الفنون البصرية > فن وتراث

"حديقة الملذات الأرضية" الجزء الأول - ثلاثية الأرض، جهنّم وعدن

"حديقة الملذّات الأرضيّة" هو الاسم الحديث الّذي حصل عليه هذا العمل الفنّيّ المؤلَّف من ثلاث جداريّاتٍ للفنّان الهولنديّ هيرونيموس بوش Hieronymus Bosch، والمحفوظ منذ عام 1939 في متحف برادو Museo del Prado في مدريد الإسبانيّة. تعود هذه "الثّلاثيّة" اصطلاحاً إلى ما بين العامين 1490 و 1510، حيث كان "بوش" قد ناهز الـ 40-60 عاماً.

إنّ أحد أهمّ ما يميّز هذا العمل هو قابليّة إغلاق الجزأين اليمينيّ واليساريّ بشكلٍ تامٍّ. فما إن يتمّ ذلك حتّى تظهر لك لوحةٌ أخرى مرسومةٌ في الخلف، ويُعتبَر هذا "الجزء الخارجيّ" لهذه اللّوحة ذا أهمّيّةٍ كبيرةٍ، حيث يكمل من خلاله "بوش" ما قد بدأه داخلاً.

سنعمل على السّير بالتّحليل الفنّيّ لهذا العمل بما يوافق ما اعتمده أعظم نقّاد الفن، ابتداءً من التّصميم الخارجيّ للجداريّة، ومن ثمّ التّصميم الدّاخليّ بجناحه الأيسر فالأوسط، وأخيراً الجناح الأيمن، وقد ارتأى النّقّاد من هذا التّرتيب ما يلائم الغرض الفنّيّ لعمل "بوش" هذا.

التّصميم الخارجيّ:

أهمّ ما يلفت انتباهنا إليه هو ألوانه الباهتة، وهذا ما يناقض ما سنراه داخلاً. يرى البعض أنّ السّبب يرجع إلى ما يمثّله هذا التّصميم أصلاً، ألا وهو الوقت ما قبل خلق الشّمس والقمر، اللّذين قد خُلِقا لاحقاً لإنارة الأرض وفقاً لنظريّة اللّاهوت المسيحيّة.

فما يرمي إليه "بوش" من هذا العمل هو توصيف بدء النشء، مُظهِراً الإله مرتدياً تاجاً مشابهاً لما اعتاد أقرانه في هولندا أن ينسبوه للإله، ويظهر على شكل فردٍ في الزّاوية العلويّة اليسرى. يُظهِر "بوش" الإلهَ بصورة "الأب" الماسك للإنجيل في حضنه، ويُظهِر فوقَه نقشٌ هو بالأصل اقتباسٌ من كتاب المزامير.

بغضّ النّظر عن وجود الحياة النّباتيّة على الأرض، فما يُظهِره هذا التّصميم هو غيابٌ تامٌّ لحياة الإنسان أو الحيوان، ممّا يؤكّد أنّ ما يصفه هذا الرسم هو أحداث اليوم الثّالث من الخلق.

التّصميم الدّاخليّ:

يرى الكثير من نقّاد الفنّ أنّ "بوش" قد أحسن استخدام الألواح من الخارج في إقامة مُسنَدٍ إنجيليٍّ لعناصر التّصميم الداخليّ، بما في ذلك إحاطة "عدن-الجناح الأيسر" و "جهنّم-الجناح الأيمن" باللّوح الأوسط المعبِّر عن "الدّنيا وملذاتها" الّتي يُظهِر بها النّاس (رجالاً ونساءً عراةً) يمارسون مختلف النّشاطات اللّاهثة وراء الملذّة بالمقام الأوّل.

سنبدأ اليوم باللّوح الأيسر وفي الحلقات القادمة ستنتناول اللوح الأيمن واللوح في المنتصف

1- اللّوح الأيسر:

يصوّر فيه "بوش" مشهداً كان قد حدث في جنّة عدنٍ، فيه يعرّف الإلهُ آدمَ إلى حوّاء، حيث يظهر الإله ماسكاً معصم حوّاء متقدّماً باتجاه آدم المستيقظ توّاً من نومٍ عميقٍ، مُظهِراً مباركته قرانهما، ويرى الكثيرون أنّ الشّباب الذي يظهر الله به في اللوح الداخلي -مقارنة مع صورة الإله خارجاً- ماهي إلّا دلالةٌ على تجسّد الله على الأرض.

المصدر:

هنا