البيولوجيا والتطوّر > التطور

جينوم قرد الجيبون يتحدى فكرة حدوث الطفرات في تفسير نشوء الأنواع

على ما يبدو فإن جينوم قردة الجيبون يحمل في طياته الكثير حول فكرة تتحدى الفكرة الأساسية لنشوء الأنواع، والمعتمدة على حدوث الطفرات في مورثة أو مورثات أخرى قليلة.. ماهي هذه الفكرة؟ ولماذا دعمت الدراسة الجديدة هذه الفكرة ولو بشكل غير مباشر؟ لنكتشف ذلك في المقال الممتع التالي...

• لنتعرف معاً في البداية على قرد "الجيبون Gibbon"، وأكثر الصفات غرابة لديه

"الجيبون" (Gibbon) هو أحد القردة العليا (Ape)، وأول من انشق عن الخط التطوري الذي ينتهي بالجنس البشري. يضم الجيبون حوالي (16) نوعاً حياً ضمن (4) أجناس، تشترك تلك الأنواع جميعاً بصغر أجسامها، وأذرعها الطويلة، وليس لها ذيول، لكن المثير للدهشة أن تلك الأنواع تختلف فيما بينها بالصفة التي من المفترض أن تكون مشتركة! ألا وهي عدد الصبغيات؛ فبعض الأنواع يمتلك 38 زوجاً صبغياً، وبعضها الآخر يمتلك 52 زوجاً صبغياً.

لا تقف غرابة المادة الوراثية للجيبون عند ذلك الحد، فجينوماتها* لطالما كانت غامضة بحسب ما عبر "Wesley Warren" من جامعة "واشنطن" في "سانت لويس، ميزوري".

تأتي الغرابة الإضافية لهذه المادة النووية الخاصة بالجيبون من كونها تبدو وكأن أحداً قد أتى بمطرقة وقام بتهشيم الجينوم (المجين) ثم أعاد ترتيبه لكن في نسق خاطئ، وذلك بسبب إعادة الخلط لقطع الحمض النووي.

• الدراسات القائمة للتعرف على أسباب حدوث عملية إعادة الخلط لجينوم الجيبون

ولفهم سبب حدوث ذلك، فإن "Warren" وزملاؤه قاموا بإنشاء أول مسوَّدة لجينوم الجيبون، في دراسة تمت على "Asia"، وهي أنثى الجيبون الشمالي ذو الخدود البيضاء (Nomascus leucogenys).

ومن خلال تلك الدراسة تمكن "Warren" وزملاؤه من التعرف وتوصيف أحد العوامل المسؤولة عن عملية إعادة الخلط لقطع الـDNA تلك، وهو يدعى بـ"LAVA" وهو قطعة من الـ DNAتقوم بغرس نفسها في الشيفرة الوراثية.

في الواقع هذه القطعة فردية من نوعها عند الجيبون، فهي تميل للانسلال في المورثات التي تساعد على التحكم في عملية تضاعف الصبغيات أثناء عملية الانقسام الخلوي مما يؤدي إلى تبديل عمل تلك المورثات وبالتالي فإن الـ "LAVA"تجعل جينوم الجيبون في حالة من عدم الاستقرار.

• غموض آخر يَتكشَّف!

ولكن مع حل لغز هذا الغموض فإن غموضاً آخر يظهر لنا، فإن مثل تلك التغيرات الحاصلة يجب أن ترتبط في الواقع مع أمراض خطيرة كالسرطان، وبحسب "Warren" فإنه لشيء غامض فعلاً كيف يمكن أن لمثل هذه الجينومات أن تعبر من جيل لأخر دون أن تتسبب في مشاكل كبيرة جدية تهدد استمرار أنواع الجيبون هذه.

لكن برأي "James Shapiro" من جامعة "شيكاغو"، إن جينوم قردة الجيبون مرنة أكثر مما كان يمكن لأحد أن يتوقع، فهي قادرة أن تتحمل الكثير من التغييرات مع بقاء عملها سليماً دون تأثُّر.

• عملية إعادة الخلط للجينوم والتحدي لفكرة حدوث الطفرات في تفسير نشوء الأنواع!

وبحسب "Shapiro" أيضاً فإن عملية إعادة الخلط للجينوم كانت حاسمة على مدى التاريخ التطوري، وهي تتحدى بشكل جدي الفكرة الأساسية القائمة على أن نشوء نوع جديد من الممكن أن يتم فقط عن طريق حدوث طفرات في واحدة أو أكثر من المورثات القليلة، فهو برأيه أن الأنواع الجديدة تنشأ من عملية الخلط تلك، وليس فقط عن طريق حدوث طفرات في مورثة أو أكثر.

فكرة "Shapiro" المثيرة للجدل تملك تاريخاً طويلاً، حيث أن عالم الوراثة الألماني "Richard Goldschmidt" كان واحداً من أنصارها، ففي عام 1940، أطلق اسم "وحوش الأمل Hopeful Monsters" على الحيوانات الناتجة عن عملية إعادة خلط الجينوم، وسبب وصفها بالـوحشية (Monsterous) لأنها اختلفت كثيراً عن آبائها، لكنها حملت "الأمل Hope" لتأسيس نوع جديد بسبب تلك التغييرات الناتجة عن عملية الخلط.

ويعبر"Shapiro" عن نشوء قردة الجيبون بأنها ظهرت نتيجة عملية خلط كبيرة لجينوم آبائها، وهو ما يمكن أن يجعلهم "وحوش أمل Hopeful Monsters"

لكن، وبحسب ما يعبر عنه "Charls Swanton" من المعهد البريطاني لبحوث السرطان – لندن، فإنهم لا يستطيعون التأكد بشكل قطعي أن عملية خلط الصبغيات (الكروموزومات) لها علاقة مباشرة بتطور أنواع الجيبون المختلفة.


*الجينوم: هو مجموع ما يملكه الكائن الحي من الـDNA الذي يحمل المورثات وُيسمى بالمجموع المورثي

المصدر:

هنا