الفيزياء والفلك > فيزياء

باحثون يقترحون نموذجاً جديداً لحل معضلة المادة المظلمة

يعتقد الفيزيائيون الفلكيون أن حوالي 80% من المادة الموجودة في كوننا تتألف من "مادة مظلمة" غامضة؛ ولا يُمكن اكتشاف تلك المادة بحواس الإنسان أو الأجهزة العلمية.

يقول ميكائيل ميدفيديف (Mikhail Medvedev) وهو بروفسور في الفيزياء وعلم الفلك في جامعة كانساس "لم تُكتشف المادة المظلمة في المختبرات حتى يومنا هذا؛ وقد استنتجنا وجود هذه المادة بالاعتماد على المراقبات الفلكية". نشر ميدفيدف مؤخراً بحثاً علمية عن المادة المظلمة واستحق ذلك البحث أن يكون غلافاً لمجلة Physical Review Letters وهي أكثر المجلات شهرةً في مجال الأبحاث الفيزيائية. يقترح ميدفيدف نموذجاً جديداً للمادة المظلمة؛ ويُعرف هذا النموذج بـ "المادة المظلمة متعددة المكونات والنكهات -flavor-mixed multicomponent dark matter".

يقول ميدفيدف "المادة المظلمة عبارة عن نوع غير معروف من المادة؛ ومن المرجح أنها مؤلفة من جسيمات عنصرية جديدة غير معروفة وغير موجودة في النموذج المعياري للجسيمات (Standard Model). لم تُرصد هذه المادة بشكلٍ مباشر أبداً ولكنها تكشف عن وجودها عبر تأثيرها الثقالي في الكون؛ وهناك عدد هائل من التجارب الموجودة في أرجاء مختلفة من العالم تهدف إلى اكتشافها بشكلٍ مباشر".

تعتمد نظرية ميدفيدف على سلوك الجسيمات العنصرية التي رُصدت أو تلك الافتراضية؛ ووفقاً لنظرية النموذج القياسي في فيزياء الجسيمات، تُعتبر الجسيمات العنصرية لبِنات البناء الأساسية للذرة –وتصنف هذه الجسيمات ضمن مجال متنوع جداً يشمل الكواركات، اللبتونات والبوزونات القياسية.

للكواركات واللبتونات عدة خواص أحدها مثلا الشحنة وكذلك ما يسمى "النكهة". وهي عرضة للتغير وذلك الأمر ناتج عن إمكانية اجتماعها مع بعضها البعض عبر ظاهرة تُعرف بامتزاج النكهات (flavor-mixing). يقول ميدفيدف "لقد اعتدنا على الحقيقة التي تقول بأن لكل جسيم أو ذرة كتلة محددة تماماً. والجسيم متعدد النكهات هو أمر غريب فهو يمتلك بضعة كتل في الوقت نفسه ويقود هذا الأمر إلى تأثيرات استثنائية ومذهلة". لذلك يشبه ميدفيدف امتزاج النكهات بالضوء الأبيض الذي يحتوي على بضعة ألوان ويُمكن له أن يُولد قوس قزح. ويعتقد ميدفيدف بأن الجسيمات المرشحة لتكون المادة المظلمة ما هي في الواقع إلا عبارة عن مثال لهذا الامتزاج في النكهات ومن بين أولئك المرشحين نجد النيوترالينوهات (neutralinos) والاكسيونات (axions) والنيوترينوهات العقيمة (sterile neutrinos). ويُضيف ميدفيدف "في الواقع، تلك الجسيمات تُشكل المرشحين المفضلين لدى عموم الباحثين في كل الأوقات.

قام ميدفيدف للتحقق من فرضياته بإجراء محاكاة حاسوبية استخدم في كل كل عملية محاكاة أكثر من 1000 نواة معالج واستمرت على مدار أسبوع أو أكثر؛ واستهلك هذا المشروع الذي امتد على مدار عام حوالي 2 مليون ساعة عامل حاسوبية وهو رقم يُعادل حوالي 230 سنة".

وبحسب ما يعتقد الباحثون فالمادة المظلمة تتفاعل مع المادة العادية بشكلٍ ضعيف جداً ربما ولهذا السبب لم يتم اكتشافها في كل تجارب الكشف المباشر الموجودة في العالم؛ ونتيجة لذلك ابتكر فيزيائيون نموذج عمل للمادة المظلمة لا تتصادم فيها مع أي من الجسيمات التي نعرفها (ما يسمى نموذجاً غير تفاعلي - noninteracting) وهو نموذج بارد أيضاً (أي يحصل عند سرعات حرارية منخفضة جداً) بالإضافة إلى أخذ وجود الثابت الكوني بعين الاعتبار (الثابت الكوني هو فرضية لتفسير التوسع المتسارع للكون وهو كثافة ثابتة من الطاقة تنتشر في الفراغ ضمن الكون) ويُعرف هذا النموذج بـ "نموذج Lambda-CDM".

لكن النموذج لم يتفق دوماً مع البيانات الرصدية حتى طُرحت ورقة ميدفيدف الحل المقترح لهذه الأسئلة القديمة. ويشرح ميدفيديف "تبرهن نتائجنا على نموذج المادة المظلمة ثنائية المكونات ومتعددة النكهات قد قام بحل كل المشاكل الملحّة لنموذح Lambda-CDM في آن واحد".

قد يكون اكتشاف المادة المظلمة تجريبياً حدثاً قريبا مع التحديثات التي ستجري على عدة تجارب هامة للبحث عن المادة المظلمة. وقد يطول الانتظار أكثر. ولكن تحديد معلومات أكثر عن طبيعة هذه المادة ستفتح باباً واسعاً على جانب خفيّ يشكل معظم كوننا الذي نعيش فيه.

المصدر: هنا