البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

إناث الأخطبوط يحطمن الرقم القياسي بأطول فترة حضانةٍ بأربع سنواتٍ ونصف.

قبل أن نغوص إلى قاع المحيط لنتعرف على هذا الكائن-الأخطبوط- الذي يحضن صغاره أكثر من أربع سنوات أريد أن أخبركم أنه يمتاز بدورة إخصابٍ واحدة، تُلَقَح فيها البويضات ومن ثم تحملها الأنثى على ذراعها ويعقبها فترة حضانةٍ للبيوض الملقحة تختلف مدتها تبعاً للأنواع و تموت بعدها الأمهات.

وللعلم فهناك أنواعٌ تعيش في المياه الضحلة وأخرى في العميقة. بالنسبة للتي تعيش في المياه الضحلة من المحيطات، تتراوح فترة حضانتها للبيوض من شهرٍ إلى ثلاثة، أما التي تعيش في أعماق المحيط فيُعرف القليل عنها لكن العلماء يعتقدون بأن لبرودة المياه و عدم توفر الضوء دورٌ ربما في تخفيض معدل العمليات الاستقلابية وهذا ما قد يؤثر على تأخير نمو الأجنة و إطالة فترة الحضانة مقارنةً مع أقرانها في المياه الضحلة.

ووجد العلماء في سلوكيَات الحضانة لدى النوع المسمى Graneledone boreopacifica الذي يعيش في قاع المحيطات ما قد يدعم الفكرة السابقة، فالأنثى تحتضن البيوض الملقَحة لفترة 53 شهراً (أي لمدة أربع سنواتٍ و نصف)! وهي الفترة الأطول على الإطلاق مقارنةً مع غيرها من الحيوانات مسجلةً بذلك رقماً قياسياً جديداً محطماً الرقم المسجَل لأنثى القريدس التي تدوم لعشرين شهراً!

بدأت الدراسات في هذا الصدد في عام2007 في شهر نيسان عندما كان علماءٌ من معهد البحوث في كاليفورنيا يسبرون أعماق المحيط الهادئ، ولاحظوا أنثى الأخطبوط من النوع Graneledone boreopacifica على عمقٍ 1400 متر متشبثةً بحافةِ صخرية محتضنةً ما يقارب 160 بيضة بحجم حبة الزيتون، وعندما عادوا مرةً أخرى في شهر أيار من العام ذاته وجدوا ذات الأنثى بوضعيتها التي شوهدت عليها في وقتٍ سابق (وقد عرفوا أنها نفس الأنثى التي شاهدوها سابقاً من ندبةٍ على جسمها).

تكرَرت زيارة العلماء للموقع 18 مرةً على مدى أربع سنواتٍ ونصف، وفي كل مرةٍ كانوا يجدونها في ذات المكان بأذرعها الملتوية محتضنةً بيوضها، وصولاً لعام 2011 في شهر أيلول حيث وجدوا بأنها قد غادرت المكان مخلفةً بقايا قشورٍ ناتجةً عن فقس البيض وخروج صغارها. وبحسب قياسات العلماء، امتدت فترة الحضانة هذه من الفترة ما بين شهر أيار من عام 2007 حتى شهر سبتمبر من عام 2011!

في الواقع إنها لتضحيةُ كبيرة تلك التي قامت بها الأم خلال رعايتها لبيوضها فقد عانت فيها نقصاً حاداً في الغذاء، ففي بداية فترة الحضن كانت تبدو بلونٍ أرجوانيٍ شاحبٍ وجلدها ذو بنيةٍ متماسكةٍ قوية، ومع مرور الوقت بدأ يشحب لونها ويتحول للأبيض، جلدها أصبح هزيلاً للغاية مع فقدان الكثير من وزنها وهذا ما قد قد يمكن اعتباره ميزةً جعلها بعيدةً عن الافتراس نظراً لمظهرها الهزيل مع تقدم فترة الحضانه.

والسؤال المهم هنا ...كيف استطاعت أنثى الأخطبوط البقاء على قيد الحياة خلال فترة الحضانة الطويلة متمركزةً في مكانها دونما حراكٍ حفاظاً على البيوض؟

بالطبع قد تحصل على بعض المدخول الغذائي مما قد يصلها من عوالق أو حيوانات قادرةٍ على التهامها علماً أنه لا يوجد دليلٌ على ذلك. لكن بشكلٍ عامٍ، فإن إناث الأخطبوط تقلل أو تخفف من التغذية خلال فترة الحضانة، وفي هذا النوع Graneledone boreopacifica ساهم الانخفاض في درجات الحرارة في قاع المحيطات و قلة الحركة خلال فترة الحضانة في الإبقاء على العمليات الاستقلابية في حدها الأدنى (وبالتالي استهلاكٌ أقل للطاقة).

لكن هذا لا يقلَل من قيمة التضحية التي قامت بها إناث هذا النوع لأجل رعاية البيوض لأننا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ فترة التكاثر هي آخر المراحل الحياتية في عمر جميع أنواع إناث الاخطبوط و تموت بعدها حيث تقوم أجسادهن بقيادة مسار الطاقة لإنتاج ورعاية البيوض (أي تسخر كل طاقتها لهذا الغرض).

هذه الاستراتيجة التي دفعت حياتها ثمناً لها، اعتُبرت من أكثر استراتيجات التطور نجاحاً في الإبقاء على النوع وجعله من أكثر الأنواع المعمرةً في قاع المحيط الهادئ حيث اختارت حضن البيوض للحفاظ على النوع مقارنةً بغيرها في بعض الأنواع التي تطرح البيوض في المياه (بأعدادٍ هائلة) و تتركها ليبقى ما يبقى منها مكملاً حياته!

النتيجة: تضحيةُ عظيمةً لدعم النوع و الحفاظ عليه و تحطيمٌ للرقم القياسي في فترة الحضانة!

المصادر:

هنا

هنا