التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

8 حقائق قد لا تعرفها عن قانون حمورابي

"في ذلك الوقت نادتني الآلهة، أنا حمورابي الخادم التي سُرّت من أعماله،... و الذي كان عوناً لشعبه في الشدائد ، أن أمنع الأقوياء أن يظلموا الضعفاء و أنشر النور في الأرض " . هذا ما خطه الملك حمورابي في مقدمته عندما شرّع قوانينه في القرن الثامن عشر قبل الميلاد .فقام بصياغة قائمة من 282 قانوناً حددت معايير العدالة لإمبراطوريته في بلاد ما بين النهرين. هذه القوانين حُفرت على عمود من الديوريت بطول حوالي مترين، فشملت كل تفاصيل الحياة من حقوق الملكية والسلوك الإجرامي والعبودية والطلاق، كما نصّت بعقاب قاسٍ لجميع من يتخلف عنها. لقد ساعدت هذه القوانين المشهورة التي تعود إلى ما قبل العهد التوراتي في صياغة شكل الحياة البابلية خلال عهد حمورابي، ولكن أثرها قد تردد منذ العصور القديمة وحتى آلاف السنين بعدها. و بالبحث و القراءة عن التاريخ المذهل لأهم إحدى تشريعات العصر القديم نكتشف إنها:

1- ليست أول قانون عرفته البشرية

غالباً ما تُعرف قوانين حمورابي على أنها أقدم قوانين مكتوبة في سجلات، غير أنها كانت مسبوقة بمجموعتين قديمتين من قوانين السلوك من حضارات الشرق الأوسط الأقدم ،وضعت من قبل الحاكم السومري أور نامو من مدينة أور، تعود إلى القرن الواحد والعشرين ق.م، كما تظهر الأدلة أيضاً أن قانون ليبيت عشتار السومري من مدينة إيسين قد نُصّ منذ حوالي قرنين قبل صعود حمورابي إلى السلطة. ومن الملفت للنظر أن الشريعتين تتشابهان إلى حد بعيد مع وصايا حمورابي في الأسلوب والمضمون، مما يُفسر بأن هذه القوانين جميعاً قد تأثرت ببعضها البعض أو قد تكون حصيلة تطور من مصادر متشابهة.

2-احتوت هذه القوانين على الكثير من أشكال العقاب الغريبة والمريعة

تعد قوانين حمورابي من أشهر الأمثلة على قاعدة "قانون الجزاء" وهو شكل من أشكال العدالة الإنتقامية عادة ما تكون مصحوبة بعبارة "العين بالعين". في هذا النظام ، إذا كسر رجل عظمة رجل آخر مساوي له، تُكسر عظمة المعتدي بالمقابل. في هذه الأثناء كانت الجرائم الكبيرة غالباً ما تُقابل بأشكال مريعة من عقوبة الإعدام. إذا تم القبض على أم وابنها يقومان بسفاح القربى، يحرق الاثنان حتى الموت. إذا اشترك زوج من محبي المكائد في تدبير مؤامرة لقتل زوجاتهم، يعدم الاثنان بالخازوق. حتى الجرائم البسيطة نسبياً كانت لتكلف المعتدي مصيراً مرعباً. على سبيل المثال: إذا ضرب أحدهم أباه، يقضي القانون بقطع أيدي الابن.أما فيما يخص الجرائم التي لا يمكن إثباتها أو عدم إثباتها بالدليل الدامغ (كالإدعاء على السحرة)، كان القانون يسمح بتطبيق "المحاكمة بالتعذيب" وهي ممارسة غير معتادة حيث يتم وضع المتهم في ظروف مميتة كطريقة لتحديد برائته. كما ينص القانون على أن المتهم الذي يقفز في النهر ويغرق، تعود ملكية منزله إلى المتهِم. ولكن إذا أنقذت الآلهة الرجل الذي قفز في الماء (المتهَم) وسمحت له بالنجاة دون أذى، يتم إعدام المتهِم، وتعود ملكية منزله إلى المتهَم.

3- اختلفت القوانين بحسب الجنس أو الطبقة الاجتماعية

انحازت قوانين حمورابي للعدالة بشكل صارم، لكن غالباً ما ارتبطت هذه الصرامة بهوية كلاً من الجاني والضحية. في حين كان القانون يتضمن التالي : "الرجل الذي يكسر أسنان رجل مساوٍ له، تكسر أسنانه" كان القيام بنفس الجرم لرجل من طبقة أدنى يعاقب عليه بدفع غرامة. بعض القوانين كانت تنص على عقوبات أوضح من حيث التمييز الطبقي. إذا قتل رجل جارية حامل يعاقب بدفع غرامة مالية، ولكن إذا قتل حرة حامل يعاقب بقتل ابنته. نص القانون أيضاً على عقوبات للرجال والنساء فيما يخص الخيانة الزوجية. كان يحق للرجال علاقات زوجية متعددة مع الجواري والخادمات والأمات، لكن من يقوم بعلاقات غير شرعية مع عشيقات كان يقيد ويرمى في نهر الفرات مع عشيقاته .

