الفيزياء والفلك > فيزياء

هل بينت التجارب حقاً خطأ مبدأ أساسي في ميكانيك الكم؟

مرة بعد أخرى وعبر عقود من الاختبارات كانت التجارب تثبت صحة القوانين الغريبة للنظرية الكمومية. لذلك عندما أعلن علماء في ألمانيا عام 2012 عن خرق واضح لقانون أساسي في ميكانيك الكم، عقد فيزيائي من جامعة روتشستر العزم ليجد تفسيرا ذلك.

" لا يمكنك كسر قوانين ميكانيك الكم بهذه السهولة " يقول روبرت بويد، البروفيسور في البصريات والفيزياء في جامعة روتشستر والذي يشغل الكرسي الكندي للبحث المتميز في البصريات الكمومية اللاخطية في جامعة أوتاوا.

كما نذكر دوما ففوانين ميكانيك الكم تقتضي أن تُظهر الجسيمات كالالكترونات والبروتونات وحتى الذرات والجزيئات خواصاً تشبه خواص الامواج في تداخلها وانعراجها. كما تبدي الامواج كالامواج الكهرطيسية خواصاً تشبه خواص الجسيمات من حيث تفاعلها مع الالكترونات مثلا كما يتفاعل جسيمين يصطدمان ببعضهما. أحد أبرز التجارب التي تظهر هذه الخواص هي تجربة شقي يونغ باستخدام الجسيمات. وفيها يتم امرار حزمة من الالكترونات عبر شقين متجاورين على سطح واحد لتكمل طريقها وتصل لحاجز موجود خلف السطح الأول. تستلزم الخواص الجسيمية للالكترونات ان تتوزع حول نقطة مركزية خلف الشقين بينما في حالة الامواج كاستخدامنا للضوء مثلا (بما أنه موجه كهرطيسية) فسوف تظهر خطوط من النور والظلام تدعى "أهداب التداخل". المثير في حالة استخدام الالكترونات أنها لا تتوزع حول نقطة مركزية ولكنها تتوزع بحيث تعطي أيضا أهداب من مناطق تواجد وعدم تواجد الالكترونات. أي كان الالكترون الواحد مر عبر الشقين معا تماما كالموجة. والأكثر إثارة أنه عندما نضع مقياساً عند أحد الشقين لمعرفة من أين مر الالكترون فإن أهداب التداخل تختفي لتتوزع الالكترونات حول نقطة مركزية. وكأنه لا يمكننا أن نرصد الخواص الموجية والجسيمية معاً. واحدة فقط في كل مرة. ولكن دون قياس فستمتلك الجسيمات خواص الامواج وبالعكس وهو ما يعرف بمبدأ المثنوية أو ثنائية الموجة-جسيم.

في عام 2012 أعلن رالف مينزل وزملاؤه في جامعة بوتسدام بعد اجرائهم لنسختهم الخاصة من تجربة شقي يونغ أنهم تمكنوا من تحديد مسار الالكترون ورصد وجود أهداب التداخل في آن واحد." كانت هذه النتيجة مفاجئة جداً، لأن أحد المبادئ الأساسية لميكانيك الكم ينص على عدم إمكانية وجود تداخل كمومي عندما نعلم عبر أي من الشقين مر الجسيم (الفوتون في هذه الحالة) " يقول بويد. قام بويد وزملاؤه بإعادة تجربة مينزل بعد أن أثارت هذه النتائج الغريبة فضولهم .

كانت بيانات تجربة مينزل سليمة تماما، لذلك لم يتفاجئ فريق بويد عندما حصلوا على نفس النتائج الأولية. "تساءلنا أنا والمساعدين ما الذي يمكن أن يفسر هذا الخرق الظاهري لمبدأ أساسي في ميكانيك الكم. وما وجدناه أن حل المشكلة يتطلب مهارة عالية في طريقة تحليل بيانات هذا النوع التجارب"

اتبع فريق بويد أسلوب مينزل وباحثي بوتسدام، فشكلوا زوجاً متشابكاً من الفوتونات، أحدهما يدعى فوتون الإشارة والآخر يدعى الفوتون المهمل أو الخامل. وبقياس موضع الفوتون المهمل استطاعوا تحديد الشق الذي مر فوتون الإشارة عبره. ورصدوا بعدئذ نموذج تداخل ناتج عن فوتونات الإشارة، مما يتفق مع نتائج مجموعة بوتسدام في تناقض ظاهري مع مبدأ المثنوية.

إن الفحص الدقيق للنتائج يظهر أن وضوح نموذج التداخل يكون أكبر في بعض الأماكن و أصغر في أماكن أخرى. وعلى وجه التحديد، كان الوضوح الأشد المسجل أعلى بكثير من الوضوح الوسطي لكامل النموذج.

اكتشف بويد وزملاؤه أن عملية القياس التي قام بها الفريق الألماني كانت دون قصد تأخذ باحتمال أكبر المناطق التي يكون فيها التداخل أشد وضوحاً من بقية المناطق. وفي حين أن عدد قليل فقط من الفوتونات أعطت تداخلاً واضحاً فقد اعتمد الفريق الألماني على جميع الفوتونات لتحديد الشق الذي مرت عبره. أي أن فريق الباحثين الألماني عمم الخواص الموجية للعدد القليل من الفوتونات على جميع الفوتونات.

تسمى هذه الظاهرة بالمعاينة المتحيزة أو biased sampling، وتحدث عند اختيار قياسات معينة - لمنظومة ما - باحتمال أكبر مقارنة باحتمال اختيار غيرها من القياسات، ثم يتم اعتبار القياسات الفرعية - بطريق الخطأ- على أنها ممثلة لكامل المنظومة. في هذه الحالة، فإن الفوتونات ذات الوضوح الكبير كانت المرجحة لتعتبر كعينة. لكن عندما قام فريق بويد بمعاينة كل المتغيرات بشكل متساو – أي إعطاء كل منظومة فرعية الفرصة ذاتها لتكون قابلة للكشف و لتعتبر كعينة – حلت المشكلة، فكانت النتائج متسقة مع التفسيرات المعيارية لميكانيك الكم.

أكد بويد أن مجموعة مينزل فسرت البيانات كما كان سيفسرها أي شخص آخر. كانت النتائج "غريبة" و "لاتصدق"، ولكنها استغرقت من بويد وزملائه حوالي السنة والنصف لاكتشاف ما حدث. يقول: بطريقة ما شعر كل شخص بالراحة، لأن فهمنا للقوانين الكمومية قد تأكد مجدداً.

المصدر: هنا