الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

العقل الناقد: معيار التحقق من صحة المعلومات

عندما كنّا صغاراً صدّقنا أي شيء، خاصة ما يقال في المدارس، كلام كبار السن، كلام السلطات، التلفزيون، والآن مع الثورة التقنية لدينا يوتيوب، مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت. ونحن في كل يوم نواجه بحراً من المعلومات يتدفق باتجاهنا فكيف نميز بين المعلومة الصحيحة والمعلومة الخاطئة؟

إليكم بعض الأسئلة التي من المفيد أن نطرحها على أنفسنا قبل تصديق أي معلومة:

أولاً- ما مدى موثوقية مصدر المعلومة؟

الموثوقية تعني سلامة المعلومات وخلوها من الأخطاء، وأول الأسئلة التي يجب طرحها ما مدى موثوقية المصدر؟

علينا أن نلاحظ أن كافة المصادر تقدم معلومات خاطئة أحيانا وهذا شيء طبيعي، ولا يمكن للمعلومات أن تكون صحيحة على الدوام، ولكن من الجائز أن تكون هذه الأخطاء مبعثرة في الاتجاهات كافة وليست جميعها تدعم وجهة نظر معينة او نظرية أو رأي ما وإلا حينها سيتم التشكيك في المصدر بأنه ينتقي المعلومات التي تميل نحو معتقد ما.

ثانياً- هل يقوم المصدر بادعاءات مشابهة؟

على سبيل المثال بعض الذين يؤمنون ببعض الخرافات كوجود الأشباح تراهم يؤمنون ويسوقون لأفكار أخرى كوجود الأطباق الطائرة والبيوت المسكونة وغيرها، ولكن اكتشاف أثر طبي لعشبة ما لا يعني الإيمان بكل ما يقدمه الطب البديل، وعلينا أن نكون منفتحين تجاه الأفكار الجديدة ولكن ليس بطريقة نخسر فيها عقلنا الناقد.

ثالثا- هل تم التحقق من الادعاء من قبل جهة أخرى؟

عندما يقدم المصدر ادّعاء جريء، يجب أن يكون هناك قدرة على اختبار هذا الادعاء ويجب أن يوفر المصدر المعلومات الكافية التي تمكن أي جهة من اختبار صحة المعلومات والذهاب إلى المخابر والقيام بالتجارب كما قام المصدر وعندها يجب أن يحصلوا على نفس النتائج، ولعل أشهر مثال على هذه النقطة عندما قام "بون" و"فلايشمان" عام 1989 بعقد مؤتمر صحفي حول امكانية القيام بالاندماج النووي البارد وادّعوا انه يمكن عمل ادماج نووي بارد في قنينة على الطاولة وهذا سيحل أزمة الطاقة، ولكن لم تستطع أي جهة القيام بالتجربة والتأكد من ذلك مما اشار وقتها الى وجود خطب ما في صحة الأمر.

رابعا- هل يتناسب الادعاء الذي قام به المصدر مع الطريقة المنطقية التي تسير بها الأمور في العادة؟

كلنا قد سمع برسائل البريد الالكترونية حول أن هنالك ارث بقيمة 20 مليون دولار وبأنك أن أرسلت لهم بعض المال ليتمكنوا من اكمال الأمور القانونية في نيجيريا سيرسلون إليك نصف المبلغ!! هل حقا تجري الأمور هكذا؟ ترسل بضع دولارات لأحد ما فيرسل إليك بمليون دولار!! كن واقعيا... مثال أخر: قضية الأهرامات كلنا سمع الادعاء القائل بأن الأهرامات معقدة جدا وأن المصرين ليسوا هم من بناها، لوكان شعب آخر قد بناها كنا قد وجدنا أثار وبقايا لهم في منطقة الأهرامات، بينما المصريون يملكون عمالة رخيصة ووقت طويل ولم يكن هنالك أمطار تفسد عملهم وكل ما يوجد في منطقة الأهرامات يعود لهم.

خامسا- هل حاول أحد نقض الادعاء أو إثبات العكس؟

إن محاولة نقض الادعاء قد توصل إلى حقائق وأفكار جديدة لم يفكر بها صاحب الادعاء فإما أن يحاول المدعي نفسه نقض أفكاره أو أن غيره عليه فعل ذلك ليتمكن من رؤية موضوعية شاملة للقضية المطروحة وهذه المحاولة للنقد الموضوعي هي التي تحقق لنا التقدم والكشف أكثر.

