التاريخ وعلم الآثار > تحقيقات ووقائع تاريخية

الشرفK ذلك القانون الذي يصنع منا فرساناً

الشرف هو مفهوم مجرد يستلزم الحس الواعي بالقيمة والاحترام الذي يؤثر على المكانة الاجتماعية والتقييم الذاتي لشخص أو لجماعة كعائلة أو مدرسة أو فوج أو أمة. وبالتالي يمتلك الأشخاص (أو الجماعات) القيمة والمكانة بقدر تناغم أفعالهم مع قانون الشرف ومنظومة القيم الاجتماعية بشكل عام.

يمكن النظر إلى مفهوم الشرف من وجة نظر نفسية محلية بكونها حقيقية للظروف البشرية كما هو الحب. وكالحب، يستمد الشرف كينونته من تشكيل مواثيق الشخص التي تكون الأساس لكرامته وشخصيته. أما من وجهة نظر مذهب الأخلاق النسبية، ينبثق الشرف من إشفاق عام كلي من المكانة والظروف المادية، لا من فروق أساسية في المبادئ بين معايير مختلفة تحدد الشرف.

الشرف لغة هو العلو والرفعة، ومنه جاءت مكانة الشريف في علوها، والشرفة في إطلالها من أعلى على المنظر. كما يقول الدكتور سامويل جونسون في كتابه "قاموس اللغة الإنجليزية" لعام 1755 بأن تعريف الشرف هو "امتلاك عدة قدرات، أولها نبل الروح، ثم الشهامة، ثم احتقار الوضاعة." وهذا النوع من الشرف ينبثق من السيرة الحسنة والاستقامة التي يتمتع بها الفرد. ولكن جونسون يعرف الشرف أيضاً باعتباره على علاقة مع السمعة والشهرة وامتيازات الطبقة الاجتماعية والولادة، واحترام النوع الذي يضع المرء في مكانته الاجتماعية المستحقة ويحدد حقه بالأسبقية. وهذا النوع من الشرف ليس مشتقاً من التميز الأخلاقي بل هو حصيلة وجود النفوذ لدى المعنيين. أما من وجهة نظر جنسية، فالشرف حسب التقاليد كان دائماً مرتبطاً بالعفة والعذرية، أو بالإخلاص بين المتزوجين. ويرى البعض أن الشرف لا يجب أن يُحدد بمعايير معينة، بل أن يكون أكثر مرونة وقابلية للتغيير.

والشرف كمنظومة للمعايير يحدد واجبات الفرد ضمن الجماعة. وصفت مارغريت فيسر هذه الحالة فقالت بأن المرء في مجتمعه يعتبر الشرف من أسسه هو "ما يراه الناس فيه". تتشابه أنظمة الشرف مع الأنظمة القانونية في كونه ذا أصول مجتمعية وفي كونه معنياً بالعدالة، إلا أن الاختلاف بينهما يكمن في كون الشرف ضمنياً لا مصرحاً به.

كما أن الشرف يختلف عن الكرامة والتي يعتبرWordsworth أن قياسها يكون بوساطة وعي الشخص لا بوساطة أحكام المجتمع. بينما كان الشرف في القرون الوسطى في أوروبا مرتبطاً بما يملك اللورد من أراضٍ وقصور. " كان الاستخدام الأول للكلمة للتعبير عن الملكية التي يملكها أحدهم والتي تعطي صاحبها الكرامة والمكانة الاجتماعية". وعندما كان يقسم المرء بشرفه فالقصد لم يكن يعني نزاهة المرء أو مرتبته الاجتماعية وحسب، وإنما استعداده لعرض ملكيته كضمانة لكلمته علاوةً على ذلك.

وقد بدأت مفهوم الشرف بالانحدار في الغرب الحديث، فاستبدله الضمير على مستوى الفرد، وحكم القانون وما ينبثق عنه من حقوق وواجبات على مستوى الجماعة. بينما حافظت الشعوب التقليدية على المعنى الأكثر حسماً للشرف في مفاهيمها. شعوبٌ كالباشتون وسكان جنوب إيطاليا، والبولنديين، والفرس، والأتراك، والعرب، والأسبان والبرتغاليين، وسكان الولايات الجنوبية من الولايات المتحدة.

كما تميل الشعوب المعتمدة على الزراعة، حيث لملكية الأرض قيمة معتبرة، إلى اعتماد مفهوم الشرف أكثر من الشعوب الصناعية المعاصرة. وقد تجاوز القديس أنسليم من كانتبري في مفهوم الشرف تعريفه المتعلق بالمجتمع الإقطاعي ليشمل التسليم بشرف الرب. كما أن للشرف قيمة كبيرة في مؤسسات تقليدية معينة كالعسكرية (يمكن للضباط أن يقيموا محاكمة شرف) وفي مؤسسات ذات نظام عسكري كالكشاف.

