الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

الهواء مادّة الكون الأولى - أنكسيمينس

الفيلسوف اليوناني أنكسيمنس (Anaximenes) 584 – 525 ق.م، تلميذ الفيلسوف الذي تكلمنا عنه في الحلقة السابقة من هذه السلسلة "أنكسمندر" ويقال أنه كان تلميذاً لطاليس " تالس " أستاذ أنكسمندر أيضاً.

خالف أنكسيمنس معلّمه بفكرته عن أن أصل الأشياء من الــ"أبيرون" أو المبدأ اللامتعين، واتفق مع تالس أن الوجود ينبثق من إحدى العناصر الأربع، " الماء، الهواء، التراب، النار" ولكن خالفه بالعنصر المبدأ، واعتمد من العناصر الأربعة "الهواء" كمبدأ واحد ولانهائيّ لأصل الوجود، حيث يرى أنّه من الهواء اللانهائيّ صدرت جميع الموجودات، حتى الآلهة.

و حيث أنّ كلّ شيء في تغير، والتغير يتطلب حركة، وطالما أنّ الهواء مبدأ كلّ شيء، بالتالي هو غير محدد ولا نهائي، موجود بذاته ولا يحتاج في وجوده لغيره، وهو مصدر العناصر الأخرى الثلاث (الماء، التراب، النار)، حيث يتحول الهواء إلى باقي العناصر بآلية ميكانيكية، مثلاً عند ضغط الهواء يتشكل أولاً الماء، وعند زيادة تكاثفه وضغطه يتشكل التراب، أما النار فتتشكل عند خلخلة الهواء "البرق مثلاً".

وأما بقية الموجودات، فهي مزيج من درجات مختلفة من هذه العناصر، مثلاً عندما يكون الهواء رفيعاً يتشكل النار، وعندما يكون ثخيناً يتشكل الريح، وكلما ثخن شكل غيماً، فماءً، ثم أرضأ، فحجراً وهكذا دواليك.

يضيف أحد المؤرخين وهو هيبوليتوس (Hippolitus) تعليقاً مثيراً بأن الأشياء إنما هي نتاج ضدّين، البارد والحار. إلّا أنّ "أنكسيمنس" فسّره وفق نظريته أن البارد والحار ليسا شيئين، إنما هما أقصى حالات الهواء (النار وهي الحالة القصوى للحرارة، أما التراب فهو أقصى حالات البرودة).

لكن كيف الهواء هو أصل الوجود، والكائنات من النار والتراب؟

يمكن تفسير الأمر هكذا، عندما تخرج هواء من فمك وشفتاك مضمومتان يخرج الهواء بارداً، وعندما ترخي شفتاك وتقوم بالنفخ سيكون الهواء ساخناً!

هكذا يتحول الهواء المضغوط إلى أشياء باردة، والأشياء الباردة صلبة كالتراب والحجر، وبطريقة مشابهة يتحوّل إلى نار.

هل استطاع أنكسيمنس أن يبرهن على أنّ المبدأ أو العنصر الأول " الهواء" هو إله بذاته:

يرى أنكسيمنس أنّ مادة العناصر الأربعة مساوية للكائنات الإلهية ومشابهة لها، فالهواء بالنسبة لأنكسيمنس هو إله، فهو غير محدود، ولانهائي، وفي حركة دائمة، موجود من لاشيء ويوجد بكل شيء.

وبما أنّه لانهائيّ وغير محدود فهو خالد بالضرورة، أو في حالة أخرى -أي إن لم يكن خالداً- سيكون محدوداً ومشروطاً، وكما الإله، فالهواء متحرك بذاته، وهو أصل كل حركة، يحيط بالكون ويجعل أجزاءه متماسكة كلٌّ مع بعضه.

في الحقيقة أنكسيمنس يستخدم مصطلح الهواء (Air) والنَفَسْ (Breath) كمصطلحين مترادفين، وقد يقودنا هذا إلى استنتاج أن كل من لديه نَفَس (Breath) ففيه حال إلهية، أي أن الروح (Spirit) أو الهواء (Air) تعطي الحياة لجميع الكائنات الحية (Sentient Being).

المصدر: هنا

مصدر الصورة: هنا