الموسيقا > عظماء الموسيقا

فرانز ليست ... العبقرية التي غيرت البيانو - الجزء الأول

استمع على ساوندكلاود 🎧

إن كان هناك حقاً ركيزة أساسية للعصر الرومنسي، فهي فرانز ليست... الموسيقي الذي غزا بعبقريته الموسيقية أوروبا والذي شهرته فاقت مؤلفاته، فقد عُرف بحضوره الكبير على المسرح، حيث أنه كان يشعل جمهوره بعزفه الشغوف وأسلوبه الفريد الذي جعل منه نجماً لامعاً، فالفتيات تصرخ باسمه والباقي يرمي عليه الورود مطالبين بالمزيد (اقرؤا تفاصيل أكثر بمقال سابق لنا هنا ) ، ليكون من العازفين القلة الذين اثبتوا وجودهم على المسرح، ليرافق بهذه السمة سليفه وملهمه نيكولو باغانيني اقرؤا مقالنا عن باغانيني هنا).

حياته:

ولد فرانز ليست في قرية دوبوريان في مملكة هنغاريا في 22 اوكتوبر عام 1811 لآدم وآنا ليست، والده آدم كان يعزف البيانو والكمان والتشيللو والغيتار، كان بخدمة الأمير نيكولاس الثاني وكان يعرف هايدن وهمل وبيتهوفن شخصياً، منذ عمر السادسة بدأ ليست بالأستماع لعزف والده على البيانو وأظهر اهتماماً بالموسيقى المقدسة والموسيقى الغجرية، بدأ والده بتعليمه العزف منذ أن كان عمره سبع سنوات وبعد عام فقط بدأ ليست بالتأليف المبدأي.

في فيينا تلقى ليست دروساً من كارل تشيرني والذي عندما كان شاباً كان طالباً عند كل من بيتهوفن وهمل، وأيضاً تلقى دروس بالتأليف من انطونيو سالييري الذي كان وقتها المدير الموسيقي في فيينا، أول ظهور علني له في فيينا عام 1822 وجد نجاحاً كبيراً وتلقى الكثير من الدعم من الأرستقراطيين النمساويون والهنغاريون وحتى التقى بيتهوفن وشوبرت، وتقول الاسطورة أن بيتهوفن قبل ليست على جبينه عندما كان ليست طفلاً بعد أن عزف له مقطوعة بيتهوفنArchduke Piano Trio من الذاكرة مع الأجزاء المفقودة من الكمان والتشيلو مضافة، وفي هذا اللقاء كان بيتهوفن مصاب بالصمم فتابع أصابع ليست واللحن يسير في رأسه، على الأقل هكذا يقال على لسان العازفة Ilka Horovitz-Barnay والتي روت هذه الحادثة بعد أن أخبرها ليست بنفسه.

بعد وفاة والد ليست عام 1827 انتقل هو والدته إلى باريس ليمضيا خمس سنوات سويةً، وهنا اضطر ليست لترك التجوال وإعطاء الدروس ليؤمن الدخل وهذه الفترة كانت عصيبة عليه نوعاً ما الأمر الذي جعله يأخذ الشرب والتدخين عادة يومية.

وقع ليست في غرام إحدى طالباته وهي Caroline de Saint-Cricq ابنة وزير التجارة في وقتها، لكن والدها أصرَّ على فسخ علاقتهما، بعد هذا مرض ليست مرضاً شديداَ ودخل في فترة طويلة من التشاؤم والتشكك الديني.

لاحقاً، عوض ليست افتقاره للثقافة والتعليم العام بالقراءة وأيضاً تعرف على أهم الأعلام الأدبية والفنية في عصره مثل Victor Hugo وHeinrich Heine وAlphonse de Lamartine، في هذه الفترة لم يؤلف شيء حتى عام 1830 حيث ألهمته ثورة تموز ليؤلف السيمفونية الثورية.

التقى ليست ب Hector Berlioz عام 1830 في الليلة التي سبقت العرض الأول لسيمفونية بيرليوز Symphonie Fantastique، وترك بيرليوز أثراً كبيراً على ليست خاصة عندما بدأ ليست بالتأليف للأوركسترا.

بعد حضور حفل خيري في 20 أبريل 1832 في باريس أحياه نيكولو باغانيني لضحايا وباء الكوليرا الباريسية أصر ليست على أن يتفن البيانو كما اتقن باغانيني الكمان، وفي هذا الخصوص نذكر بأن ليست ولشدة تأثره بباغانيني أعاد كتابة أعمال ألفها باغانيني لتصبح للبيانو مثل لاكامبانيلا والكابير رقم 24 (الذي أصبح اسمه الأيتود 6).

