الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

ما هي الحقيقة؟

كيف تدرك ما هو حقيقي و ما هي الحقيقة؟ لطالما كان البحث عن الحقيقة الهدف الرئيسي للمؤرخ والعالم والمحقق. ولكن... ما هي الحقيقة؟ فلنتعرف على الاتجاهات الفكرية التي عرّفت الحقيقة:

نظر الفلاسفة إلى ماهية الحقيقة من عدة زوايا. فلأول مرة في عهد أرسطو (384-322 ق. م.) عرفت الحقيقة بأنها كل ما يستند إلى وقائع. أي أن الحقائق يجب أن تتوافق والوقائع الموجودة في هذا العالم. وعليه فقد أدرج هذا الاتجاه الفكري تحت عنوان نظرية التوافق ( correspondence theory). فعندما تسأل ما هي الحقيقة؟ يكون جواب هذه النظرية أنها علاقة معينة بين شيء ما والوقائع المقابلة له. تعرضت هذه النظرية للنقد بحجة أن تفسير الحقائق أمر نسبي وقد يرتبط بذهن المفسر وعقله، وانتقل الأمر بدلاً من تعريف الحقيقة إلى تعريف "الوقائع". وعليه يرى الفلاسفة المعارضون لهذه النظرية أن الحقيقة ضمن نظرية التوافق لا تتعدى حدود المعتقد الشخصي على أن تمثل الحقيقة المطلقة. هنالك في الواقع عمليات للتحقق من المعتقدات ولكنها تعمل من خلال إنشاء مزيد من المعتقدات والتصورات وتقييم المعتقداتا الأصلية في ضوئها.

على سبيل المثال، إذا ما قلنا أن "العشب أخضر"، وأتى فيما بعد شخص ما مصاب بعمى الألوان، ولم يره أخضراً... فماذا ستكون الحقيقة عندئذ؟

نظر فلاسفة آخرون إلى الحقيقة على أنها وحدة متكاملة تشكل مكوناتها نظاماً مترابطاً منطقياً أو ما يدعى بشبكة المعتقدات. و بذلك فإن معتقداً شخصياً يصبح حقيقة إذا توافق مع شبكة المعتقدات تلك. فعلى خلاف نظرية التوافق التي تتعامل مع الحقيقة من خلال اقتراح إنشاء علاقة بين هذه الفرضية وخصائص هذا العالم وأحداثه، فإن نظرية الاتساق تتعامل مع حقيقة فرضية ما من خلال اقتراح علاقة ما بين هذه الفرضية وفرضيات أخرى. هكذا كان التوجه الفلسفي للحقيقة عند فلاسفة أمثال برادلي و جوشيم.

على سبيل المثال، إذا ما كان هنالك سائق سكران يقول: "إن هنالك فيلة وردية على الطريق العام"، فإننا نفحص حقيقة هذا الأمر من خلال الأخذ بعين الاعتبار معتقدات سابقة تم قبولها على أنها حقيقة كالتالي:

- الفيلة رمادية.

- هذه المنطقة ليست موطناً للفيلة.

- ليس هنالك حديقة حيوان أو سيرك في هذه المنطقة.

- من المعروف أن الأشخاص في حالة السكر الشديد يعانون من الهلوسات.

ولكن لربما يكون السبب الأوضح لنفي حقيقة هذا الأمر، أن أياً من الناس الآخرين لا يرى أي فيلة وردية على الطريق. أي بالمختصر، إن السكران فشل في في التماشي مع فرضيات أخرى نعتقد بصحتها. وقد تكون هذه الشبكة من المعتقدات في بعض النظريات هي معتقدات الجماعة، أو المعتقدات الشخصية، أو معتقدات الطبقة المثقفة في المجتمع في نظريات أخرى.

تعرض هذا التوجه الفلسفي للحقيقة للنقد على يد فلاسفة أمثال راسل. حيث ادعى الأخير بإمكانية وجود شبكات معتقدات مترابطة وغير متوافقة وفي الوقت نفسه تكون إحدى الشبكات تمثل حقيقة معينة بينما تشوب المغالطات الشبكات الأخرى. فإن قولنا أن نقطة ذوبان مادة ما أقل من نقطة ذوبان غيرها قد يتماشى مع معتقداتي و"معارفي" دون أن يتماشى مع معارفك، فعل هذا يجعله حقيقياً بالنسبة لي وغير حقيقي بالنسبة لك؟

كانت الواقعية وليدة هذا الفكر النقدي. حيث ادعت بأن شبكة معتقدات معينة قد تستمر بتفسير حقيقة ما إلى أن تأتي شبكة معتقدات جديدة وتقدم تفسيراً أكثر عملية وواقعية تماماً كما تقوم الطبيعة بالاصطفاء الطبيعي (البقاء للأصلح). إن استبدال قوانين الميكانينا النيتونية بقوانين النظرية النسبية في تفسير حركة الأجسام في الفضاء والزمن هو مثال على الاصطفاء الطبيعي لشبكات المعتقدات. لذلك أكد الفيلسوف الأمريكي بيرس على أهمية الاختبارات وإنشاء الفرضيات التي تكون الحدود المثالية للحقيقة دون إنكار إمكانية تبدل هذه الحدود مع الزمن. الأمر الذي دعى أحد الفلاسفة، ويدعى روتري، إلى استبدال مفهوم الحقيقة بمفهوم التغير غير المحدد للمعتقدات.

وفي الخلاصة نرى أن نظرة الفلاسفة للحقيقة تبدلت من مفهوم الاستناد إلى الوقائع ووجود حقيقة واحدة ثابتة إلى مفهوم الحقيقة المتبدلة مع الزمن والتي تخضع لقانون الاصطفاء الطبيعي.

إلى أي من الإتجاهات الفلسفية السابقة تميل أكثر؟

المصدر:

هنا

هنا