الفنون البصرية > فن وتراث

كاتدرائية كولونيا .. تحفة في الفن القوطي والعمارة الكنسية

عندما تُذكَر ألمانيا أمامي، فإنّ أوّل مبنىً يخطر في بالي، منافساً ذويه في زحمة أفكاري هو بناء كاتدرائيّة كولونيا، الّذي يُعتبَر أحد أهمّ تحف العمارة الكنسيّة والفنّ القوطيّ.. ولإعجابي به اخترته أن يكون أوّل موقعٍ في التّراث العالميّ لأحدّث عنه اليوم، فبعدما شاهدته وعاينته من وراء الشّاشة وقرأت عنه الكثير، أتمنّى أن أستطيع زيارته على أرض الواقع...

كولونيا هي رابع أكبر وأشهر وأقدم مدن ألمانيا، مدينة الكاتدرائيّة العظيمة الواقعة على نهر الرّاين بتاريخها العريق ومعالمها الشّامخة. تتبع هذه الكاتدرائيّة الكنيسةَ الكاثوليكيّة، وهي مقرّ رئيس أساقفة كولونيا، وتمثّل ملمحاً من ملامح الوفاق بين الألمان الكاثوليك والبروسيين البروتستانت. يُقدَّر عدد زوّارها نحوَ 6 ملايين زائرٍ في العام، وتحتلّ المرتبة الأولى بين الأماكن المُفضَّلة لدى الألمان.

تضمّ كاتدرائيّة كولونيا إحدى أكبر مقدَّسات الكنيسة الكاثوليكيّة، وهي رفات الملوك الثّلاثة القدّيسين (الّذين تنبّؤوا بميلاد السّيّد المسيح)، كما أنّها تخفي في داخلها تحفاً فنّيّةً قديمةً جدّاً لا تُقدَّر بثمنٍ تعود إلى القرن الرّابع عشر، وهذا ما جعل لجنة التّراث العالميّ لليونسكو عام 1996 تقرّر تسجيل المبنى في قائمة التّراث العالميّ وفقاً للمعايير الثّقافيّة الأوّل والثّاني والرّابع، باعتبار أنّ الصّرح يتمتّع بقيمةٍ عالميّةٍ متميِّزةٍ كونه عملٌ استثنائيٌّ من إبداع العبقريّة الإنسانيّة.

أُنشُئ هذا البناء قبل أكثر من ستّة قرونٍ، ويُعدّ شهادةً قويّةً على قوّة واستمراريّة الإيمان المسيحيّ في أوروبا في القرون الوسطى والعصر الحديث.

عندما انتهى بناء برجيها في العام 1880م كانت مصنَّفةً كأطول بناءٍ في العالم (يرتفع برجاها إلى 157 متراً)، وبقيت كذلك حتّى بناء صرح واشنطن عام 1884م. تبلغ واجهتها الغربيّة بالإضافة إلى البرجين مُسطَّحاً هائلاً يبلغ 7100 مترٍ مربَّعٍ، وهذا ما يعطيها الانطباعَ بالهيبة والعظمة. ولمن يرغب أن يتمتّع بنظرةٍ بانوراميّةٍ لنهر الرّاين ولمدينة كولونيا من أعلى الكاتدرائيّة فليعلم أنّ عليه التّحلّي بالعزيمة ليصعد 509 درجاتٍ حتّى قمّتها!

الهندسة المعماريّة لكاتدرائيّة كولونيا:

خُصِّصت الكاتدرائيّة للقدّيس بطرس ومريم العذراء، وهي تتبع أسلوبَ الكاتدرائيّات القوطيّة المتأخِّرة في شمال فرنسا. تتميّز بتفاصيلها الغنيّةٍ المُنفَّذة بصلابةٍ، فضلاً عن تميُّزها بإتقانٍ علميٍّ في التّصميم ودقّةٍ في الحرفة.

يبلغ طولها 144.6 أمتارٍ، وارتفاعها حوالي 45 متراً بدون الأبراج. للمسقط الأرضيّ ميّزاتٌ استثنائيّةٌ رغم تأثُّره بمخطّط كاتدرائيّة أمينس الفرنسيّة، الّذي يأخذ شكل صليبٍ لاتينيٍّ كما جرت العادة في الكاتدرائيّات القوطيّة.

