الطبيعة والعلوم البيئية > عمارة وأرض

طواحين نشتيفن | النمط الأقدم للطواحين في العالم!

لو كان باستطاعة "دون كيشوت" التوغّل في الشرق مع "سانشو بانثا" بعيداً عن طواحين الهواء التي نعرفها بشكلها المخروطي ومروحتها الأفقية، أو لو أنه اقترب أكثر باتجاه "نشتيفن" في إيران، حيث يوجد أصل هذه الطواحين، لوجد نفسه أمام وحش لا يألفه ولا يعرفه، بمراوحَ منتصبةٍ عمودياً وجسمٍ طينيّ يحتويها ويختبئ خلفها.

نشتيفن: مدينة تقع في الأجزاء الجنوبية من محافظة خراسان رضوي، تبعد 30 كيلومتراً من الحدود مع أفغانستان، والرياحُ القوية التي تهبّ عبرها هي من الخصائص الرئيسية لمنطقتها، لذلك سميت قديماً بـ "نيش طوفان" بالفارسية والتي تعني "العاصفة اللاسعة". أنتجت هذه السمة الطبيعية للمنطقة إبداعاً صناعياً تراكم من أجيال قديمة. يُختصر هذا الإبداع بطواحين الهواء، فهي واحدة من علامات الامتثال والتوافق مع العوامل الجغرافية بما يخدم معيشة الإنسان بالشكل الأمثل.

مع سرعة رياح تصل إلى 120 كيلومترا في الساعة، تم بناء الطواحين بهيكلية عمودية على اتجاه تدفق الرياح للوصول بإنتاجها إلى الحد الأعظمي. تقوم الرياح التي تهب على مدى 120 يوما في السنة بتوريد القوة اللازمة لتشغيل الطواحين. غير أنها أيضاً، تؤثّر على الحياة اليومية للسكان المحليين في العديد من الجوانب الأخرى كطريقة اللباس والاختباء.

هناك حالياً ما يقرب من 30 طاحونة هواء منتشرة في المنطقة، تصل إلى ارتفاعات من 15 إلى 20 متراً. شيّدت من الطين والقش والخشب. تتصل الريش الخشبية بمحور عمودي يتصل بدوره بحجارة الطحن في غرفة مصنوعة من الحجر الطيني. تتكون كلّ طاحونة من ثماني غرف تؤوي 6 شفرات رأسية ناتئة من نيش جداري إسطواني. تبدأ الشفرات بالدوران بسبب قوة الرياح، وتتحول الحركة إلى المحور الرئيسي للطاحونة ومنه لحجارة الطحن، والنتيجة النهائية هي تحول الحبوب إلى دقيق.

يعتقد أن هذا النمط لطواحين الهواء هو الأقدم في العالم، و أنّ أصل فكرة بناء طواحين الهواء في البلدان الأخرى تمّ نقله من إيران. فأول حالة اختراع موثّقة لطاحونة هواء تعود للفترة ما بين 500-900 ق.م وهي طاحونة مصنوعة من حزم من القصب أو الخشب وهي متصلة بواسطة دعامات أفقية مع رمح عمودي مركزي. هنالك جانب سلبي واحد لهذه الطواحين هي وجود جانب واحد فقط لامتصاص طاقة الرياح و إهدار طاقة جزئية خلال العملية، ونتيجة لذلك لا يمكن للشفرات التحرك بشكل أسرع أو ممثال لسرعة الرياح.

يتضح مع كل دراسة جديدة لتواريخ الشعوب مقدارُ وعمق الفهم البشري لمفردات وعوامل المناخ، وقدرتهم على تحويلها إلى طاقة معيشية ومجتمعية تعود بالنفع غالباً على الجميع، في محاولة للمقارنة مع عصرنا الحديث هذا والذي يتم فيه طرح هذه المقاربات كحلم تكنولوجي، أو كمنتج مكلف ومُحتكر. يبقى السؤال الأكثر منطقية معلقاً: ما الذي حدث فعلاً لننسى إرث حضارات شعوب الأرض كممارسة حياتية ولنحوّلها إلى مادة بصرية وثائقية فقط ؟

يمكنك رؤية الطاحونة تعمل:

هنا

مصادر:

هنا

هنا

هنا