الموسيقا > عظماء الموسيقا

يوهانس برامز

استمع على ساوندكلاود 🎧

بمكانته الرفيعة بين مؤلفي الموسيقى الكلاسيكية وكونه واحداً من ما يسمى بالباءات العظيمة الثلاث "باخ، بيتهوفن وبرامز" قد يبدو من الغريب جداً أن نجد يوهانس برامز في موقع الشك والنقد، فلطالما اتهمه البعض بنسخ وتقليد موسيقى بيتهوفن حتى اعتبر بعضهم سمفونيته الأولى بمثابة سمفونية بيتهوفن العاشرة!! ونحن لا يمكننا ان ننكر بأننا نسمع صدى موسيقى بيتهوفن في سمفونيات برامز! ولكن حقيقة ما هو موقع برامز من كل هذا؟ هل يستحق مكانته بين أفضل من ألّف موسيقى في التاريخ أم أنه "وغد، عديم الموهبة" كما قال عنه تشايكوفسكي، ربما لا يحتمل الفن عندنا أحياناً ديموقراطية التذوق إلّا أن هذا لا يغير واقع الحال بأنه لا توجد على الإطلاق شخصية غير قابلة للمس. "ولماذا أهتم اساساً ببرامز؟ لقد كان من حسن حظه أن يساء فهمه في ألمانيا، اعتبروه خصماً لفاغنر (الناس دائما بحاجة إلى خصمين)، أنّه حتى لم يؤلف أعمالاً موسيقية هامة، بل أرغى وأزبد ناشراً الكثير الكثير من المؤلفات (المرء إنّ لم يكن غنياً فقدر قليل من الكبرياء يكفيه كي يعترف بالفقر)" من كتاب "قضية فاغنر" للفيلسوف فريدريك نيتشه، والآن لنأخذ هذا النقد اللاذع ونقارنه مع انطباع أكثر إيجابية وانحيازاً لبرامز، فقد كتب الموسيقار أرنولد شوينبيرج "لقد كان يكفي برامز ليكون مبدعاً أنّ يعتمد على إرث موتسارت فحسب، إلّا أنّه لم يعش على ثروة موروثة، لقد صنع ارثاً خاصاً به، إنّ عمله كمؤلف للأغاني، موسيقى الحجرة والسمفونيات لا يمكن أن يوصف إلّا بأنّه ملحمة غنائية" والآن بعد أن عرضنا موقف بعض النقاد من يوهانس برامز فلنعد قليلاً إلى الوراء وتحديداً الى القرن التاسع عشر في ألمانيا ولنلق نظرة أقرب على حياة هذا الموسيقار تاركين لآذانكم في النهاية الحكم والنقد.

ولد يوهانس برامز في هامبورغ عام 1833، حيث كان قد انتقل والده يوهان جاكوب برامز من شيلسفيغ إلى هامبورغ ساعياً إلى العمل

كموسيقي متجول فقد كان بارعاً في العزف على عدة آلات موسيقية، عاشت عائلة برامز في أحد الأحياء الفقيرة وتلقى يوهانس الطفل أولى دروسه الموسيقية على يد والده، لقد أبدى أداء واعداً في العزف على البيانو، حتى بدأ بالعزف في المطاعم و المقاهي مساهماً في زيادة دخل اسرته الضئيل، لكن حسب دراسات، اعتبر البعض هذه المعلومة خاطئة. لقد قام برامز الشاب بأداء عدد من الحفلات الموسيقية في هامبورغ وعلى الرغم من أنه لم يشتهر بكونه عازف بيانو إلّا أنّه طاف البلاد بين خمسينات و ستينات القرن التاسع عشر مؤدياً عدداً من الحفلات الموسيقية حتى أنّه شارك في مراحل متقدمة من حياته بأداء أعماله الخاصة، وفي سنين شبابه الأولى بدأ برامز في قيادة الجوقات حتى أصبح فيما بعد قائد أوركسترا من الطراز الرفيع. بدأ يوهانس التأليف الموسيقي في مرحلة مبكرة جداً من حياته (لقد عزف سوناتا للبيانو وهو في الحادية عشرة من عمره ويقال بأنه ارتجلها ارتجالاً حينها) ولكن جهوده لم تلق الكثير من الاهتمام إلى أن ذهب مرافقاً عازف الكمان المجري إدوارد ريميني في عدة جولات موسيقية وذلك في سنة 1853 حيث التقى في أحداها بجوزيف يواكيم في هانوفر وتابع إلى بلاط فايمر وهناك التقى برامز بفرانز ليست، كورنيليوس ويواكيم راف، ووفقاً لعدد من الشهود ممن كانوا قد حضروا لقاء يوهانس بفرانز ليست فإن ليست حينها قد قام بعزف مقطوعة برامز “Scherzo Op.4” وهي أمامه للمرة الأولى، بينما أُصيب ريميني بخيبة أمل شديدة عندما فشل برامز في عزف مقطوعة ليست بإخلاصonata “S ”in B minor (لقد نام برامز أثناء عزف ليست للسوناتا في محفل سابق)، وبعد هذا الموقف تفرق برامز وريميني ولم يكن بادياً إن كان فرانز ليست قد شعر بالإهانة أم لا. في الثلاثين من سبتمبر من نفس العام وصل برامز إلى دوسلدورف ليكون موضع الترحيب من قبل عائلة شومان بعد رسالة التعريف التي أرسلها جوزيف يواكيم، وقد أعجب الموسيقار العظيم شومان بموهبة الفتى ذو العشرين ربيعاً فنشر مقالاً تحت عنوان "مسارات جديدة" Neue Bahnen في صحيفة "kMusir ü"Neue Zeitschrift F لافتاً أنظار العامة إلى ذاك الشاب العبقري واصفاً إياه "لقد قدر له أن يعطي اكمل