أما من وجهة نظر الجنس، فالشرف كان دائما، في الأعراف والتقاليد وعلى مر التاريخ، مرتبطاً بالإخلاص. فحفظ الشرف كان يمثل بالحفاظ على العذرية لغير المتزوجين، والتوحد بالشريك دوناً عن الجميع للمتزوجين. ويختلف هذا المفهوم بين الشعوب حسب ثقافاتها، فبعض الثقافات ترى في جرائم الشرف رد فعل مبرر خاصة تجاه النساء اللائي يلوثن شرف العائلة بأن يتزوجن بمن لا ترضاه العائلة، أو حتى بأن تكون ضحية للاغتصاب. ويعتبر مرقابون غربيّون أن هذا النوع من الجرائم هو وسيلة الرجال في التحكم بممارسات نسائهم الجنسية.

وكانت المجتمعات الألمانية العائدة للعصر الحديث ترى السلاخ والجلاد وحفار القبور والراعي والحلاق/الجراح والطحان وحائك الكتان ومخصي الخنازير ومنظف المراحيض والحاجب وعوائلهم من بين قليلي الشرف.

يميّز العديد من الباحثين الإجتماعيين و الإنسانيين بين ثقافة الشرف و ثقافة القانون، حيث أن لدى ثقافة القانون مرجعاً من القوانين التي يجب إطاعتها من الجميع تحت طائلة العقاب و هذا ما يتطلب مجتمعاً يملك الهيكليات اللازمة لتطبيق و تفعيل القوانين، ثقافة القانون تتضمن أيضاً عقداً إجتماعياً غير مكتوب بين أعضاء المجتمع يوافقون فيه على التخلي طواعيةً عن بعض حرياتهم (حقوقهم) بالانتقام أو الرد على ما قد يصيبهم من غيرهم تحت فرض أن المعتدين سيلقون عقابهم من قبل القانون و المجتمع.

بالنسبة للعلماء الإنسانيين، تظهر ثقافات الشرف في المناطق البدوية التي يرتحل سكانها من مكان لآخر بحثاً عن غذاء لهم و لقطعانهم، حاملين معهم أثمن ما يملكون مخاطرين بالتعرض للسرقة او الإعتداء، دون وجود ملجأ أو سلطة تفرض القانون، في هذه المواقف فإن الخوف أفضل من غيره بالتعامل مع الآخرين حيث أن انتشار سمعة الانتقام القاسي تزيد من أمان الأفراد و الممتلكات.

هنالك ثلاثة عوامل وفقاً لـ Richard Nisbett إذا تواجدت فمن الممكن نشوء ثقافة الشرف:

*قلة الموارد

*فائدة السرقة و الجريمة تغلب على ضررها

*عدم وجود سلطات لفرض القانون ( كالأماكن النائية)

تاريخياً، تواجدت هذه البيئات في الأماكن التي اعتمدت إقتصادياً على رعي الحيوانات، حيث تكون جغرافية المكان واسعة جداً بسبب عدم قدرة الأرض على دعم الزراعة و بالتالي عدم وجود تعداد سكاني كبير، فيكون خطر سرقة الحيوانات كبيراً لقيمتها الكبيرة و لعدم وجود سلطة لتطبيق القانون، أيضاً يمكن أن تنشأ هذه المجتمعات في حارات و أزقة المدن الفقيرة حيث يسيطر الفقر على حياة الناس وتكون السرقة مجزية بغياب أو تقاعس سلطات فرض القانون.

عندما تظهر ثقافة الشرف في مجتمع ما فسيصبح من الصعب التحول لثقافة القانون فهي تتطلب من الناس عدم الرد الفوري أو الإنتقام وهو ما يعبر عن الضعف في ثقافة الشرف.

في العلاقات الدولية المعاصرة مفهوم المصداقية يعادل مفهوم الشرف، فعندما تصبح مصداقية دولة أو حلف ما في خطر فإن السياسين الشرفاء يطالبون بإجراءات قاسية للحفاظ على هذه المصداقية.

في اليونان القديمة، فإن مفهوم الشرف يضم بالإضافة الى تمجيد حامل الشرف، فضح الطرف الآخر الذي تعدى على غيره.

كما يظهر شكل آخر للشرف في الصين حيث رفض أحد الأمراء أن يهاجم عدوه بغتةً، الأمر الذي رفضه أمراء آخرون واصفين إياه بالغباء.

وفي اليابان حيث يقوم محارب الساموري بقتل نفسه بالسيف (Seppuku) عندما يفقد شرفه أو يخسر في معركة، فالقيام بقتل النفس هي الطريقة الوحيدة التي تضمن موته بشرف في المعركة.

في الإنكليزية كلمة شرف قد تعني الأوسمة التي يتلقاها الفرد عسكرياً او مدنياً كنيل رتبة فارس في المملكة المتحدة أو عضوية فيلق الشرف في فرنسا.

المصدر: هنا

مصدر الصورة: هنا