البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

الدودة المنغوليَّة العِملاقَة، حقيقةٌ أم زِيف؟

دودةٌ بطول متر، تُطلق السموم، وتَصعق بالكهرباء! الكثيرون على اختلاف أزمنتهم وأماكنهم أعطوا وصوفاً متشابهةً لها، فهل يُعقَل أن تكون حقيقية؟!

كان أحدهم يقطع صحراء "غوبي" الواقعة في منغوليا، كلّ شيءٍ بدا طبيعياً، وفجأةً قفزت أمامه دودةٌ عملاقةٌ بطول مترٍ لها ما يشبه المسمار أو الشوكة عند نهايتيها وبدأت تطلق عليه السموم، لكنّه لم يمت فأخذت تصعق هذا الشخص تعيس الحظ بالكهرباء إلى أن قتلته.

حسناً، ما هذا الذي أتحدّث عنه؟! لا بدّ أنني لست بكامل قواي العقلية! دودة، كهرباء..

إنّ هذا الكلام هو وصف بعض سكان منغوليا لدودةٍ بهذه المواصفات، لكن هل هي حقيقة؟ سيقول البعض نعم، فأوصاف الدودة هي ذاتها باختلاف المصادر، أي أنّ كل الناس الذين يدّعون مشاهدة الدودة يصفونها بنفس الطريقة وبالتالي لا بدّ أن تكون حقيقةً وليست من محض خيالهم، لكن ما هو كلام العلم في هذا الصدد؟!

يسمّيها السكّان المحليّون "أولغي كولكولي" أو بما يمكن أن نترجمه بشكلٍ غير دقيق بـ "دودة الأمعاء الغليظة"، دودةٌ تختبىء تحت الرمال وتقتل بالسمّ والكهرباء، يعتبرها بعض السكان المحليين كما ذكرنا حقيقةً بينما اعتبرها عالم الأحياء القديمة روي شامبان أندرو حيواناً خرافياً وذلك عام 1926..

لكن ألا يبدو أن العالِم قد قدّم رأياً لا دليلاً. حسناً، لن أناقش كلام العالم بل سأبدأ بالمناقشة العلمية..

بغية العثور على وحش الصحراء هذا، انطلق المكتشفون الشجعان يجوبون أنحاء الصحراء، ووصلت البعثات العلمية سواءً المستقلّة أو المرتبطة ببرامج التلفاز. حتّى أنّ البعض نصب الأفخاخ علّه يكون سعيد الحظ ويوفّق إلى اصطياد هذه الدودة، لكن الجميع عاد بخفّي حنين.

إذاً، نحن لا نملك دليلاً علمياً على هذه الدودة، فبماذا يردّ مناصروا وجودها؟ إنهم لا يدّعون وجود الدليل، لكنهم يقولون أن الأساطير والقصص لا بد وأن يكون لها أساسٌ مستمدٌ من الحقائق التاريخية، فالروايات التي تتحدّث عن هذه الدودة متشابهةٌ باختلاف الزمان والمكان، فكيف نفسّر التشابه إن لم يكن مصدر الرواية حقيقياً، أي أن الدودة حقيقة؟!

أولاً، نسي أصدقاؤنا أن معظم هذه الروايات منقولةٌ عن أشخاص تحدّثوا إلى من شاهدها وليس روايةً ممن شاهدها فعلاً، ثانياً (واستناداً إلى ما قلنا الآن) فإن هذه الروايات والقصص الشعبية تنتشر عن طريق السفر والتجارة، فأيّ شخصٍ يستطيع أن يصف التنّين أو حورية البحر لكن ليس من المشاهدة الشخصية بل من نقلها عن غيره(وهذه الوصوفات حول التنانين متشابهة).

ثالثاً، إذا لم نتمكّن من مشاهدة هذه الدودة، فربما شاهدنا جثّة الميّت منها أو على الأقل بقاياها ، لا سيما أن رياح غوبي الحارة ستحميها من التحلل، لكننا لم نشاهد شيئاً من ذلك.

رابعاً، لا بدّ وأنّ السكّان المحليين لتلك المناطق التي يفترض بالدودة أن تتواجد فيها، لا بدّ وأنهم يعرفون مقدار الاهتمام بها والجوائز النقدية المعروضة لمن يأتي بواحدةٍ حيةً أو ميتة! فلو وجدوا شيئاً لانتشر هذا الأمر بسرعةٍ.

الدودة من وجهة نظرٍ بيولوجية: ما هو رأي علم البيولوجيا بهذه الدودة؟

حسناً، يجب ألا نُخدع بكلمة "الدودة" لأنها قد تكون نجمت عن الترجمة من اللغة المحلية، أي أن هذا الكائن قد يكون ثعباناً أو سحليةً عديمة الأرجل وبالتالي من الفقاريات لذا قد يعثر عليه الباحثون.

وقد يكون هذا الكائن نوعاً غير مكتشفٍ أو تحديداً خاطئاً لنوعٍ من الكائنات (أي أن من شاهدها قد التبس عليه الأمر). قد يكون الحيوان المقصود هو "السحلية الدودة" التي تختبىء تحت الرمال وتصل لطولٍ مشابهٍ لدودتنا الافتراضية، أو نوعاً من الثعابين السامة.

لكنْ حتّى هذا الافتراض لا يبدو فعالاً، فعلى الرغم من وجود تشابهاتٍ بين الدودة المنغولية والحيوانات التي رشّحناها إلا أن العديد من صفات الدودة لم تطابق صفات الحيوانات التي اقترحناها! فالصعق بالكهرباء هو من ميزات الحنكليس "ثعبان البحر" ناهيكم عن بعض الإدّعاءات التي تقول أنّ المواد الكيميائية التي تطلقها هذه الدودة تؤدي إلى تآكل المعادن (وهو أمرٌ مستحيلٌ فيزيائياً)، فهل الأفعى السامة تطلق هذه المواد؟! إن المواد التي تطلقها ـأي الأفعى السامة- هي ضارةٌ وقد تسبب العمى لكنها ليست حمضيةً وبالتالي لا تستطيع أن تسبب ما تسببه الدودة للمعادن -إن وجدت أصلاً-.

وأخيراً، قد تكون هذه الدودة موجودةً فعلاً! مهلاً هل أقول باحتماليّة وجودها بعد كل ما سردته؟! نعم، قد تكون موجودة، فقد يكتشف العلماء غداً أو بعد غدٍ أو بعد سنةٍ أو بعد.. من يعلم، قد يكتشفونها يوماً ما، لكن وإلى ذلك الوقت، فإن هذه الدودة هي خرافية..

المصدر: هنا