الفيزياء والفلك > فيزياء

تكاثف بوز - آينشتاين: المادة تحت درجات حرارة منخفضة جداً

الفرق الفيزيائي بين جسم بارد وآخر ساخن هو أن ذرات الجسم البارد تتحرك بسرعة أصغر من ذرات الجسم الساخن والتي تتحرك بسرعة و بشكل عشوائي. فكلما انخفضت درجة حرارة الجسم أصبحت سرعة ذراته أصغر. هذه الحقيقة الفيزيائية تدفعنا إلى التفكير بدرجة الصفر المطلق( -273.15 درجة مئوية تقريباً)، وهي الدرجة التي تتجمد فيها الذرات وتكون سرعتها مساوية للصفر. لا نستطيع طبعا بلوغ هذه الحالة إلا أن الباحثين تمكنوا من الوصول إلى درجة قريبة جدا منها تدعى: الدرجات النانوكلفنية (من نانو كلفن أي واحد على مليار من الدرجة فوق الصفر المطلق)، وعندها تنشأ حالة جديدة من المادة تدعى تكاثف بوزه – آينشتاين، فما هو تكاثف بوز – آينشتاين؟ ومن أين أتت فكرته ؟

طرحت هذه الفكرة نظرياً لأول مرة من قبل العالمين بوزه و آينشتاين، اللذين تنبّآ بأنه سيكون لذرتين أو أكثر نفس الحالة الكمومية عند درجات الحرارة المنخفضة جداً؛ أي سيكون لهما الطاقة ذاتها، وسيصبح من غير الممكن تمميز الذرات عن بعضها بأي محاولة للقياس، فالذرات ستشغل الحجم ذاته من الفضاء وستتحرك بالسرعة ذاتها وستبعثر الضوء عند اللون ذاته.

لاشيء من تجاربنا في الحياة اليومية يمكن أن يقارن بهذه الحالة وذلك لمساعدتنا في فهمها، لأنه عند درجات الحرارة العادية وضمن مجالات القياس المألوفة لنا يمكن تشبيه ذرات الغاز بالكرات الزجاجية الصغيرة غير القابلة للكسر والتي تقفز هنا وهناك بسرعات مختلفة في فضاء فارغ تقريباً تصطدم ويرتد بعضها عن بعض باستمرار. أما عند الدرجات المنخفضة جداً وضمن مجالات القياس الصغيرة للغاية فلن يصلح الميكانيك الكلاسيكي لوصف ما يحدث، إذ تبدأ حدود هذه الكرات الصغيرة تصبح مشوشة وتفقد شيئاً من سرعتها و تقترب من بعضها البعض، لأن كثافة الغاز تزداد أثناء تبريده. وتمر هذه الذرات الشبيهة بالخيالات عبر بعضها أحياناً دون أن تنحرف، في حين أنها ترتد عن بعضها أحياناً أخرى كما لو أن شيئا صلباً في داخلها يتصادم. وبالقرب من مركز منطقة تجمعها تتراكب هذه الذرات على بعضها وكأنها تندمج مشكلة كرية كبيرة ضبابية لا تتحرك تدعى تكاثف بوزه – آينشتاين. ينطبق هذا السلوك فقط على بعض أنواع الجسيمات والذرات ندعوها بوزونات . لوحظ الدليل الأول على تكاثف بوزه – آينشتاين في الهيليوم-4 السائل عام 1938 عند درجة الحرارة 2.12 كلفن، حيث شكلت ذرات الهيليوم-4 مائعاً ذو لزوجة معدومة، إذ لم يكن بالإمكان وقتها رصد تكاثف بوزه – آينشتاين في ذرات الغاز لعدم إمكانية تبريدها إلى درجات نانوكلفنية وقتها. وفي ثمانينات القرن الماضي بدأ الفيزيائيون بتطوير تقنيات بصرية ومغناطيسية عبقرية مكنت إريك كورنيل وكارل وييمن وفريقهما في مختبر JILA في بولدر، كولورادو من تبريد ألفي ذرة روبيديوم-87 إلى ما دون 2 درجة كلفن مشكلين بذلك تكاثف بوزه- آينشتاين، وبعدها بفترة قصيرة شكل ولفغانغ كيترل وزملاؤه من معهد ماساتشوستس حالة مشابهة من ذرات الصوديوم-23 و كرموا جميعا بجائزة نوبل عام 2001.

