البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

النمل، كائنات أروع بكثير مما تتصور

كلنا شاهد النمل، شاهده في كلّ مكانٍ تقريباً في كافة مراحل حياته ولذلك فإن أي شخصٍ قد يعتبر هذه الحشرة شيئاً عادياً فهي موجودةٌ في حديقة منزله وفي الطريق إلى عمله أو مدرسته أو جامعته، موجودةٌ في بيته مجتمعةً حول قطعة حلوى على الأرض لذا فليس من المتوقع أن تنال أي اهتمام. لكن، ما رأيكم أصدقائي أن آخذكم في رحلةٍ استثنائية وزهيدة التكلفة إلى عالم النمل! كل ما أريده منكم أن تفتحوا أذهانكم على هذه الحقائق التي ستُقدَم الآن.

النملات جامعات العسل:

سنبدأ هذه الرحلة من خارج مستعمرة النمل حيث تخرج بعض النملات لتقوم بجمع العسل، النملات تجمع العسل؟! نعم النملات و ليس النحلات، حيث تخرج لتبحث عن الرحيق والعسل فتمتصه وتخزن كميات هائلة منه في بطونها لدرجة أن بطنها يتضخم جداً ليصل إلى حجم حبة العنب ومن ثم تنقل هذا الكنز الثمين إلى مستعمرتها لتتقيأه (حرفياً) في أفواه النملات العاملات! شخصياً أفضل أن أسمي هذه النملات التي تجمع العسل بـ "نملات المهمات الصعبة" لأن هذا النوع من النمل يتواجد في مناطق خطرة وجافة فضلاً عن أن حمل العسل يبطىء حركتها وبالتالي فالأفراد المتخصصون بجمعه يعرضون أنفسهم للخطر لصالح المملكة بكل تفانٍ. يعتقد علماء البيولوجيا أن هذا النوع من النمل تطور في المناطق الجافة صعبة التضاريس حيث يعرِّض خروج كل الأفراد للبحث عن طعامٍ النوعَ إلى خطر كبير، فكان الحل أن يجمع بعض الأفراد كميات كبيرة من الطعام ويحضروه لإطعام البقية.

النملات الحائكات:

هي نملاتٌ خارقات بقوة "هالك الرجل الأخضر" أو سوبر مان وذلك لقدرتها العالية على تشكيل سلاسل نمليةٍ (مجموعة من النملات المرتبطة) عن طريق ربط أرجلها بعضها مع بعض مما يمكنها من حمل الأجسام الثقيلة المختلفة كالأوراق والأغصان حتى لو كانت هذه الأشياء تفوق أوزانها بكثير. هناك نقطةٌ أخرى مميزة، فهذه النملات تقوم بحياكة أنسجةٍ حريرية لتعليق عشها على الأشجار. أليست مذهلة!

آه، كدت أنسى، قام مصور فيتناميّ بتجارب بسيطةٍ على هذه النملات حيث كان يضع لها أشياء مختلفة لتحملها. جرب معها حبات فلفل التشيلي أولاً ليصل أخيراً إلى أقلام التلوين فحملتها! أي أنها رفعت ما يعادل مئة ضعف وزنها باستعمال قوة فكها فقط! لنفترض أنك أردت القيام بذلك، معنى هذا أن تحمل مئة ضعف وزنك باستعمال فمك أي قرابة 8600 كغ!

ملاحظة: لست مسؤولاً عن تكاليف طبيب الأسنان بعد قيامك بهذه التجربة.