اعتبر الثلاثينات من القرن التاسع عشر فترة ازدهار للبيانو حيث تم في هذا العقد تطوير الكثير من الأساليب وحل العديد من المشاكل التي يواجهها العازف والذي رفع من قيمة الأداء إلى مستويات عالية لم تشهد من قبل وقوة ليست وقدرته على اتقان كل الجوانب التقنية المتعلقة بالبيانو جعلته العازف الأبرز في عصره.

عام 1833 ساعد ليست صديقه بيرليوز الذي أصابه الفقر وبقيت سيمفونيته ال Symphonie Fantastique مجهولة وغير معروفة حتى قام ليست بتأديتها وتحمل نفقات ترويجها، وفي هذه الفترة أيضاً كان ليست يكوّن صداقة مع عازف آخر تأثر به وهو Fredric Chopin ومنه بدأ الجانب الشاعري والرومنسي لليست بالتكون.

عام 1833 بدأ ليست بعلاقة مع الكونتيسة Marie d’Agoult بالإضافة لذلك في نهاية أبريل 1834 تعرف ليست على Felicité de Lamennais وتحت تأثيرها انفجر الجانب الإبداعي من ليست.

عام 1835 تركت الكونتيسة زوجها وعائلتها لترافق ليست في جينيفا ورزقا سوية بثلاث أولاد، عام 1839 سمع ليست بأن هناك تمثالاً لبيتهوفن يشاد في بون ومهدد بالأنهيار لقلة الأموال وسارع بالمساعدة الأمر الذي مهد له بالعودة إلى القيام بجولات من جديد، عادت الكونتيسة مع أولادها إلى باريس بينما قام ليست بإحياء 6 حفلات في فيينا ثم جال هنغاريا.

للسنوات الثمانية القادمة تابع ليست جولاته في أوروبا مقضياً القليل من الوقت مع عائلته في صيف عامي 1841 و1843، في ربيع عام 1844 انفصل أخيراً ليست والكونتيسة، وهذه الفترة تعتبر فترة ليست الذهبية كعازف حفلات، وكان يظهر ثلاث إلى أربع مرات أسبوعياً على المسرح وخمن أنه ظهر أكثر من ألف مرة في هذه الثمان سنوات، شهرته الواسعة كعازف بيانو كانت كلها مبنية على هذه الفترة الذهبية.

بعد عام 1842 أصيبت أوروبا بهوس ليست، والاستقبال الذي كان يحظى به ليست لا يوصف إلّا بالهيستيري فالنساء تقاتل على مناديله الحريرية وقفازاته المخملية ومزقوها إرباً للاحتفاظ بها كتذاكر.

وكان ليست يشحن هذه الأجواء بشخصيته الساحرة وحضوره المسرحي الكبير، ونقل عن شهود أن ليست أثار مزاج الجماهير داخل حفلاته إلى مستويات النشوة!

بدأ كل أداء من خلال إزالة زوج من القفازات البيضاء بشكل احتفالي وكان يعمل دائماً على إبقاء بيانو ثاني على خشبة المسرح بحيث يمكن المتفرجين أن يُعجبوا بعزفه من كل زاوية يمكن تصورها، وكذلك كان يعبث مع جمهوره حيث كان يأخذ منهم نغمة ما ويحولها إلى سلسلة ارتجالية تحبس الأنفاس.

وكان ليست يهتم بالقضايا الإنسانية والأمور الخيرية كثيراً، حيث أنه وبمنتصف عقده الخامس جمع كماً من المال كان هائلاً لدرجة أنه بعد عام 1857 كل الأموال التي جمعها من حفلاته كانت تذهب إلى الفعاليات الخيرية، سبق وذكرنا مساهمته في تمويل تمثال بيتهوفن وساهم أيضاً في دعم مشاريع أخرى مثل المدرسة الوطنية الهنغارية للموسيقى وكاتدرائية كولونيا وبناء نادي في دورتموند وبناء ليوبولد في مدينة بيست، كان هناك أيضاً تبرعات خاصة للمشافي والمدارس والمنظمات الخيرية مثل صندوق المعاشات التقاعدية لعازفي لايبزغ، وعندما اكتشف حريق كبير في هامبورغ والذي استمر لمدة ثلاثة أسابيع خلال شهر مايو 1842 ودمر جزء كبير من المدينة، قدم ليست الحفلات لمساعدة آلاف المشردين هناك.

في شباط 1847 دخل ليست في منعرج جديد في حياته حيث التقى الأميرة CarolynezuSayn-Wittgenstein عندما كان يعزف في كييف حيث أقنعته بالتركيز على التأليف وهذا ما أجبره على ترك حياة التجوال والتأدية، وبعد جولة شملت دول البلقان وتركيا وروسيا أدى ليست آخر حفل مدفوع له في مدينة يليسفيتغراد في روسيا في أيلول، وقضى شتاء ذاك العام في مكان إقامة الأميرة في فورونينس، وبهذا يكون ليست قد أنهى حياته كعازف حفلات بعمر ال 35 وهو بقمة عطائه محافظاً على أسطورته كعازف دون أن تشوبها شائبة.

