الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

تحليل أسطورة التنين الكنعاني

هذا المقال تحليل لنص الأسطورة الذي ورد في المقال هنا

كما رأينا أن أبرز الأساطير هي أساطير التنين، وهو مخلوق مركب عرف عند الحضارة العراقية بأنه رمز الشّر، وقد ارتبط عند السومريين بـ"كور" الأفعى الكبيرة الذي يسكن العالم السفلي، وقد وصفه الآشوريون بإله الموت، أما ملحمة بعل الكنعانية التي سنتناول دراستها الآن وتحليل أسطورة التنين فيها، فقد رمز إلى كونه الأفعى الملعونة ذات الرؤوس السبعة.

فقد أدرك الكنعاني من خلال رؤيته للوجود، أن الحياة لا بد أن تعاش ضمن تناقضات متباينة في الطبيعة ومتباينة في الأسباب حيث دلت المجابهة السنوية بين بعل إله الخصب، مع التنين، إله الموت، على تناوب الفصول كما أن نزول بعل إلى سكن "موت" الجائع يدل على أسطورة سقوط الأمطار التي تسعى إليها التربة الجافة بفعل جفاف الصيف في الشرق الشبيه بفصل الموت وهذا السقوط ضروري حتى تبعث للتربة الحياة.

إذاً إن صراعهما كان أبدياً حيث تناوبا الهزيمة والنصر، فمرة ترجح كفة بعل فيكسب الجولة وتسود الدنيا الخيرات ومرة ترجح كفة موت فيحل بالأرض السكون والجفاف. ولنا أن نرى في هذه الاسطورة خطوة ارتقائية للعقل البشري سوغت له تفسير التناوب الفصلي لفصول السنة وما يستتبعه من تأثيرات على الأرض. وهكذا فإن أسطورة التنين تقول ما دام بعل حياً فإن الأرض تظل مخصبة. ولكي يكون هناك دورة حياتية للزراعة لا بد أن يموت لمدة سبع سنوات. أما التنين المتمثل بالإله موت نجد أنه ليس إلها معبوداً بالرغم من تسميته إلها فهو ليس في عداد الآلهة التي تقدم لها الذبائح واسمه لا يعني سوى الموت فهو يجسد حرارة الشرق في الصيف فهو يمثل فصل الموت.

وبسبب تحكم مفهوم الصراع بين الشر والخير عند الكنعاني فإنه حينما يحل الصراع بين بعل وموت لا تبرز أهميته بسبب الحدث، إنما بسبب الرمز أو بسبب النتيجة التي ستكون عليها الأرض وبسبب أهمية الالهة عناة فقد أُطلق عليها نعوتاً ورموزاً كثيرة يتعلق مجملها بالخصب والوفرة.

وكما ورد في نصوص أوغاريت، أن عناة تقتل الإله موت وتحرقه وتطحنه بمطحنتها اليدوية ثم تدفنه في الأرض ويعني ذلك أن اتصالا يحدث بين الموت وبين وسيلة الخلق في المستقبل، فالحبة لا تنبت إلا بعد الموت. إذاً إن موت الذي كان عليه أن يبتلع بعل دون شبع ينتهي ذبيحاً في عناة وهذا طقس يذكر بآخر فصل في فصول الربيع منتهياً بالاندحار أمام بعل في قتال مأساوي.

وبالنهاية نجد أن العقل البشري لم يستسغ الاستمرار في الاعتقاد بأن أصل الوجود هو الشر والظلام فأراد أن يعطي إله النور والخير أولوية الوجود، وفي الوقت نفسه يسوغ بطريقة ما وجود إله الشر.

المصادر:

- سلسلة الاساطير السورية، ديانات الشرق الأوسط.

- الميثولوجيا الكنعانية والاغتصاب التوراتي، حسن الباش.

- الاسطورة والتراث، السيد اقمني .

- التوظيف الحيوني في حضارتي بلاد الرافدين ومصر القديمة، عماد طارق توفيق.

مصدر الصورة: هنا