نملات بألوان قوس قزح:

والآن سآخذكم من البيئة الصحراوية القاحلة إلى حديقة أحد المنازل الجميلة في الهند. هناك سكبت إحدى النساء الحليب بالخطأ على الأرض فشربته النملات وكانت المفاجأة أن لون بطون النملات انقلب من الشفاف إلى الأبيض فأخبرت زوجها -الذي كان عالماً- بالقصة وبما أن العلم لا يكتفي بمشاهدة الظواهر بل يعمل على دراستها فقد قام بإجراء بعض التجارب البسيطة حيث وضع قطراتٍ من مواد مغذيةٍ سكريةٍ مع بعض الملونات مع إضافة البارافين إليها حتى تتجمع في قطرات ثابتة ولا تنتشر. عندما تناول النمل هذه المواد تلونت بطونه بألوان الملونات المختلفة: لكن الأمر الملفت للانتباه هو أن النملات -رغم أن المواد الغذائية هي ذاتها في كافة القطرات- فضّلت القطرات الخضراء و الصفراء على غيرها من الألوان، للأسف ليس لدينا تعليلٌ لهذا حتى الآن لكن ربما يكتشف أحد القراء الأعزاء السبب يوماً ما.

النملة الرصاصة:

لن تستغرق عزيزي القارىء وقتاً طويلاً حتى تدرك من اسم هذه النملة أنها ليست الكائن المثالي لتعبث معه؛ لأن قرصة هذه النملة تعادل في ألمها التعرض لطلقٍ ناري وقد صنفت على أنها القرصة الأشد إيلاماً بين قرصات غشائيات الأجنحة! فخلال الـ 24 ساعة التي تلي القرصة سيحمر مكانها ويعاني المصاب من نوبات ألم حارق. لحسن الحظ فإن هذه الحشرة الشرسة لا تتواجد إلا في أماكن محدودة من العالم من نيكاراغوا (أمريكا الوسطى) إلى الباراغواي (أمريكا الجنوبية).

من الأمور الجديرة بالذكر في هذا الصدد أن إحدى القبائل تملك طقساً غريباً لانتقال الشخص من مرحلة الطفولة إلى البلوغ، حيث يقوم الراشدون في القبيلة بجمع مستعمرةٍ كاملةٍ من هذا النمل (قد يصل العدد إلى آلاف النملات) ثم يضعونها في قفازٍ خاص بعد تخديرها، يتوجب بعدها على البالغ الجديد الذي لا يتجاوز عمره 13 سنة وضعَ يده في هذا القفاز! عندما ينتهي مفعول المخدر تستيقظ النملات وهي في حالة هياجٍ شديد فتقرص يد الطفل بوحشية حتى تصاب يده بشلل حركي مؤقت (على أقل تقدير) ويعيش الطفل في هذه الأثناء حسب ما أعتقد أتعس لحظات حياته فالألم يزداد بعد القرص ولا ينقص. لا ينتهي الأمر هنا، حيث يُجبر الطفل على تأدية رقصات معينة دون أن يظهر تذمراً أو تعبيراً عن ألمه وإلا يرغم على تكرار الرقصة مرةً واثنتين وثلاث وحتى عشرين مرة حتى تنجح الرقصة. لحسن الحظ لا تتجاوز مراسم الانتقال من مرحلة الطفولة إلى البلوغ في مجتمعنا الحصول على هاتف محمول.

كلمة أخيرة:

إن التفكر والنظرة العميقة إلى الطبيعة، إلى أبسط الأشياء فيها- النمل في مثالنا- تكشف لنا عن الروعة الكامنة في كل جزءٍ من النظام الحيوي. روعةٌ تحتاج إلى أن نتخلى عن النظرة السطحية للأشياء وأن نستبدلها بأخرى فضولية تسعى إلى اكتشاف المخبّأ والبحث عن تفسيرٍ له مما يحرك قوانا العقلية ويلهب الحماس العلمي لدينا وهو أول الطرق التي تمكننا من الإحساس بروعة العلم.

المصادر:

هنا

حقوق ملكية الصور متضمنة في المصدر

لمشاهدة المزيد من صور تجربة المصور الفيتنامي Thanh Ha Bui:

هنا

ولمن يريد تنفيذ تجربة نملات قوس قزح:

هنا