في السنوات التالية استقر ليست في مدينة فايمار في ألمانيا حيث شغل منصب الصانع الموسيقي كما عمل كقائد أوركسترا وأعطى دروس بيانو لعدد من العازفين، كما كتب مقالات يمجد فيهم بريليوز وريتشارد فاغنر.

عاشت الأميرة كارولين مع ليست خلال إقامته في فايمار وكانت تنوي الزواج به ولكن بسبب تعقيدات الكنيسة وبسبب أن زوجها الأول مازال على قيد الحياة رفض طلبها، ولكن بعد إقناعات كثيرة بأن زواجها الأول كان فاسداً أخذت الموافقة مؤقتاً، حُدد موعد الزواج في 22 أوكتوبر 1861 في روما يوم عيد ميلاد ليست الخمسون، وقبل يوم من الموعد تم إلغاء الزواج بسبب ضغوطات من زوجها وكذلك من القيصر الروسي بذاته على الفاتيكان، وحجزت الحكومة الروسية على الكثير من عقاراتها في أوكرانيا البولندية الأمر الذي جعل زواجها في وقت لاحق لأي أحد غير ممكن.

ستينات القرن التاسع عشر كانت فترة حزن كبيرة في حياة ليست، ففي 13 كانون الأول 1859 خسر ليست ابنه دانيل البالغ من العمر 20 و في 1862 خسر كذلك ابنته بلاندين البالغة من العمر 26، وفي رسائل أرسلها لأصدقائه أعلن أنه سوف ينسب إلى العيش المنعزل وهذا ما وجده في دير مادونا ديل روزاريو الواقع خارج روما قليلاً، وهناك انعزل ليست إلى الحياة الدينية وحتى أنه أصبح قساً وألف الموسيقى الدينية، وأدى أعمال دينية لباخ وهايدن وبيتهوفن ومندلسون.

من بعد عام 1871 أدى ليست رحلات دائمة بين روما و فايمار و بودابيست متمماً ما أسماه بالوجود المثلثي، قُدر أن ليست كان يقطع مسافة 4000 ميل كل عام في هذه الفترة من حياته وهو رقماً استثنائياً إذا قدرنا تقدمه في السن وقسوة الطرق والسكك الحديدية في ذاك الزمن.

في 2 تموز 1881 وقع ليست عن درج داخل فندق في فايمار، رغم أن عائلته وأصدقائه قد لاحظوا تورماً في قدميه من قبل الحادثة بشهر وهو دليل على قصور قلب احتقاني، ولكنه كان بصحة جيدة وصولاً لتلك الحادثة، و قد بقي ثمان أسابيع غير قادر على الحركة بسبب ذلك السقوط ولم يتعافى كلياً منه.

وأصيب بالعديد من الأمراض متل الربو والأرق والتوذم و أصيبت عينه اليسرى بالساد، وكان المرض القلبي هو الذي ساهم أخيراً في وفاته، وقد زاد مرضه نتيجة انشغاله بمشاعر من الخراب و اليأس و التفكير بالموت.

توفي ليست في 31 تموز 1886 في مدينة بايرويث بألمانيا عن عمر ناهز ال 74 عاماً، كان السبب الرسمي هو الالتهاب الرئوي، وقد تم طرح التساؤلات حول ما إذا كان سوء الممارسة الطبية لعبت دوراً في وفاته.. دفن في 3 آب عام 1886، في المقبرة البلدية من بايرويث وفقاً لرغباته.

المؤلف “Camille Saint-Saëns” وهو صديق قديم، والذي دعاه ليست مرة بأنه "أعظم عازف أرغن في العالم"، كرّس له سمفونيته رقم 3 "سمفونية الأرغن"، و قد قدمت لأول مرة في لندن قبل بضعة أسابيع فقط من وفاة ليست.

سنتحدث في الجزء الثاني عن موسيقى ليست وعزفه.

نماذج من أهم أعماله:

Piano Concerto no.1:

Hungarian Rhapsody no.2:

Hungarian Rhapsody no.6:

Faust-Symphonie:

Piano Sonata in B minor:

Mephisto Waltz no.1:

La Campanella:

Etude No.6:

Liebesträumenotturno for piano No. 3 in A flat major:

Liszt Three Concert Etudes S.144 No.3 "UnSospiro" (Hamelin):

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

- Classical Music General Editors: John Burrows من شركة DK