تمّ تخطيط كلٍّ من الصّحن والفسحات المستقيمة الأربعة لمكان جوقة المُنشِدين بممرّين جانبيّين، حيث تكون الممرّات الخارجيّة أضيق من الممرّات الدّاخليّة.

للكاتدرائيّة ذراعان، شماليٌّ وجنوبيٌّ، ولكلّ ذراعٍ أربع فسحاتٍ، وممرّاتٌ جانبيّةٌ من الشّرق والغرب. بُنِي كلٌّ من الأبراج الغربيّة فوق أربع فسحاتٍ، وبذلك تكون أعرضَ وأعمقَ من مثيلاتها في فرنسا، وهناك زيادةٌ ملحوظةٌ في ارتفاعها الإجماليّ.

للقسم المُقدَّس رواقٌ نصفُ دائريٍّ تنبثق منه سبعُ خلواتٍ شعاعيّةٍ. وهناك قبواتٌ ذات عقودٍ حجريّةٍ رفيعةٍ، يُقسَم كلٌّ منها إلى أربعة أقسامٍ على طولها.

تطابق بالواجهة والمقطع العرضيّ كاتدرائيّة أمينس إلى حدٍّ كبيرٍ، لكنّ العناصر المعماريّة الشّاقوليّة في كولونيا تُوصَف كونها أكثر نحالةً وعدداً.

تمّ تشكيل أعمدة الرّواق بتيجانٍ نباتيّةٍ صغيرةٍ نسبيّاً، ويرتفع جسم القبوة بدون انقطاعٍ حتّى بلوغ القمّة. ترتبط صفوف النّوافذ الزّجاجيّة العلويّة والمتوسِّطة للكنيسة بعناصر شاقوليّةٍ مستمرَّةٍ، وبأربع أضواءٍ في الفسحات المستقيمة، تُقسَم فتحات النّوافذ المتوسِّطة إلى أجزاءٍ أصغرَ.

يطابق الارتفاعُ الإجماليُّ للواجهة تقريباً نظيرَه في أمينس، لكنّ صفّ النّوافذ المتوسِّطة ينخفض بعض الشّيء، بحيث يشغل تماماً مركز الواجهة بنسبة 3:1:3.

ومن المُطابَقات مع أمينس نذكر أيضاً النّقوش الزُّخرفيّة الشّجريّة للخلوات وللنّوافذ العلويّة لمكان المُرتِّلين، وجدار الحماية المثقوب، وكذلك النّوافذ الجملونيّة والرّكائز الطّائرة ذات الزّخارف الشّجريّة الكثيفة.

إنّ الرّسم الموجود على ورق البرشمان النّفيس لتصميم الواجهة الغربيّة والبالغ ارتفاعه أربعة أمتارٍ قد ساعد البنّائين كثيراً في القرن التّاسع عشر.

يعكس الثّلث السّفليّ للواجهة تنظيم الصّحن والممرّات الجانبيّة. إنّ الأجزاء السّفليّة للأبراج هي رباعيّة الأضلاع لكنّها تصبح ثمانيّة الأضلاع في الأعلى. تنتهي القمم المُستدقَّة الحجريّة المزخرَفة بعناصر تزيينيّةٍ ضخمةٍ في الذّروة.

ما من دلائلَ من القرون الوسطى عن واجهات جناحي الكاتدرائيّة، حيث صمّمها من جديدٍ مهندسُ الكنائس إرنست فريدريش تسفيرنه. ويقوم إنشاؤها على تصميم الجبهة الغربيّة، وهي إحدى أهمّ أعمال إحياء الفنّ القوطيّ.

بين عامي 1880 و1900 تمّ وضع أرضيّات موزاييك مصنوعةٍ من موادٍ سيراميكيّةٍ في أماكن المُرتِّلين. كما وتشمل المشاهد الرمزيّة الّتي أُنتِجت في ميتلاخ -عبر تصاميم أوغست أوتمار فون إيسفاين- مواضيعَ أسطوريّةً ومجازيّةً.

المصدر :

هنا

فيديو عن الكاتدرائية جدير بالمشاهدة