البيولوجيا والتطوّر > علم الجينات

هل أصبح بالإمكان التحكم بعمر خلايا أجسامنا!؟

كلنا نخاف الشيخوخة، وكلنا نكره الأمراض ونتمنى لو بإمكاننا الحفاظ على صحتنا وأجسامنا سليمة طول العمر. البعض يعتقد أن موت الخلايا أمر لا بدَّ منه ولا يمكن مواجهته، والبعض الأخر يعتقد أن العلم غير محدود ويفاجئُنا دائماً باكتشافاته المذهلة. فهل يمكن بالفعل ايقاف عملية موت الخلايا؟ أو على الأقل إطالة عمرها؟

هذا المقال يوضح لنا آخر التنائج التي تَوصَّل لها العلماء في هذا المجال...

من المعروف أن جسم الإنسان يتكون من بلايين الخلايا التي تنقسم وتنمو باستمرار، ولكن لكلٍّ من هذه الخلايا قدرة محددة على الانقسام والنمو، وحين تفقد هذه القدرة فإنَّ مصيرها يكون الموت. تعمل الخلايا المنقسمة حديثاً -في أجسامنا- على تجديد خلايا الرئتين، والجلد، والكبد، والعديد من الأعضاء الأخرى، ولكن لسوء الحظ، فإن معظم الخلايا البَشَرية لا يمكنها الاستمرار في الانقسام الى الأبد.

حسناً إذاً، كيف تفقد الخلايا قدرتها على الانقسام؟ وما الذي يتحكم بهذه العملية؟

إنها "التيلوميرات Telomere"، وهي قطع انتهائية تتواجد على طرف شريط الـ DNA تحمي الصبغي وتحافظ عليه عليه من التآكل، ففي كلِّ مرة تنقسم فيها الخلايا يتضاعف ال DNA، وتقصر أطوال هذه التيلوميرات شيئاً فشيئاً، حتى تصل الخلايا الى حد تتوقف عنده عن العمل وتصبح عاجزة عن استكمال عملية الانقسام، فتشيخ تلك الخلايا والأنسجة ثمَّ تموت كما يحدث في سن الشيخوخة، ولكن على ما يبدو فإنَّ هنالك طريقة للتغلب على هذا "العَدِّ العكسي"، فبعض الخلايا تنتج إنزيماً يسمى "تيلوميريز Telomerase" الذي يعمل على إعادة بناء التيلوميرات وبالتالي الحفاظ على قدرة الخلايا على الانقسام الى أجل غير محدودٍ (تقريباً).

وفي دراسةٍ جديدةٍ نُشرَت في 19 أيلول 2014 في مجلة "الجينات والتنمية Genes and Development"، اكتشف علماء في "معهد سالك Salk Institute" أنَّ هنالك إمكانية لإيقاف عمل أنزيم التيلوميريز. حيث تقول "فيكي لاندبلاد" البروفيسورة في معهد سالك: "لقد أظهرت الدراسات السابقة بأن التيلوميريز يتم تصنيعه واستخدامه عند الحاجة، ولكننا فوجئنا في هذه الدراسة بأن التيلوميريز لديه ما يسمى "زر الإيقاف" حيث يمكن من خلاله تفكيك التيلوميريز وايقاف نشاطه".

و بذلك، ومن خلال فهم آلية عمل "زر الإيقاف" والتلاعب به، يمكن للعلماء أن يعملوا على إبطاء عملية "التقصير" للتيلومير وبالتالي إبطاء عملية الشيخوخة أو حتى إيقافِها كلياً، مثل إعادة إنتاج الأجهزة الحيوية في جسم الإنسان في وقت لاحق من حياته.

أجرت البروفيسورة "لاندبلاد" وطالب الدراسات العليا "تيموثي" دراستهم على خميرة الخباز، (و هي الخميرة المستخدمة في صناعة الخبز والنبيذ)، حيث استخدم فريق البحث هذا الكائن البسيط وحيد الخلية للكشف عن العديد من الأمور التي تتعلق بالتيلوميريز ووضع حجر الأساس للكشف عن هذه الأمور في خلايا الإنسان.

أراد الباحثون أن يتمكنوا من دراسة كل جزء من التيلوميريز، لكن الأمر لم يكن بتلك السهولة، فوضَعَ "تيموثي" استراتيجية تسمح له بمراقبة كل مكون من مكونات التيلوميريز خلال عملية نمو الخلايا وانقسامها بدقة عالية جداً، مما أدى الى مجموعة من الاكتشافات المتعلقة بكيفية عمل المكونات المختلفة للتيلوميريز.

في كل مرة تنقسم الخلية، يتضاعف الجينوم بأكمله، وخلال عملية التضاعف هذه، اكتشف "تيموثي" أن التيلوميريز يكون في حالة غير مستقرة كلِّياً مفتقداً لجزء فرعي مهم وحرج، ولكن عندما يتضاعف الجينوم بالكامل، ينضم الجزيء المفقود الى باقي المكونات ليشكِّل تيلوميريزاً كاملاً وفعّالاً، وعند هذه النقطة يمكن للتيلوميريز أن يعمل على تجديد نهاية الكروموسوم وضمان انقسام صحيح وقوي للخلايا.

وبشكل مفاجىء، أظهر الباحثون أنه بمجرد اكتمال التيلوميريز وتفعيله، فإنه يتفكك بسرعة ويشكّل ما يسمى ب "مجمع التفكيك" غير الفعّال. وبهذا يتوقف عمل التيلوميريز. وقد خمّن الباحثون بأن هذه التفكك يعمل على المحافظة على نسبة منخفضة من "التيلوميريز" داخل الخلية. وبالرغم أن تآكل الكروموسومات في الخلايا الطبيعية يساهم في عملية الشيخوخة والسرطان، ولكن من ناحية أخرى فإن ارتفاع مستوى التيلوميريز فوق حد معين يساهم في نمو غير منتظم للخلايا.

لذلك فإن الاكتشاف قد يُسهم في حل هذه الأزمة، والحفاظ على مستوى مناسب من التيلوميريز أعلى من الطبيعي وأقل من المستوى المسبب لعدم انتظام نمو الخلايا ، وبالتالي الحفاظ على انقسام صحّي ومستمر للخلايا.

المصدر: هنا

مصدر الصورة: هنا