الهندسة والآليات > التكنولوجيا الطبية

ميزان الحرارة النانوي

التقانة النانويّة ما زالت تتقدّم وتبهرنا بالكثير من الإبداعات، وأحدث ما وصلت إليه هو تمكُّننا من قياس درجة حرارة الخلايا الحية باستخدام هذه التقنية من قبل فريق من الباحثين في جامعة هارفارد.

مقالنا اليوم عن أداة تطوّرت أساساً للتعامل مع الحسابات الكموميّة لكن بعض العلماء تمكن من استخدامها لكشف تغيرات الحرارة في الخلايا الحية! استفادت التقنية من قدرة النقل الكُمومي quantum effects لبلورات الماس الصغيرة، (أو الألماس النانوي)، لكشف التغيّرات الحرارية التي قد تصل لأجزاء من الألف من الدرجة. حيث برز الماس في الآونة الأخيرة كمادّة مفيدة لحمل المعلومات الكموميّة الصغيرة.

ماهي المعلومات الكمومية الصغيرة؟

في الحوسبة التقليدية، تُخزَّن المعلومات على شكل بيانات رقميّة ثنائيّة، أو وحدات تسمّى (بِت) bits، وهي إمّا 0 أو 1. أما في المعلومات الثنائيّة الكموميّة quantum bits ومفردها الكيوبت qubit فإنّه يمكن أن يأخذ أحد الحالتين السابقتين (0 أو 1) وعدد لا متناهي من الحالات بينهما !

ولكن ما علاقة الماس بذلك؟

يستطيع الماس تخزين هذه المعلومات الكمومية (الكيوبيتات) عن طريق إلكتروناته، في الشوائب impurities الموجودة ضمن شبكته الكربونية الكريستالية. تتألّف هذه الشوائب غالباً من ذرة نيتروجين حلّت مكان ذرة كربون، وبجوارها فجوة أحاديّة الذرّة (أو ما يمكن وصفه بمكان شاغر بجوار ذرة النيتروجين).

وقد بدأت القصّة عندما تمكّن الباحثون من السيطرة على مثل هذه الترتيبة (مراكز الذرّة- الفجوة) في خطوة مكّنتهم من استخدامها في الحسابات الكمومية. وباعتبار النيتروجين ذرّة شديدة الحساسيّة للحقول المغناطيسية، فإنّ بلّورات الماس أظهرت أيضاً نتائج واعدة في التصوير بالرنين المغناطيسي MRI.

تكون مثل هذه المسابير probes (جمع مِسبار، أي أدوات الكشف والاستقصاء) حسّاسة جدّاً لتغيّرات درجات الحرارة مهما كانت ضئيلة. ولكنّ الباحثين استغلّوا هذه الحساسيّة المفرطة للحرارة (والتي قد تُعدّ نقطة ضعف) باستخدام أدوات الاستقصاء هذه كمقاييس دقيقة لدرجات حرارة الخلايا الحية !!

وفي تطبيقهم لهذه الفكرة قام العلماء بحقن بلّورات من الماس داخل خلايا جنينية بشرية بواسطة سلك نانوي (متناهي في الصغر)، ثمّ أطلقوا على الخلايا أشعّة ليزر بلون أخضر، مما أدّى إلى تألّق شوائب النيتروجين التي تتخلّل كريستالات الماس، بضوء أحمر.

تؤثّر التغيّرات الموضعيّة الداخلية لدرجة الحرارة في الخلية على شدّة intensity تألّق الضوء الأحمر المنبعث من المراكز ذرّة – فجوة (في الشوائب ضمن بلّورة الماس). وتمكّن الباحثون من قياس شدّة الضوء المنبعث، ومن ثمّ حساب درجة الحرارة في الماسات النانويّة التي أصدرتها. وبما أنّ بلّورات الماس تنقل الحرارة بشكل جيّد ودقيق، فإنّ الحرارة التي ستؤدّي لهذا التأثير المحسوب ستكون درجة الحرارة نفسها للوسط الخلوي المحيط بالبلّورات مباشرة.

استطاع الباحثون أيضاً أن يعرّضوا أجزاء معيّنة من الخلايا للحرارة (المضبوطة) عن طريق الليزر، حيث قال أحد الباحثين "أصبح باستطاعتنا الآن التحكّم بحرارة خلية مفردة ودراسة أثر ورّدة فعل الخلايا والأجهزة الحيوية على هذه التغيّرات"

حدث ذلك عندما قام بعض الباحثين بزرع جزيئات الذهب النانويّة في الخلية، ثمّ استطاعوا تسخينها بالليزر، وما يهمّنا معرفته حقاً أنهم تمكّنوا من التحكم بالقدر المطلوب من الحرارة التي يريدونها عن طريق ميزان الحرارة النانوي هذا .

لكن ما الفائدة المرجوّة من هذا الاكتشاف؟

يقول مورير أحد الباحثين في الفريق أنّ مثل هذا الاكتشاف يساعد كثيراً في علوم البيولوجيا الأساسيّة. يستطيع العلماء الآن دراسة الكثير من العمليات وعلاقتها بالحرارة بدءاً من التعبير الجيني انتهاءً بالاستقلاب الخلويّ.

وجدير بالذكر أن مقياس الحرارة الماسي العظيم قد يكون له استخدامات مفيدة في الكيمياء، بالتحكّم بحرارة التفاعلات خاصّة في التفاعل بين مادّتين، حسب ما قال أحد الباحثين الفيزيائيين الذين كان لهم الريادة في استخدام الماس في قياس الحرارة.

Source : هنا

مصدر الصورة :هنا