الطبيعة والعلوم البيئية > زراعة

دور الحشرات المعدلة وراثياً في القضاء على الآفات الزراعية

يمكن لإطلاق ذباب الفاكهة المعدل وراثياً في البرية أن يكون وسيلة رخيصة وفعالة وصديقة للبيئة لمكافحة هذه الآفة. هذا هو ما خلصت إليه نتيجة بحث جديد تم تطبيقه على السلالة المعدلة وراثياً التي طورتها شركة Oxitec البريطانية كنهج جيني للسيطرة على ذبابة فاكهة البحر المتوسط (medfly)وهي إحدى الأنواع المتخصصة التي تحتاج إلى كلفة عالية للسيطرة عليها. تعتمد الطريقة على تمرير سمة الحد الذاتي إلى نسل الإناث فماذا يعني ذلك؟.

دعونا نبدأ بالتعرف على ذبابة medfly أولاً. تسبب الـ medfly حالياً خسائر في المحاصيل في أجزاء كثيرة من العالم حيث تصنف على أنها من الأنواع الغازية والعصية على السيطرة فضلاً عن انتشارها في بيئتها الأصلية؛ حوض البحر الأبيض المتوسط. تصيب هذه الذبابة أكثر من 300 نوعٍ من الفواكه المزروعة والبرية والخضراوات وأنواع الجوزيات وتعد آفة حقيقية للزراعة نظراً لأضرارها البالغة. تثقب الإناث الثمار لوضع بيوضها فيها مما يسبب فسادها بفعل اليرقات التي تتغذى على المحتويات بالإضافة إلى تعفنها بفعل نشاط البكتريا والفطريات التي تدخل لب الثمرة عبر الثقب المحدث.

تجري المكافحة حالياً باستخدام عدة طرائق تضم:

- مجموعة من المبيدات الحشرية؛

- المصائد الفرمونية (لاصقات أو عبوات فيها فرمون اصطناعي يجذب الذكور إليها لتلتصق أو تعلق وتموت)؛

- المكافحة البيولوجية (التي تعتمد على إطلاق كائنات تتطفل على الحشرة الهدف أو تفترسها)؛

- إطلاق الحشرات العقيمة التي تتزاوج دون إنتاج نسل جديد فيما يعرف بتقنية الحشرات العقيمة Sterile Insect Technique.

تعتبر تقنية الحشرات العقيمة من بين كل التقنيات الحالية الأقل ضرراً بالبيئة لكونها تستخدم الذكور العقيمة لإيقاف التزاوج بين الذكور البرية والإناث. لكن الجانب السلبي هو أن هذه الذكور التي يتم إطلاقها، تعقم بالتشعيع الذي يضعفها مما يقلل فرص تزاوجها مع الإناث في البرية.

وصف التقنية الجديدة:

قامت الشركة المنتجة بإدخال جين مؤنث خاص في الحشرات والذي يعطل تطور الإناث قبيل وصولها لمرحلة البلوغ الجنسي (وضع البيض). يمكن إنتاج جيل نشط من الذكور والإناث عن طريق إضافة مواد كيميائية مثبطة chemical repressor ضمن ظروف مغلقة متحكم بها. يتتكون هذه المواد من بروتينات تمنع جزءاً من الـ DNA من التعبير عن نفسه وتثبيطه عن إنتاج البروتين المسؤول عن الصفة المرتبطة بالمورثة المعطلة.

في المرحلة التالية تزال هذه المثبطات من النظام الغذائي فيعطي الذباب نسلاً تبقى ذكوره فقط على قيد الحياة بينما تموت الإناث. يتم إطلاق الذكور الناتجة بعد ذلك لتقوم بالتزاوج مع إناث البرية وتمرر إليها سمة الحد الذاتي التي ينتج عنها إناث غير قادرة على البقاء.

إذا فالذباب المعدل ليس عقيماً لكنه قادر على إنتاج نسل من الذكور فقط وذلك بعد التزاوج مع الإناث المنتشرة محلياً في البرية وبالتالي التقليل كثيراً من تعداد الإناث وضررها. وكما لاحظنا، فلا داع في هذه الطريقة لتعقيم الذكور بالإشعاع (جعلها عقيمة) وبالتالي فالذباب الذي يتم إطلاقه أكثر صحةً وحيوية واستعداداً للتزاوج من ذلك المستخدم في تقنية الحشرات العقيمة سالفة الذكر.

اختبار التقنية الجديدة:

من الضروري اختبار التقنية لمعرفة فيما إذا كان إطلاق الحشرات المعدلة سيؤدي إلى مردود مكافحة حشرات أفضل نظراُ لكون التعديل يسمح فقط للنسل المذكر بالبقاء حياً. ولهذا الهدف قام الباحثون بمحاكاة البيئة الطبيعية داخل بيوت زجاجية آمنة بطول ثمانية أمتار مزروعةٍ بالليمون في جزيرة كريت اليونانية ودرسوا تأثير إطلاق الذباب المعدل وراثياً المستقدم من الشركة (Oxitec). أظهرت النتائج أن الذباب المعدل وراثياً قادر على التسبب بانهيار سريع في تعداد الحشرة داخل النظام المغلق المصطنع، وبالتالي، يقدم هذا الأسلوب بديلاً رخيص الثمن وفعالاً لاستخدام الأشعة، ناهيك عن أنها طريقة صديقة للبيئة.

يقول القائمون على الدراسة إن هذا النهج فعال تماماً وحالما يتم تلقي الموافقات التنظيمية المناسبة ستقدم هذه التكنولوجيا للمزارعين طريقة آمنة وعملية لحماية محاصيلهم. أما المرحلة المقبلة من البحث فستتضمن العمل لكسب الموافقات القانونية اللازمة لتكرار التجربة على مستوى ميداني واسع النطاق.

سواء أردنا أم لا، يبدو أن الكائنات المعدلة وراثياً ستجد طريقها إلى حياتنا ليس فقط كغذاء بل كعناصر غريبة قد تكون لها آثارها البعيدة المجهولة على استقرار النظام البيئي !

مصدر المقال:

هنا

مصدر الصورة:

هنا