سادساً- إلى أين تشير غالبية الأدلة المرجحة؟

عندما يكون هناك نظرية " إكس" ويطرح أحدهم سؤال لا تجيب عنه النظرية فهذا ليس بالضرورة عيب في النظرية في حال كانت تجيب عن 10000 سؤال آخر... فكل نظرية أو نموذج تملك بعض الفجوات، فالعلم كحل لغز جريمة، المجرم لن يتكلم أبدا، فعلى المحققين أن ينظروا إلى أي اتجاه تشير معظم الأدلة.

سابعا: هل يقوم المدعي باتباع قوانين العلوم؟

علينا أن نرى هل يستخدم المدعي المنطق والعقلانية والأدلة التجريبية والاختبار وتماسك الأدلة؟ أم يقدّم ادعاء لمجرد الادعاء؟ على سبيل المثال لنقارن بين مؤيدين فكرة الصحون الطائرة وبين أعضاء جماعة "سيتي" (الباحثون عن ذكاء خارج الكوكب)، كلا الطرفين مهتمين بالكائنات الخارجية.. إلا أن الجماعة الأولى ليسوا من العلماء ولا يتبعون طريقة علمية ولا يقومون بالتجارب ولا يحاولون أن ينقضوا ادعاءاتهم بالبحث عن تفسيرات أخرى، بينما أعضاء جمعية "سيتي" علماء متمرسون يتبعون المنهج العلمي ويقومون بالتجارب. وعلى الرغم أن للطرفين نفس الاهتمام فنحن نعتبر أحدهما علم والأخر علم زائف.

ثامنا: هل يقدم المدعي أدلة إيجابية؟

هل يقدم صاحب الادعاء أدلة تدعم نظريته أم هو فقط يرفض أدلة النظرية المقابلة؟ من السهل أيجاد المشاكل التي تعاني منها نظرية الطرف الأخر ولكن دحض النظرية المقابلة قد لا يكون كافياً لإثبات نظريتك ويجب أن تقدم أدلة إثباتيّة تدعم صحة نظريتك.

تاسعا- هل يفسر الادعاء جميع الظواهر التي تفسرها الظاهرة القديمة التي يحاول الادعاء الجديد دحضها؟

الكثير من العلماء الجدد الزائفين يأتون بنظريات جديدة لتفسير الحالات الشاذة التي لم تفسرها النظريات الأقدم، لكن السؤال الأهم هل تفسر النظرية الجديدة كل الظواهر التي لم تفسرها النظرية الأقدم؟

عاشراً - هل الاعتقادات الشخصية هي ما يقود الادعاء؟

هل الاعتقادات الشخصية هي ما يقود الأبحاث أم العكس؟ البشر لديهم انحيازيات، كانحياز التوكيد الذي يدفعنا لإثبات الشيء الذي نؤمن بصحته مسبقا ونتجاهل الأدلة المكذبة للادعاء، على سبيل المثال مجموعة من العلماء التابعين لشركة صناعية أو تجارية سيكونون ميالين لإثبات أن الاحترار العالمي مسألة لا وجود لها.

إن هذه الأسئلة تمكننا من امتلاك منهجية للتفكير تساعدنا على وضع الادعاءات في مكانها الصحيح والتحقق من صحة المعلومات، وتبعدنا عن سرعة التصديق الساذج للادعاءات الباطلة.

المصدر: هنا

تعريف بكاتب المقال الأصلي: مايكل شيرمر

مايكل برانت شارمر (بالإنجليزية: Michael Brant Shermer) (المولود بتاريخ 1954 غلينديل، كاليفورنيا) صحفي أمريكي مختص في العلوم وتاريخها، وهو مؤسس جمعية الارتياب العلمي، ورئيس تحرير مجلة سكبتيك (Skeptic) والتي تكرس جهودها في التحقيق وكشف العلوم الزائفة وادعاءات خوارق الطبيعة. تضم الجمعية في صفوفها اليوم أكثر من 55 ألف عضو. "ويكيبيديا"

مصدر الصورة: هنا