4-وضع القانون حد أدنى لأجر العمال

يعد قانون حمورابي سابقاً لعهده بأبعاد مختلفة بحيث نص قوانين فيما يخص الطلاق، حقوق الملكية ومنع زواج الأقارب، ولكن لعل تشريع قانون يضمن حد أدنى لأجور العمال يكون الأكثر تطوراً. العديد من المراسيم في القانون ذكرت حرف ومهن معينة كما فرضت مقدار المال المدفوع للعمال. كان يضمن لعمال الحقول ورعاة الماشية أجر معين، عبارة عن "ثمانية غورات من القمح في السنة" كما كان حراث الأرض والبحارة يتلقون ستة غورات. في حين كان الأطباء يتقاضون خمس شيكلات لعلاج رجل حر من كسر في العظم أو إصابة أخرى، ولكنهم كانوا يتقاضون ثلاث شيكلات فقط لعلاج عبد محرر و شيكلين لعلاج عبد.

5- يمثل القانون أحد أقدم أشكال "التسليم بالبراءة"

بالرغم من سوء سمعة قوانين حمورابي بسبب ما تحتويه من عقوبات بربرية، كانت السباقة في وضع وصايا قانونية قيّمة لا تزال موجودة حتى اليوم. تعتبر وثائق حمورابي واحدة من أقدم الوثائق القانونية التي وضعت مذهب "بريء حتى تثبت إدانته". في الواقع، كان القانون قاسٍ فيما يخص مطالبة المتهِم بالإتيان بدليل عندما يقول : "إن تقدم أحدهم بالإبلاغ عن أي جريمة أمام الشيوخ، ولا يقوم بإثبات ما تقدم به، يعاقب بالإعدام في حال سبب إبلاغه إهانة كبيرة للمتهم." كما تضمن القانون شكلاً حديث للإجراءات القضائية. فمثلاً: عندما يحدث نزاع بين طرفين، كان البروتوكول يسمح لكلا الطرفين بعرض قضاياهم أمام قاضي وتقديم الأدلة والشهود التي تدعم موقف كل طرف.

6- لا يزال المؤرخون غير متأكدين من الدور الذي لعبه قانون حامورابي في الثقافة البابلية

تقدم قوانين حامورابي لمحة قيّمة عن الحياة اليومية في بابل القديمة وما قد كانت عليه، لكن تطبيق القانون في المجتمع البابلي مازال موضع نقاش. فقد تكون القوانين مجرد قائمة وصايا معدلة عن قوانين شمولية موجودة أصلاً من قبل حمورابي، لكن هناك احتمال أيضاً أن تكون قد صيغت كمجموعة قوانين جمعت من قضايا من الواقع. بعض المؤرخين ناقش فكرة ألا تكون هذه القوانين قد دخلت حيز التطبيق أساساً، وأنها مجرد جزء من دعاية ملكية اخترعت لتقديس حمورابي كحاكم عظيم. بكل الأحوال تم تطبيق القانون إنما هناك شك بسيط أن العمود الذي كتب عليه القانون قد كتب ليعرض للعامة. ينص القانون في الخاتمة على أن كل رجل يدخل في نزاع ما يمكنه قراءة قانونه بحيث "...يمكنه أن يجد مصائب، وقلبه سيكون مبتهجاً..."

7- دامت القوانين حتى بعد احتلال بابل

بدأت إمبراطورية حمورابي بالتصدع بعد موته عام 1750 ق.م قبل أن تتفكك بشكل كامل عام 1595 ق.م، عندما قام جيش من الحيثيين بنهب بابل والسيطرة على خيراتها. على الرغم من هذا، أثبتت قوانين حمورابي تأثيراً فريداً حتى أنها استمرت كدليل قانوني في المنطقة لعدة قرون، بالرغم من تغير الحكم في بلاد الرافدين مراراً وتكراراً. كما يبدو أن نسخ القانون كان مهمة منتشرة أثناء التعليم في الكتّاب. وقد تم العثور على شظايا من قانون حمورابي مكتوبة على ألواح طينية تعود للقرن الخامس قبل الميلاد، أي بعد أكثر من 1000 عام من حكم حمورابي .

8- لم يتم إعادة اكتشاف القوانين حتى القرن العشرين.

كانت وصايا حمورابي حاجة بالنسبة للعالم القديم، لكن القوانين فيما بعد ضاعت في التاريخ ولم يتم إعادة اكتشافها حتى عام 1901، حيث قام فريق من المنقبين الفرنسيين بانتشال حجر الديوريت الشهير في مدينة سوسا التاريخية في إيران، إحدى مواقع الامبراطورية العيلامية. و يعتقد المؤرخون أن الملك العيلامي شوتروك-ناهونتي قام بسلب الحجر ذو الأربع أطنان ونقله إلى مدينة سوسا كغنيمة حرب أثناء الهجوم على مدينة سيبار البابلية خلال القرن الثاني عشر قبل الميلاد. يُقال أن شوتروك-ناهونتي قد محى عدة أعمدة من المعْلم ليترك مساحة لنقوشاته الخاصة، لكن أية نصوص لم تضاف للمعْلم.أما حالياً العمود محفوظ للعرض في متحف اللوفر في باريس.

هل تعلم ؟

الملك حمورابي هو أحد واضعي القوانين الأكثر تأثيراً المرسومين على إفريز رخامي موجود في قاعة المحكمة الأعلى في الولايات المتحدة. يصور الفنان أدولف أ. واينام على النقش بالإضافة لحامورابي شخصيات مثل : موسى، دراكو، كونفوشيوس، محمد ونابليون .

المصدر:

هنا