الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

أيهما أكثر ضرراً بالبيئة.. الأبقار أم السيارات؟

اذا أخبرناك بأن سيارتك باتت تلوث البيئة إلى حد لا يطاق وأن عليك التوقف عن استخدامها أو الإقلال إلى الحد الأدنى فقد لا تعجبك الفكرة. لكن ماذا لو طلبنا عوضاً عن ذلك أن تلغي أو تقلل من استهلاكك للحوم الأبقار فهل ستفعل؟ وهل ستقتنع بأن ذلك يؤدي الغرض ذاته؟ تابع معنا لتعرف كيف ولماذا ....

يعد قياس الآثار البيئية المرتبطة بتربية محتلف أنواع المواشي والناتجة في معظمها من إنتاج الأعلاف التحدي الأكبر لعلوم الاستدامة. وقد قامت دراسة حديثة بتقدير مدى تأثّر الأراضي ومياه الري، والنيتروجين التفاعلي* بإنتاج العلف، وإعادة نشر دورة الحياة الكاملة لتقدير انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عن كل فئة من الحيوانات الرئيسية في النظام الغذائي في الولايات المتحدة.

كشفت الحسابات عن أن التكاليف البيئية من السعرات الحرارية المستهلكة لمنتجات الألبان والدواجن ولحم الخنزير، والبيض جميعها تتسبب بآثار أقل بشكل ملحوظ من تأثير إنتاج لحوم البقر. لم تأخذ الدراسة الخراف بعين الاعتبار نظراً لانخفاض استهلاكها في الولايات المتحدة.

يتطلب إنتاج لحوم الأبقار أراضٍ أكبر ب 28 مرة و11 مرة مياه ري أكثر مقارنةً بمتوسط الفئات الحيوانية الأخرى ، كما أنه يتسبب بإنتاج 5 مرات أكثر من غازات الاحتباس الحراري، وبـ 6 مرات أكثر من النيتروجين التفاعلي، وبالمقارنة مع المواد الغذائية الأخرى: مثل البطاطا والقمح والأرز، كانت الآثار واضحة فإنتاج العليقة اللازمة لإنتاج لحم الأبقار يتطلب 160 مرة أكثر من الأراضي وينتج 11 مرة أكثر من انبعاثات غازات الدفيئة. وعليه فإن لخفض استهلاك اللحوم الحمراء في الواقع تأثيراً أكبر على انبعاثات الكربون من التخلي عن السيارات.

من المعروف أن الزراعة محرك رئيس لظاهرة الاحتباس الحراري مسببة 15٪ من جميع الانبعاثات يأتي نصفها من الماشية. وللإنتاج الحيواني آثار خطيرة على البيئة؛ فهو يؤثر على نوعية الهواء والماء، صحة المحيطات، ويتنافس مع التنوع البيولوجي كما يعد أكبر مستخدم للأراضي في العالم. عدا عن ذلك كله فإنه يؤثر أيضاً على الأمن الغذائي العالمي؛ فالسعرات الحرارية اللازمة لتغذية الحيوانات الموجودة حالياً كافية لتلبية احتياجات 4 مليارات شخص من السعرات، خصوصاً وأن الخبراء قدروا حاجتنا إلى نمو قدره 70٪ في إنتاج الغذاء بحلول عام 2050 لسد احتياجات البشر. الأبقار أيضاً مسؤولة عن حوالي 20٪ من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية.

وللعلم فإن قياس مقدار الآثار البيئية للثروة الحيوانية قد يشكل تحدياً فهو ليس بالأمر السهل، لكنه يبقى ضرورة من أجل تسليط الضوء على التغييرات اللازمة من أجل تعزيز الاستدامة. يقبل بعض الباحثين حقيقة وجود فجوات في البيانات والدراسات المطلوبة للمتابعة لكن الرسالة الواضحة إلى الآن هي أن: إنتاج لحوم الأبقار يتطلب موارد أكبر بكثير من الفئات الحيوانية الأخرى.

ما سبب المشكلة وأين تكمن مشكلة الأبقار؟

تستخدم الولايات المتحدة وأوروبا الكثير مساحات شاسعة من الأراضي في نظم تربية الماشية غير الفعالة، في حين يتم استخدام الكثير من خيرة نوعيات الأراضي الزراعية لزراعة الأعلاف الحيوانيةلها بدلا من استخدامها لزراعة غذاء الإنسان.

