الكيمياء والصيدلة > كيمياء حيوية

هل النّساء اللّواتي

إنّه السّيناريو المعتاد، فبينما تشتكين لزميلتك من إحساسك بانقباضاتٍ في الرّحم وأعراض ماقبل الدّورة الشّهريّة، تكتشفين أنّ زميلتك أيضاً في خضمّ دورتها الشّهريّة!

فتنظرين نظرة "اندهاشٍ" من عجائب البيولوجيا البشريّة الّتي سمحت لفترات الإباضة عندكما بالتّزامن!

على الرّغم من وجود قبولٍ واسعٍ لذلك كحقيقةٍ في حياة الأنثى، إلّا أنّ الكثير من علماء النّفس وعلماء الإنسان يشكّون في وجود مايسمّى "تزامن الطّمث".

كما أنّ نصف الدّراسات المنشورة حول هذا الموضوع لم تستطع إيجاد دليلٍ وثيقٍ على أنّ المعاشرة القريبة مسؤولةٌ عن تزامن حدوث دورات الطّمث.

سُجّلت أوّل حالةٍ لتزامن حدوث الحيض في عام 1971 في دراسةٍ نُشِرت في مجلّة “Nature” من قِبل "مارثا مكلينتوك". حيث لاحظت اختصاصيّة علم النّفس في جامعة شيكاغو أنّ الصّديقات المقرّبات عادةً ما يأتيهنّ الحيض في فتراتٍ متقاربةٍ.

وقامت بسؤال 135 طالبةً من اللّواتي يسكنّ في السّكن الجامعيّ عن موعد بدء دورتهنّ الشّهريّة لثلاث مرّاتٍ خلال السّنة الدّراسيّة. وجدت أنّ الصّديقات المقرّبات قد حِضْنَ في أوقاتٍ متقاربةٍ في شهر نيسان مقارنةً بشهر تشرين الأوّل.

أُطلِق على هذه الظّاهرة اسمَ "تأثير مكلينتوك"، وانتشرت على نطاقٍ واسعٍ باعتبارها أوّلَ مثالٍ على ما يُدعى بـ"الفيرومونات"، وهي الإشارات الكيميائيّة اللّاشعوريّة الّتي تؤثّر على السّلوك والفيزيولوجيا بين البشر.

قام علماء آخرون أيضاً بمحاولاتٍ للحصول على نتائج مشابهةٍ عند الجرذان والفئران البيضاء والشمبانزي، ولكنّها فشلت في الحصول على أدلّةٍ على هكذا تزامنٍ.

كما أُجرِيت دراساتٌ أخرى بحثت عن هكذا تزامنٍ فيما بين الزّملاء في السّكن والرّياضيّين والأزواج المثليّين والأمّهات والأخوات وحتّى زملاء العمل. وُجِدت في بعض الأحيان إشاراتٌ لحدوث تزامنٍ في فترات الحيض، قد اختفت في أحيانٍ أخرى مع عدم وجود تفسيرٍ لهذا.

العقبة الّتي وُجِدت خلال تلك الدّراسات أنّ النّساء عادةً ما يكون لديهنّ دوراتٌ مستمرّةٌ من أطوالٍ مختلفةٍ، وبناءً على هذا لا يمكن حقّاً حدوث مزامنةٍ، وإنّما تقاربٌ وتباعدٌ عشوائيٌّ على مدى الأشهر، فتتقارب وتتباعد الدّورات تبعاً لذلك.

أُجرِيت في العام الماضي أطولُ دراسةٍ عن تزامن فترات الحيض عند 186 فتاةً صينيّةً يسكنّ في السّكن الجامعيّ. إلّا أنّه لم يوجد فيها دليلٌ على ظاهرة الفيرومونات، إنّما تحوي الكثير من التّداخلات العشوائيّة الّتي يمكن أن يُنظَر إليها على أنّها تزامنٌ، إذا ما نظر إليها من خلال نافذةٍ زمنيّةٍ أقصر.

مع هذا، بقيت مكلينتوك حازمةً في تركيزها على التّعريف الضّيّق للتّزامن بغضّ النّظر عن النّقاط الأخرى. حيث تقول: "بغضّ النّظر عن إمكانيّة تأثير البيئة الاجتماعيّة للمرأة على توقيت الإباضة، وليس الحيض في حدّ ذاته، إلّا أنّني لا أعتقد أنّ هناك أيّ شكٍّ في أنّ التّفاعل الاجتماعيّ بين النّساء ومركّبات الجسم يمكن أن تغيّر الطّريقة الّتي يعمل بها المبيض."

كما أشارت مكلينتوك إلى إحدى دراساتها المنشورة في عام 1998 الّتي تلخّصت بتعريض النّساء المتطوّعات إلى سدادات القطن المنقوعة في إفرازاتٍ إبطيّةٍ جُمِعت من المتبرّعات اللّواتي يمررن في الطّور الأوّل والثّاني من الدّورة الشّهريّة. حيث وجدت أنّها أدّت إلى تغييرٍ ملحوظٍ في طول الدّورة الشّهريّة في عيّنة النّساء تحت الاختبار، ومع ذلك فقد تكون النّتائج مجرَّد مصادفةٍ.

كما وجد فريقٌ من الباحثين اليابانيّين أيضاً في سلسلةٍ من الدّراسات أنّ النّساء المتبرّعات اللّاتي يمررن في هاتين المرحلتين من الدورة الشهرية، يفرزن مركّباتٍ، والّتي وباستنشاقها من قِبل نساءٍ أخرياتٍ يمكن أن تؤثّر بشكلٍ كبيرٍ على هرمون (LH) الّذي يتحكّم بشكلٍ كبيرٍ بتوقيت الإباضة وطول الدّورة الشّهريّة.

وفي دراساتٍ أخرى، وُجِد أنّ الرّوائح المنبعِثة من النّساء المرضعات تغيّر من توقيت الحيض ومستوى هرمون (LH) عند النّساء غير المُنجِبات.

ما تزال الأبحاثُ مستمرّةً في هذا المجال لاستكشاف الآليّات الكامنة وراء الاختلاف في الآثار الاجتماعيّة على الإباضة. حيث تساورُ العلماءَ العديدُ من الأسئلة مثل: لماذا بعض النّساء لا يتأثّرن؟ ولماذا بعض مراحل الدّورة الشّهريّة أكثر حساسيّةً للمؤثّرات الخارجيّة من غيرها؟

ولكنْ إلى أن يتمّ وصف الفيرومونات ذات الصّلة ومسارات مستقبلاتها الكيميائيّة الحيويّة بشكلٍ أفضل، تبقى معظم الأدلّة الحاليّة تشير إلى المفهوم الشّعبيّ لـ "تزامن الحيض" بوصفه أسطورةً جامعيّةً!

المصدر:

هنا

مصدر الصورة:

هنا