البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

هل من الضروري إجراء التجارب على ذكور حيوانات التجارب وإناثها؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

بالرغم من أنَّ الفروق َبين الجنسين جوهرُ علم الحياة، إذ تُعدُّ القوةَ الدافعةَ للتطور وأساساً لمجالي الطب والصحة في كثير من الحالات كما أنَّ دراسة الفروق الجنسية عملٌ مهمٌ يجب القيام به، إلا أنَّ التوجه الجديد للمعاهد الصحية الوطنية وجد أنّ البحث في الفروقات الجنسية هو أساس التوجهات الخاطئة، فخطةُ العمل التي تتطلب تمويلاً للأبحاث التي تتطلب استخدام عددٍ متساوٍ من ذكور الحيوانات وإناثها أو الخلايا أمرٌ متعلِّق بخطة العمل ذاتها وليس بالعلم.

كتبت كلٌّ من نيتا لوي Nita Lowey ممثلةُ ولاية نيويورك، وروزا ديلارو Rosa Delauro ممثلة ولاية كونيتيكيت، إلى مدير المعهد الصحي الوطني فرانسيس كولنز Francis Collins، معربتين عن قلقلهما بأنَّ صحة النساء تتعرض للخطر، وذلك لأنَّ الأبحاث الطبيةَ الحيوية عادةً ما تُفضِّل استخدام ذكور الحيوانات في تجاربها، وعلى ما يبدو أنَّه قد استُجيب لرسالتيهما، فقد أعلن كولنز وجانين كلايتون، وهو المدير المساعد في البحوث المتعلقة بصحة المرأة في المعهد الصحي الوطني NIH، أنَّ جميع الاختبارات المموَّلة من قبل الشركة يجب أن تتم على عدد متساوٍ من ذكور الحيوانات وإناثها أو الخلايا، والكشف عن الفروقات بين الجنسين فيها.

كنظرةٍ أولية، تبدو هذه الفكرة منطقية بما يكفي: لم لا نُدخل الذكور والإناث في كل دراسة؟ لكن الإجابة عن هذا التساؤل هو أنَّ في ذلك هدرٌ كبيرٌ للموارد! فمثلاً، إذا أراد عالم أن يختبرَ علاجاً لضغط الدم، سيختبرُ المركبَ الجديد على مجموعة من جرذان التجارِب (المجموعة التجريبية)، فيما سيُقدم حبوبَ السكر لمجموعة أخرى (المجموعة الشاهدة)، وبعد إجراء التجربة، يقيس الباحثون متوسطَ ضغط الدم لكلا المجموعتين بالإضافة إلى مجموعة التباينات القريبة من المتوسط. هذه التباينات التي تتوزع بشكل جرسي لها أهميتها في العادة، فكلما زادت النتائج، صَعُب الحصول على اختلافات مفيدة بين المجموعة المختبرة والشاهدة. ولذلك فقد وجّه العلماء تركيزَهم نحو تقليل هذا التباين باستخدام نسل معين مثلاً من الحيوانات التي لها العمر نفسه، وغالباً الجنس نفسه (ذكور أو إناث استناداً إلى أيّ منهما سيقلل من التباين في تجربة معينة).

فإذا ما اضطر العلماء إلى إضافة عاملٍ آخر -وهو الجنس- إلى تجارِبهم فإنَّ حجم العينة سيقسم إلى النصف، بالإضافة إلى أنَّ التباينَ سيزداد، وكلا الأمرين سيحُدّان من قدرة الباحثين على كشف الاختلافات بين المجموعتين المختبَرة والشاهدة. والسبب بسيطٌ جداً وهو أنَّ الذكورَ يختلفون عن الإناث. وبالنتيجة، عند وضع الإناث والذكور، قد يفشل العلماء في الكشف عن التأثير المفيد للدواء الذي يقلل من ضغط الدم مثلاً في الذكور والإناث على حد سواء.

علّق المسؤولون الرسميون في المعهد الصحي الوطني حول استبعاد العلماءِ الإناثَ بحسب "الاتفاقية"، أو لتجنب التباين الذي تسببه الدورات الهرمونية للإناث بأنَّ هذا التبريرَ لا يُعدُّ دقيقاً، فلدى العلماء حوافزُ عمليةٌ وماليةٌ هائلة لاستخدام كلا الجنسين في دراستهم، وبفعلهم هذا ستنخفض تكاليف الحيوانات إلى النصف. أما بالنسبة للحيوانات المعدلة وراثياً ونظراً لأنَّها نادرة وصعبة التكاثر ويمكن أن يكلِّف الواحد منها آلاف الدولارات، لذلك يُستبعَد أحد الجنسين من الدراسة عندما يكون ذلك ضرورياً، أي عندما يكون هناك سبب للشك في أنَّ النتائجَ ستختلف بين الجنسين لأسباب قد تكون تافهة، مثل أنَّ الجرذ الذكر يمكن أن يركض في المتاهة بسرعة أكبر من الأنثى.

من المهم جداً فهم الاختلافات البيولوجية بين الجنسين، لكنَّ هذا الفهمَ أكثرُ تعقيداً مما قد يقترحه المعهد الصحي الوطني، فتعديل التجارب بحيث تتضمن الذكور والإناث يُكَلف أموالاً ويتطلب ضعف الوقت والجهد، هذا الوقت الذي قد لا يملكه الباحثون لتضييعه، وقد يكون من الأفضل أن يُقضى في إجراء أبحاث أخرى، وهذا نادراً ما يكون عملياً أو مبرراً علمياً.

هناك طريقة أفضل بكثير، وهي تمويل أبحاث مصممة خصيصاً لدراسة الفروق بين الجنسين، فالعلماء سيتجاوبون إذا ما قام المعهد الصحي بعمل بحوث عن الجنس وتخصيص المال لدعمها. فمثلاً قامت حكومة أوباما برصد 4.5 بليون دولار لمبادرة الدماغ، الأمر الذي أطلق العنان لسيل من أبحاث الدماغ، أما في ولاية جديدة فقد حدث العكس تماماً، إذ أُجبر جميع الباحثين على دراسة الجنس بغض النظر عن أهداف دراساتهم، دون تقديم أي تمويل إضافي لذلك.

إذاً ما يزال موضوع دراسة الجنسين في كل تجربة علمية موضع جدل في العالم، فماذا تعتقدون برأيكم، هل إدخال ذكور حيوانات التجارب وإناثها في كل اختبار هو مضيعةٌ للوقت والمال؟ أم هو ضرورة علمية يجب تطبيقها نظراً للاختلافات المعروفة بين الجنسين؟

المصدر: هنا