تعتبر الأبقار غير فعالة بشكل كبير في تحويل الحبوب إلى اللحوم؛ فلفقدان 1 كغ من لحم البقر نفس تأثير إضاعة 24 كغ من القمح. وفي حين لا تتم تغذية جميع الأبقار على الحبوب، فإن التي تتغذى منها على العشب تسبب آثاراً أكبر على البيئة من فئات الماشية الأخرى. من ناحية ثانية، تحلل السيللوز في أمعاء الأبقار ينتج كميات كبيرة من غاز الميثان الذي يعد من غازات الاحتباس الحراري.

تستفيد الأبقار من الأعلاف بشكل أقل كفاءة من الحيوانات الأخرىحيث يذهب جزء ضئيل فقط من المواد الغذائية التي تستهلكها العجول إلى مجرى الدم، أي أنه يتم فقدان الجزء الأكبر من الطاقة و إن تغذية الأبقار على الحبوب بدلا من العشب تفاقم هذا العجز.

ما الحل؟

يعد استهلاك اللحوم مسألة حساسة بالنسبة للكثيرين، ولكن الباحثين لا يطلبون التوقف عن استهلاكها كلياً لكن لابد من تقليلها بشكل كبير للحد من انبعاثاتنا الكربونية الخاصة Carbon Footprint **.

من جانب آخر هنالك عبء يقع على الحكومات والإدارات إذ ينبغي عليها أن تنظر بعناية إلى هذه المسألة إذا ما أرادت تحسين كفاءة الإنتاج الكلي والحد من الآثار البيئية. لا بد وأن العديدين يعترضون بشدة على تدخل الحكومات في النظام الغذائي للناس، ولكن في نفس الوقت هناك العديد من السياسات الحكومية التي تدعم النظام الغذائي الحالي المشجع على استهلاك الحيوانات. وبالإضافة لزيادة وعي المستهلكين، ينبغي على الحكومة إزالة الدعم عن صناعة الثروة الحيوانية ورفع أسعارها ثم ترك الباقي. وبهذه الطريقة لن يواجه التدخل الحكومي في النظام الغذائي للناس بشكل كبير.

وفي دراسة أخرى منفصلة عن عادات الطعام اليومية للشعب البريطاني ظهر أن النظام الغذائي لمحبي اللحوم يسبب ضعف االانبعاثات مقارنةً بالنظام الغذائي النباتي. شملت هذه الدراسة: 30 ألف من آكلي اللحوم، 16 ألف نباتي، 8 آلاف آكل سمك وألفي نباتي خالص (vegan)***. وجد أن الوجبات الغذائية الغنية باللحوم (التي تعرف بأنها أكثر من 100غ لكل يوم) أسفرت عن 7.2 كغ من انبعاثات CO2. في المقابل، كلا الحميتين النباتية والوجبات المعتمدة على السمك أسفرت عن 3.8 كغ من CO2 في اليوم الواحد، في حين أن الوجبات النباتية الخالصة (vegan) سببت فقط 2.9 كغ من انبعاثات CO2.

أخيراً فالرسالة الموجهة للمستهلك تبقى هي الأقوى؛ "تجنب الإفراط في استهلاك اللحوم، وخاصة لحم البقر، إجراء نافع للبيئة"

(*) النيتروجين التفاعلي: أنواع النيتروجين التي تدعم الحياة بشكل مباشر أو غير مباشر كأكسيد النيتروجين والنترات والأمونيا.

(**) Carbon Footprint: أو بصمة الكربون هي إجمالي غازات الدفيئة الناتجة عن الانبعاثات الصناعية أو الخدمية أو الشخصية، وقياسها يكون سعياً للحد من الآثار السلبية لتلك الانبعاثات.

(***) Vegan: نمط غذائي يعتمد على النبات بشكل خالص، حيث يتغذون على المأكولات التي لا يدخل في تركيبها لحم الحيوان (سواء أكان من الحيوانات البرية أو البحرية أو الهوائية) ويختلفون عن النباتيين بأنهم لا يأكلون منتوجات كالبيض والحليب والألبان والعسل التي تأتي مباشرة من الحيوانات كما قد يرفض بعضهم حتى ارتداء المنسوجات ذات الأصل الحيواني.

المصادر:

هنا

هنا