج غير مثمر في حدائق الحيوان وفي أي مكان عدا موطنها، بينما يجري على خير ما يرام في البرية. بصرف النظر عن حجم الأعضاء التناسلية التي تجعل من النضال للحصول على الوضعية المناسبة ضرورياً، فإن هذه الحيوانات ستفعل ما يتعيـّن عليها فعله لو حفزت بالشكل المناسب (هذا ما يعتقده العلماء على الأقل).

أمثلة فاشلة:

أُدخل زوج من الباندا إلى الحديقة الوطنية عام 1976، وكانت علاقتهما هشة، حيث فشل الذكر في محاولاته المبكرة لإخصاب الأنثى إذ حاول وضع عضوه في أذنها، معصمها، وقدميها، كما فشل التلقيح الصناعي بينهما أيضاً لذلك استورد ذكرٌ جديد من لندن، لكنه قام بمهاجمتها، وفي نهاية المطاف حصل التزاوج بين الذكر والأنثى الأصليين وحصل الحمل، لكن الأشبال الخمسة الناتجة بين 1983 و1989 لقوا حتفهم خلال أيام في حين ولد أحدها ميتاً أصلاً.

ماذا بعد؟

تحسن التكاثر في الأسر كثيراً هذه الأيام من خلال اتخاذ الإجراءات التالية:

- وضع الذكور والإناث معاً فقط عندما تكون الأنثى متقبلة ومنفتحة لتجنب الاقتتال؛

- الحفاظ على الأشبال مع أمهاتها أغلب حياتها لتتعلم ولتحتمي بها من نظرات زوار الحدائق بدلاً من الاحتماء بحارس الحديقة؛

مع ذلك فإن الحقيقة بأن هذه الحيوانات قد تطورت للعثور على طعامها الخاص، والبحث عن أقرانها في غابات الخيزران الكثيفة لا يمكن أن تطبق عليها في الأسر مما يثبت للبشر من جديد أن إنقاذ الأنواع لن تكون عملية سهلة أو رخيصة.

صحيح أن فكرة اهتمام الذكور بالجنس لفترة وجيزة جداً يثير السخرية من المنظور الإنساني إذا قارنّاها بذكور البشر ولو أن ذكور بقية الثدييات ليست على استعداد للجنس أينما ووقتما كان أيضاً. إلا أن الأمر على مستوى من الجدية فالخط التطوري للباندا والذي تحداه الإنسان يمثل امتحاناً للتصاميم الذكية التي صنعناها.

للتوضيح:

(*) دورة الشبق أو الدورة الوداقية: عملية تهيء معظم الإناث من أنواع الثدييات للتزاوج والحمل. تحدث خلالها فترة خاصة تسمى فترة الحرارة تكون الأنثى خلالها في حالة تهيج جنسي. تتزاوج معظم الثدييات في هذه الفترة. تبدأ دورة الشبق بعد مرحلة النضج الجنسي ويقطعها الحمل.

المصادر:

هنا

هنا

مصدر الصورة:

هنا