كتاب > مفكرون وكتّاب

غادة السمان.. ياسمينة الشام.

استمع على ساوندكلاود 🎧

"لن أضجر من الاعتراف، منذ ربع قرن وأكثر: دمشق مسقط قلبي. مدينة دمغتني بكل ذكرى عشتها فيها، وعلمتني دروساً وأنا طفلة حتى مطلع العشرينات من عمري حين ودعتها وغادرتها بعد شجار مجنون من (شجارات) العشاق ولم أعد بعدها أبدا. افترقنا وبقيت تقيم في قلبي بأزقتها القديمة وطقوسها اللامنسية وأحن إلى بيت جدي في (زقاق الياسمين) خلف الجامع الأموي، ولعل بابه العتيق لن يتعرف عليّ إذا عدت اليوم وقرعته".

هكذا تروي غادة السمّان حبها لدمشق، وهكذا تكتب بحروف ينبض فيها الحنين للفيحاء. ولعل بُعدها عن دمشق هو الذي فجر فيها هذه المشاعر، ولكن الدمشقيين ينكرون ذلك فهم يدّعون أن حب الشام يُشرب مع الجرعة الأولى ممزوجاً بحليب الأمهات، وغادة السمّان شاميةٌ أباً عن جَد.

ولدت غادة السمان في دمشق عام 1942 لأسرةٍ برجوازية، فقدت أمها سلمى وهي صغيرة فما كان منها إلا أن تعلقت بوالدها كثيراً وتأثرت به أيمّا تأثير، ولعل هذا الوالد الأستاذ أحمد السمّان هو الذي زرع في غادة حب الحرف والقلم، فالاستاذ أحمد كان رئيساً للجامعة السورية ووزيراً للتعليم، وكان مولّعاً بالأدب العالمي والتراث العربي في الوقت نفسه، وهذا ما فتح آفاقاً عدة أمام غادة السمّان.

نالت شهادة الليسانس في الأدب الأنكليزي من جامعة دمشق سنة 1963 وأتبعتها بشهادة الماجستير في مسرح اللامعقول من الجامعة الأمريكية في بيروت، كان أول إصدار لها مجموعة قصصية بعنوان "عيناك قدري" في العام 1962. وبدأت ملامح أدب غادة السمان بالتبلور والنضج الكامل في مجموعتها القصصية الرابعة "رحيل المرافئ القديمة"في العام 1973. وعندما كتبت غادة روايتي "كوابيس بيروت"و "ليلة المليار" عدها الكثيرون من رواد الرواية العربية وذهب بعضهم إلى أنها أهم من نجيب محفوظ ذاته.

تنقلت غادة السمان بين مختلف العواصم الأوربية واستقر بها الحال مع زوجها الناشر المعروف بشير الداعوق صاحب دار الطليعة في فرنسا منتصف الثمانينات. توقفت عن النشر واعتكفت في بيتها الباريسي منذ العام 2011.

غادة السمّان تؤلف في مختلف الفنون الأدبية القصة والشعر والرواية، والصحافة أخذت قسماً مهماً من خارطة ابداعاتها، ومحبوا أدبها موعودن بإنتاج لا نعرف عنه شيئاً فهي قد أودعت بعضاً من أعمالها في أحد البنوك السويسرية ووعدت بأن ينشر في الوقت المناسب.

لعل النقطة التي يقف عندها الكثيرون في حياة غادة السمان وينسجون الكثير من التحليلات والتعليلات حولها هي تلك الحادثة التي جرت في العام 1993 عندما أحدثت ضجة كبيرة بنشر رسائل حب كانت قد أرسلت لها من غسان كنفاني في ستينات القرن ولم تكن تلك العلاقة العاطفية التي تجمعهما خافية على أحد، ولكن التوقيت كان غريباُ واعتبره البعض ضرباً في القضية الفلسطينية.

وفي إحدى حواراتها تجيب غادة السمان عن هذا الموضوع فتقول:

"غسان كان ينشر رسائله لي على صفحات الصحف ويقوم بقراءتها على الأصدقاء معلناً حبه، وبالتالي أنا لم أبح بسر ،ثم إنني توهمت أن خطوتي هذه ستشجع سواي على سد النقص العربي في حق أدب المراسلات والاعتراف، وللأسف كنت مخطئة، وحدث العكس ولم يجرؤ أحد خلال العقدين الماضيين على مجاراة خطوتي والغضبة (المضرية) والحملة الصحافية عليّ أخافت الكثيرين، لكنها ببساطة لم تخفني، ولأن أحداً سواي لم يتقدم (لتعليق الجرس) سأقوم أنا بذلك وسأتابع نشر رسائل المبدعين الراحلين لي، وليكن ما يكون، ثمة حروف جميلة في الأدب العربي لا يحق لأحد احراقها أو حذف كلمة منها"

يبلغ عدد مؤلفات غادة السمّان خمسون كتاباً في شتى المجالات الأدبية، وهي الأدبية العربية الأولى التي أنشأت دار نشر بإسمها، ولعلها المرشحة العربية الأوفر حظاً لنيل جائزة نوبل للآداب.

قد لا تسنح هذه الفرصة بذكر الكثير من تفاصيل حياة غادتنا، ولكن هذا المقال هو عبارة عن باب خشبي عتيق لبيت دمشقي زاخر بالخضرة، مفعم بعبق الياسمين والبن الدمشقي المشبّع بالهال، كل ما عليكم هو أن تفتحوا هذا الباب وتدخلوا إلى عالم مليء بالمتع والهدايا التي لا تنتهي.

المصادر:

مجلة الإعلام والعصر.

جريدة السفير.

جريدة النهار.

جريدة الرياض.