الكيمياء والصيدلة > صيدلة

ياسر عرفات: التسمم بالبولونيوم

في الذكرى التاسعة لوفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، صدر تقرير للطب الشرعي السويسري يشير إلى أن الوفاة من المحتمل أن تكون نتيجة للتسمم بالبولونيوم... 
ما هو البولونيوم؟ ولم له هذا التأثير المميت؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لنتحدث بداية عن أساسيات النشاط الإشعاعي:
- النشاط الإشعاعي مصطلح يطلق على انبعاثات بعض الجزيئات أو الأمواج الكهرمغناطيسية الناتجة عن تفكك النوى في الذرات. 

- عندما تختلف ذرات العنصر نفسه بعدد النترونات الموجودة في الأنوية تدعى النظائر. 

- العمر النصفي للظير هو الوقت الذي يستغرقه نصف المادة في العينة ليتحول إلى مادة أخرى.

- النشاط الإشعاعي لمادة ما يتناسب عكسياً مع العمر النصفي للمادة.


بالعودة للبولونيوم، فإنه يعد معدناً ثقيلاً ذو نشاط إشعاعي كبير، حتى أنه من الممكن القول أنه أكثر المواد المميتة المعروفة. وعلى الرغم من وجود بعض الاستخدامات الصناعية الثانوية له فإنه معروف بشكل أكبر بعلاقته بالاغتيالات المحتملة. كما يستخدم لتقديم النترونات في لب الأسلحة النووية. هذا العنصر الذي اكتشفته ماري كوري، وسمي على اسم وطنها بولندا، هو العنصر 84 في الجدول الدوري، وتشاركه جميع نظائره النشاط الإشعاعي، وتتفاوت أعمارها النصفية بين أجزاء من مليون من الثانية وحتى 103 سنين.

عندما تشاهد وتستمع عن البولونيوم في وسائل الإعلام، فإن الحديث في الغالب يكون حول نظير البولونيوم 210. وهو النظير ذو العمر النصفي 138 يوم، فعلى الرغم من نشاطه الإشعاعي الكبير فإنه يكون مستقراً بشكل كاف ليتم نقله. وقد تمت الإشارة إلى البولونيوم 210 كوسيلة للاغتيال، وتعد قضية مقتل عميل المخابرات الروسية الصحفي ألكسندر ليتفينينكو عام 2006 أكثر القضايا المحتملة لاستخدامه في الاغتيالات، إضافة لقضية الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.

وبما أن الهواء يتفاعل مع جسيمات ألفا، فيجب أن يبلع البولونيوم أو يحقن في جسد الضحية. ويزعم في حالة ألكسندر ليتفينينكو أنها أعطيت له في كأس من الشاي. ويعتبر العمر النصفي 138 يوم للبولونيوم 210 قصيراً، فهو ذو نشاط إشعاعي عال. وعلى الرغم من أن درجة ذوبانه 254 درجة مئوية، إلا أنك إذا أخذت قطعة بوزن 1غ منه فيمكنها أن تولد حرارة كافية لإذابة نفسها. وهذا السائل يلمع بلون أزرق نتيجة لتفاعل جسيمات ألفا مع الهواء المحيط.

تأثيرات البولونيوم:
إن الجرعة السمية من البولونيوم 210 هي 1 مكروغرام، بعبارة أخرى جزء من مليون من الغرام. وهي جزء من عشر آلاف جزء من الجرعة السمية لأقوى غاز أعصاب.

ويعد نمط الإشعاع عاملاً في تحديد مدى خطورة المادة، وكما أشرنا سابقاً فإن نمط الإشعاع في البولونيوم 210 هو جسيمات ألفا.

جسيمات ألفا مماثلة لنوى الهيليوم (بروتونان ونترونان). وهي جسيمات كبيرة نسبياً لا يمكنها أن تنتقل في الهواء لمكان بعيد كما يمكن أن توقف بواسطة قطعة من الورق. وتستطيع جسيمات ألفا أن تخرج إلكترونات من العناصر (محولة إياها إلى شوارد)، وبدورها تكون هذه العناصر المشردة شديدة الفعالية وقادرة على القيام بتفاعلات لا تحدث عادة بشكل طبيعي في جسم الإنسان. فعلى خلاف التسمم الإشعاعي الذي يستهدف الحمض النووري ويسبب السرطان، فإن جزيئات ألفا تتصرف كجسم عادي، ولكنها تستهدف نظماً حيوية مختلفة بدلاً من أن تحدد نوعاً واحداً من الجزيئات.

وتماثل الآثار السمية للبولونيوم تلك التي يملكها التسمم الإشعاعي الحاد والتي تحدث بالتعرض ليوم واحد لكمية كبيرة من النشاط الإشعاعي المشرد. وتشمل الآثار أضراراً على جميع الخلايا سريعة النمو في الجسم البشري: نقي العظم (انخفاض عدد خلايا الدم مسبباً التعب)، الخلايا الهضمية (مسبباً الإقياء والإسهال)، الخلايا الجريبية (مسبباً تساقط الشعر).

وتتم المعالجة بنفس طريقة التعامل مع التسمم بالمعادن الثقيلة من خلال عوامل قادرة على الارتباط بالمعدن وجعله أكثر عرضة لأن يطرح. ولكن غالباً ما أن تظهر أعراض التسمم بالبولونيوم 210 على الضحية فإن آثارها غالباً ما تكون قاتلة.

كشف البولونيوم:
نتيجة للنشاط الإشعاعي الكبير له، عادة ما يتم الكشف عنه باستخدام الطريقة التي يتفاعل بها. فإن سرعة وطاقة جسيمات ألفا المنتجة بالإشعاع نوعية لكل نظير، وكأنه يترك توقيعاً لنفسه يمكن به الكشف عن المادة المستخدمة. حيث تؤخذ عينة من السائل الذي يشك باحتوائه على البولونيوم وتجفف على سطح ماء، ومن ثم تقاس طاقة الجسيمات المنبعثة منه. إن عدد الجسيمات المنبعثة وطاقتها يتناسب طرداً مع كمية المادة المشعة في العينة.

إن العمر النصفي القصير للبولونيوم 210 يجعل من الصعب دراسته. ومن الصعب البحث عن بقاياه تلوث بالبولونيوم بعد مرور فترة طويلة من الوقت. إلا أن قياس نسب النواتج المستقرة للنظائر المختلفة للبولونيوم قد يعطي صورة ما عن وقوع التسمم. ولكن ذلك يعتمد على التكوين الأولي للعينة وما إذا كانت عرضة للتلوث.

يذكر أن الزعيم الفلسطيني توفي في الحادي عشر من تشرين الثاني من العام 2004 في مسشفى باريس بعد شهر من مرضه الذي تضمن آلاماً بطينة وإقياء، ولم يجر أي تشريح للجثة. إلا أن بعض الأدوات التي استخدمها الزعيم الراحل في أيامه الأخيرة قدمت للفريق للتحقيق.


المصدر: هنا