الطب > علوم عصبية وطب نفسي

استعادة القدرة على المشي عبر زراعة الخلايا

في عام 2010، تعرّض داريك فيديكا Darek Fidyka للطعن عدة مرات في ظهره، مما أدى لحدوث قطع في الحبل الشوكي عند المستوى العلوي للفقرة الصدرية التاسعة، وإصابته بالشلل التام تحت هذا المستوى.

منذ ذلك الحين، انتظم داريك في برنامج علاج فيزيائي لإعادة التأهيل لكن دون حدوث تحسّنات ملحوظة.

في أوائل عام 2013، خضع لعملية جراحية فريدة من نوعها، واستمر بعدها ببرنامج إعادة التأهيل. والآن، أعلن الأطباء المعالجون أنّه استعاد القدرة على المشي جُزئياً. كما أنه استعاد إحساسه بالعديد من الأعضاء التي كان قد فقد الإحساس والتحكم بها بعد الحادث بشكلٍ جزئي.

الفكرة:

فكرة هذه العملية جاءت بناءً على نتائج أبحاث استمرت لسنين طويلة، قام بها فريق البروفيسور جيفري رايسمان Geoffrey Raisman من معهد العلوم العصبية التابع لجامعة لندن في بريطانيا.

توجد في الدماغ كتلتان تُسمّى كل منهما البصلة الشمّية Olfactory Bulb، وهما تُمثّلان أحد مراكز حاسة الشم في الدماغ.

وفي كل بصلة شمية، توجد خلايا تُدعى الخلايا المُغمِّدة الشميّة Olfactory Ensheathing Cells OECs ذات القدرة على تحفيز الأعصاب على التجدّد. وهي خاصية فريدة مقارنةً ببقية الخلايا العصبية في الجهاز العصبي المركزي، والتي لا تملك القدرة على التجدّد والنمو من جديد.

وكان السؤال:

إذا قمنا بزراعة الخلايا المُغمّدة OECs في أماكن إصابات الحبل الشوكي، فهل من الممكن أن تُعيد تحفيز نمو الأعصاب من جديد في المنطقة المُصابة؟

وبعد عدة تجارب على الفئران، ونشر النتائج التي أوضحت ظهور تحسن في حالات الشلل لدى الفئران، لفتت هذه الأبحاث انتباه العديد من المختصين حول العالم، ومن بينهم الدكتور باڤيل تاباكوڤ Pavel Tabakow وفريقه من جامعة ڤروتسواڤ الطبية في بولندا، من أجل تطبيق العملية على الأشخاص المصابين بالشلل.

العمليّة:

1. تم استئصال إحدى البصلتين الشميّتين، وتمت زراعة وإنماء الخلايا المُغمّدة OECs منها في المختبر.

2. تم حقن هذه الخلايا عبر 100 حقنة صغيرة micro-injection فوق وتحت منطقة الإصابة في الحبل الشوكي للمريض.

3. بعد إزالة النسيج الليفي الناتج عن الإصابة، تم وضع 4 شرائط من النسيج العصبي (أُخذت من العصب الربلي في كاحل المريض) على طول الفجوة الناجمة عن الإصابة، والتي يبلغ طولها حوالي 8 ميلليمتر.

بهذا، أمِلَ العلماء أن تقوم الخلايا المُغمّدة بتحفيز الألياف العصبية في الحبل الشوكي على التجدد، مُوظِّفةً في ذلك الشرائح المزروعة كجسر يربط طرفي الحبل الشوكي المقطوع.

النتائج:

الآن، وبعد 19 شهراً من العملية، لم تظهر أية أعراض جانبية على المريض. كما أنّ استئصال البصلة الشمية لم يُفقِد المريض حاسة الشم في تلك الجهة.

أظهر المريض ثباتاً في الجذع، وتعافياً جزئياً للحركات الإرادية في الساقين، وزيادة في الكتلة العضلية في الفخذ الأيسر. إضافةً لتعافي جزئي للإحساس بالأعضاء الداخلية كالمثانة وحركة الأمعاء، وبعضاً من الوظائف الجنسية.

لا يزال المريض مواظباً على تمارين إعادة التأهيل في مركز آكسون لإعادة التأهيل العصبي في ڤروتسواڤ. فبعد العملية ب6 أشهر، استطاع أن يخطو خطواته الأولى باستخدام دعامات الساقين و بمساعدة معالجه الفيزيائي.

أما اليوم، فهو قادر على المشي لوحده خارج المركز، مُتّكِئاً على هيكل المشي (وهو عبارة عن أداة بسيطة تُستعمل عادةً من كبار السن والمرضى، حيث يستطيع المريض الاتكاء عليها أثناء المشي).

ويقول أنّه بعد استعادته الإحساس والتحكم بنصفه السفلي، أحسّ بأنه وُلد من جديد.

رأي الخبراء:

يقول د. تاباكوڤ مُعلقاً: "إنه لمن المذهل معرفة أنّ قدرة الحبل الشوكي على التجدد في الطريق لتصبح أمراً واقعاً، بعد أن ظنناه أمراً مستحيلاً لوقت طويل".

أما البروفيسور رايسمان فوصف الخطوات التي خطاها المريض بعد العلاج بأنّها أروع من الخطوات التي خطاها الإنسان على سطح القمر.

أخيراً، يرى العلماء أنّ هذا الإنجاز، رغم ضخامته، إلّا أنه لا يكفي للقول بأننا أصبحنا قادرين على علاج الشلل بشكل دائم. لذلك، يجب أن تُكرر هذه التجربة على عدة مرضى آخرين، ومن ثم النظر للنتائج ومعرفة إذا ما كنا حقاً قادرين على علاج الشلل، وبشكل حاسم.

وحالياً، يُخطط الفريق لعلاج 10 مرضى آخرين في بولندا و بريطانيا خلال السنوات القليلة القادمة.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

مصدر الصورة:

هنا