نوع من التعبيرية في كل زمان". أثناء مكوثه في دوسلدورف تعلق برامز كثيراً بزوجة شومان المؤلفة وعازفة البيانو كلارا شومان والتي كانت تكبره ب 14 عاماً، لقد تملك برامز نحوها عاطفة شديدة وأحبها حباً افلاطونياً غمر قلبه مدى الحياة، ولكن لم يتزوج من أحد أبداً على الرغم من أنّه أحب عدة فتيات خلال حياته حتى أنه خطب إحداهن، وبعد محاولة شومان للانتحار ومكوثه في المصحة العقلية قرب بون في شهر فبراير من عام 1854 أصبح برامز صلة الوصل بين كلارا وزوجها ووجد نفسه رباً فعلياً للاسرة حتى وفاة شومان عام 1856. زار برامز فيينا للمرة الأولى عام 1862 وسرعان ما قرر أن يستقر فيها، وفي الفترة بين عامي 1872-1875 عمل كمدير للحفلات في جمعية أصدقاء الموسيقى في فيينا وبعدها لم يستلم أي وظيفة رسمية، وفي عام 1877 رفض دوكتوراه فخرية من جامعة كامبريدج حيث كان قلقاً من أن يبالغ الترحيب فيه في أنجلترا، فقد كانت موسيقاه هناك مشهورة للغاية وذائعة الصيت. لقد استمر برامز بتأليف الموسيقى بإطراد من خمسينات وحتى ستينات القرن التاسع عشر ولكن موسيقاه لطالما أثارت جدلاً كبيراً وآراء متفاوتة بين النقاد، فقد تلقى الكونشرتو الأول للبيانو انتقادات سيئة في عروضه الأولى وقد وصفت "المدرسة الألمانية الجديدة" ممثلة بفرانز ليست وفاغنر أعمال برامز الموسيقية بأنها قديمة الطراز. في الواقع لقد كان برامز معجباً للغاية بموسيقى فاغنر كما أنه كان يرى في فرانز ليست عازف بيانو عظيماً ورغم ذلك فأنه حاول عام 1860 تنظيم احتجاج عام ضد ما اعتبره تجاوزات خطيرة في مؤلفاتهما، ولكن العريضة التي نشرت قبل الأوان وهي لا تحوي إلّا على ثلاث توقيعات، قد فشلت فشلاً مهيناً وبعدها لم يعرّض برامز نفسه لمهاترات العامة مرة أُخرى. في بريمن عام 1868 كان العرض الأول لتحفة برامز الخالدة" Ein eutsches Requiem"D أضخم أعماله الكورالية على الإطلاق والتي أثبتت للعامة في أرجاء أوروبا بأن نبوءة شومان قد تحققت بالفعل، وربما هذا ما أعطاه الثقة لإكمال عدد من الأعمال التي كان قد واجه صعوبات فيها عبر عدة سنوات كرباعيته الوترية الأولى والسمفونية الأولى والتي لحقتها سمفونياته الثلاث الاخيرة في اعوام 7718-8831-8518 على التوالي، لقد كانت أكثر سنوات برامز عطاءاً. في عام 1890 قرر برامز البالغ من العمر 57 عاماً التخلي عن تأليف الموسيقى، لكن وكما اتضح فأنه لم يكن قادراً على الالتزام بقراره ففي السنوات التي سبقت وفاته انتج عدداً من الروائع منها عدة مقطوعات للكلارينيت وسلسة مؤلفات للبيانو إضافة الى اربع سلاسل من الأغاني p.121" Ornste Gesänge E"Vier عام 1896. في فترة عمله على استكمال سلسلة الأغاني121""Op. اكتشف برامز إصابته بمرض السرطان "اختلفت المصادر بين كونه في الكبد أو البنكرياس" وقد ساءت حالته تدريجياً حتى توفي في الثالث من أبريل عام 1897 ودفن في فيينا. لقد كان برامز بطلاً في الفترة التي شهدت إنتهاء الحقبة الرومانسية فلم يستسلم لانتقادات معاصريه وظهر كسيد للأعمال السمفونية في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، لقد مهدت أعماله الطريق لعدد من العظماء كجوستاف ماهلر وجان سيبيليوس، لم تكن موسيقاه رجعية على الإطلاق بل كانت عميفة تعبيرية تحمل نغماتها روحاً ملحمية تحرك المشاعر وتعصف بها الى اقصى الحدود... إلى آخر العالم.

و الآن ندرج عليكم نماذج لأهم أعماله:

Piano Concerto No.1:

Piano Concerto No.2:

Symphony No.1:

Symphony No.4:

Violin Concerto:

Vier Ernste Gesänge Op.121:

Piano Quartet No.1:

Hungarian Dances:

Variations on a theme by Joseph Haydn:

Requiem (Nanie) Op.82:

المصادر:

هنا