تمكن العلماء من تبريد الغاز دون المرور بالحالة السائلة أو الصلبة باستخدام تقنيتين مبتكرتين، وعلى مرحلتين. استخدموا ضوء الليزر في المرحلة الأولى للتبريد وهو أمر مفاجئ، فكما نعلم فإن يدنا تصبح أسخن عند تعرضها للضوء حيث يتم امتصاص طاقته وتحويلها لطاقة حرارية، لكن الحيلة هنا هي بجعل الضوء يصطدم بالذرات ويرتد عنها بدلاً من التفاعل معها، ورغم أن الفوتونات خفيفة جداً مقارنة بالذرات إلا أنه يمكن لكمية كبيرة من الفوتونات أن تخفف من سرعة الذرة بنفس الطريقة التي تدفع بها كرات البينغ بونغ ( فوتونات الليزر ) كرة البولينغ (الذرة ) عند اصطدامها بها. تقوم هذه الآلية بتخفيض الحرارة إلى 1/10000 من الدرجة فوق الصفر المطلق، إلا أنها لاتزال أعلى من الدرجة المطلوبة لبلوغ حالة التكاثف.

اقترح كورنيل و وييمن للحصول على درجة حرارة أقل استخدام طريقة التبخير بالتبريد، لكنهما يحتاجان أولا لنوع جديد من الأوعية التي لا تصطدم الذرات بجدرانها، الأمر الذي يسبب زيادة درجة حرارتها، فصمما ما يدعى بالمصيدة المغناطيسية؛ حيث يتم احتجاز الذرات في مكان معين بتطبيق حقل مغناطيسي شديد جداً ( إذ يمكن اعتبار الذرة مغناطيس صغير ) ثم يأتي دور التبريد بالتبخير وهو المبدأ ذاته المستخدم لتبريد فنجان القهوة الساخن؛ ففي قهوتك تهرب الجزيئات الأكثر سخونة (ذات الطاقة الأكبر) من الفنجان على شكل بخار وتبقى الجزيئات الأبرد داخل الفنجان. وبنفس الطريقة يسمح للذرات الحاملة للطاقة الأكبر من الهروب من المصيدة المغناطيسية التي لها شكل الفنجان، وبتخفيض حواف المصيدة تدريجيا تهرب الذرات ذات الطاقة الأكبر وتبقى الذرات ذات الطاقة الأقل في قعر المصيدة، وبذلك نصل لدرجة حرارة النانوكلفن و نحصل على تكاثف بوزه – آينشتاين الذي يبدو ككتلة صغيرة كثيفة محاطة بذرات من غاز عادي بشكل مشابه لتكاثف بخار الماء من الهواء على شكل قطرة على كوب بارد.

تكاثف بوزه – آينشتاين في الطبيعة :

إن تكاثف بوزه – آينشتاين هو ظاهرة طبيعية رئيسة. إذ يعتقد أنها لعبت دوراً أساسياً في تطور الكون الأول عندما تشكلت الجسيمات والقوى، كما يعتقد أن الطبقات الخارجية للنجوم النيوترونية قد تحتوي على تكاثف بوزه – آينشتاين لجسيمات غريبة دون ذرية.

تطبيقاته:

لا تزال هذه الحالة من المادة جديدة على العلماء لمعرفة الإمكانيات الكامنة فيها و فوائدها، ومع ذلك فإن التشابه بين هذا التكاثف والليزر ( فكما أن لجميع ذرات المادة المكثفة الحالة ذاتها فإن لجميع فوتونات الليزر الحالة ذاتها حيث يكون لها اللون ذاته وتتحرك جميعها بالاتجاه ذاته ) سيمكننا من صنع أجهزة قياس حساسة للغاية وهياكل صغيرة جداً كرقاقات الحاسوب.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا